05 نوفمبر 2024
الأردوغانية الجديدة
لا يمثّل رئيس الوزراء التركي ورئيس حزب العدالة والتنمية المستقيل، أحمد داود أوغلو، الضحية الأخيرة للخلافات في أوساط الحزب مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، فقبله كان رفيق الدرب وأحد مهندسي تجربة "العدالة والتنمية"، عبدالله غول، الرئيس التركي السابق، هو الآخر ضحية للخلافات مع أردوغان.
نموذج أردوغان اليوم ليس هو نفسه الذي كان عضواً في حزب الرفاه، وسُجن من أجل قصيدة، أو رئيس بلدية اسطنبول، أو حتى القيادي الذي أسس حزب العدالة والتنمية، ما شكّل حينها "نقطة تحول" في التاريخ السياسي التركي الحديث، ما كسر الحلقة المفرغة من سيطرة الأتاتوركيين والجيش على السلطة، وأفرج عن أبعاد أخرى للديمقراطية التركية، ودفع باتجاه نمو اقتصادي مذهل.
لا نتحدث عن أردوغان الشخص، فقد يكون ما ظهر من معالم استبدادية متفرّدة، في الآونة الأخيرة، مرتبطاً بسماتٍ شخصيةٍ أصيلة فيه، لكنّنا نتحدث، هنا، عن النموذج السياسي الذي يقدّمه الرجل، منذ كان عضواً في الحركة الإسلامية الأربكانية، إلى أن صار رئيساً للدولة، وبصورة خاصة بين المعالم الأولى لتجربة "العدالة والتنمية" أيديولوجياً التي ألهمت الإسلاميين العرب، لكسر المعضلات التي تواجههم، وما وصلت إليه التجربة الآن من هيمنة أردوغان على الحزب، بصورة كاملة وإقصاء أي طرفٍ أو شخصٍ يختلف معه في وجهات النظر، سواء في الداخل، كما حصل مع رفاق الدرب، أو حتى في خارج الحزب مع حلفائه، مثل حركة فتح الله غولن، مع اختلاف الأسباب، بالطبع، بين خلافات الداخل وخلافات الخارج.
تتمثل الثيمة الرئيسة، هنا، في ضرورة التفريق، وعدم الخلط بين تجربة "العدالة والتنمية" أيديولوجياً من ناحية والأردوغانية الجديدة من ناحية أخرى. نحن أمام تكريس نموذج جديد (الأردوغانية) التي تحول تجربة الحزب من الطابع المؤسسي الحزبي إلى الطابع الفردي والشخصي، المرتبط بكاريزما أردوغان وشخصيته.
الفرق أنّنا، في الحالة الأولى، كنّا نتحدث عن نموذجٍ سياسي مؤسسي. وفي الحالة الثانية، نتحدّث عن زعامةٍ شخصية. صحيح أنّ أردوغان كان الرجل الأول والأكثر أهمية في تجربة الحزب، منذ البداية، لكن تلك المرحلة كانت تدفع باتجاه ديمقراطية تعددية، وانتقالات أيديولوجية حاسمة للإسلاميين. أما الحالة الراهنة فترتكز على شخصية أردوغان، وتدفع نحو نظام رئاسي لضمان استمراريته بالسلطة، وبقائه أطول فترة ممكنة، وأقرب إلى استنساخ "النموذج البوتيني"- الروسي في الحكم.
فأيّاً كانت التبريرات والتفسيرات للخلافات التي انفجرت بين أردوغان وكلّ من أوغلو وغول وغيرهما، فيما يتعلّق بالمواجهة مع حركة غولن أو وجهات النظر تجاه التحول من نظام برلماني إلى رئاسي، ففي النهاية، الطريقة التي يتم التعامل فيها مع القيادات في الحزب والإعلام والحلفاء والخصوم تشي بأنّنا أمام "متلازمة السلطة" والغطرسة، وحب الكرسي، وما يرافق ذلك من مشاعر نرجسية وهواجس قد تكون حقيقيةً من أن يكون مصير البلاد والعباد والنجاح والتقدم مرتبطاً بشخصية الرئيس نفسه، وبقائه في الحكم.
لا علاقة لهذا الأمر بسياسة أردوغان الخارجية، ولا حتى بشقٍّ كبير من سياساته الداخلية، ففي النهاية، وقف مع الربيع العربي وضد النظام السوري، وله مواقف شجاعة في مواجهة روسيا وفي التعامل مع إسرائيل. لكنّ ذلك لا ينفي أنّه حوّل مشروع "العدالة والتنمية" إلى تجربة شخصية، ربما تموت أو تذوي بعد غيابه عن المشهد، بدلاً من أن يعمل على مأسستها وضمان استمرارها وبقائها. وبدلاً من بناء الرموز وقيادات الصف الثاني، نجده يكسّر كل من يختلف معه بلا هوادة.
على الإسلاميين الذين عارضوا، بشدّةٍ، بداية خروج أردوغان على معلّمه أربكان، وشكّكوا وتخوّفوا من أيديولوجيا "العدالة والتنمية" في تركيا، عند تأسيس الحزب، ثم أصبحوا (أي الإسلاميين) أكبر مؤيدي أردوغان والحزب، أن يميّزوا جيداً بين "العدالة والتنمية" في صورته الأولى والأردوغانية الجديدة، وبين الدفاع عن مواقف أردوغان في السياسة الخارجية والنزعة الفردية الذاتية التي أصبحت تحكم شخصية الرجل، وأدت، أخيراً، لإطاحة أحد القيادات البارزة والمميزة في الحزب، وأحد المفكرين الكبار، رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو.
نموذج أردوغان اليوم ليس هو نفسه الذي كان عضواً في حزب الرفاه، وسُجن من أجل قصيدة، أو رئيس بلدية اسطنبول، أو حتى القيادي الذي أسس حزب العدالة والتنمية، ما شكّل حينها "نقطة تحول" في التاريخ السياسي التركي الحديث، ما كسر الحلقة المفرغة من سيطرة الأتاتوركيين والجيش على السلطة، وأفرج عن أبعاد أخرى للديمقراطية التركية، ودفع باتجاه نمو اقتصادي مذهل.
لا نتحدث عن أردوغان الشخص، فقد يكون ما ظهر من معالم استبدادية متفرّدة، في الآونة الأخيرة، مرتبطاً بسماتٍ شخصيةٍ أصيلة فيه، لكنّنا نتحدث، هنا، عن النموذج السياسي الذي يقدّمه الرجل، منذ كان عضواً في الحركة الإسلامية الأربكانية، إلى أن صار رئيساً للدولة، وبصورة خاصة بين المعالم الأولى لتجربة "العدالة والتنمية" أيديولوجياً التي ألهمت الإسلاميين العرب، لكسر المعضلات التي تواجههم، وما وصلت إليه التجربة الآن من هيمنة أردوغان على الحزب، بصورة كاملة وإقصاء أي طرفٍ أو شخصٍ يختلف معه في وجهات النظر، سواء في الداخل، كما حصل مع رفاق الدرب، أو حتى في خارج الحزب مع حلفائه، مثل حركة فتح الله غولن، مع اختلاف الأسباب، بالطبع، بين خلافات الداخل وخلافات الخارج.
تتمثل الثيمة الرئيسة، هنا، في ضرورة التفريق، وعدم الخلط بين تجربة "العدالة والتنمية" أيديولوجياً من ناحية والأردوغانية الجديدة من ناحية أخرى. نحن أمام تكريس نموذج جديد (الأردوغانية) التي تحول تجربة الحزب من الطابع المؤسسي الحزبي إلى الطابع الفردي والشخصي، المرتبط بكاريزما أردوغان وشخصيته.
الفرق أنّنا، في الحالة الأولى، كنّا نتحدث عن نموذجٍ سياسي مؤسسي. وفي الحالة الثانية، نتحدّث عن زعامةٍ شخصية. صحيح أنّ أردوغان كان الرجل الأول والأكثر أهمية في تجربة الحزب، منذ البداية، لكن تلك المرحلة كانت تدفع باتجاه ديمقراطية تعددية، وانتقالات أيديولوجية حاسمة للإسلاميين. أما الحالة الراهنة فترتكز على شخصية أردوغان، وتدفع نحو نظام رئاسي لضمان استمراريته بالسلطة، وبقائه أطول فترة ممكنة، وأقرب إلى استنساخ "النموذج البوتيني"- الروسي في الحكم.
فأيّاً كانت التبريرات والتفسيرات للخلافات التي انفجرت بين أردوغان وكلّ من أوغلو وغول وغيرهما، فيما يتعلّق بالمواجهة مع حركة غولن أو وجهات النظر تجاه التحول من نظام برلماني إلى رئاسي، ففي النهاية، الطريقة التي يتم التعامل فيها مع القيادات في الحزب والإعلام والحلفاء والخصوم تشي بأنّنا أمام "متلازمة السلطة" والغطرسة، وحب الكرسي، وما يرافق ذلك من مشاعر نرجسية وهواجس قد تكون حقيقيةً من أن يكون مصير البلاد والعباد والنجاح والتقدم مرتبطاً بشخصية الرئيس نفسه، وبقائه في الحكم.
لا علاقة لهذا الأمر بسياسة أردوغان الخارجية، ولا حتى بشقٍّ كبير من سياساته الداخلية، ففي النهاية، وقف مع الربيع العربي وضد النظام السوري، وله مواقف شجاعة في مواجهة روسيا وفي التعامل مع إسرائيل. لكنّ ذلك لا ينفي أنّه حوّل مشروع "العدالة والتنمية" إلى تجربة شخصية، ربما تموت أو تذوي بعد غيابه عن المشهد، بدلاً من أن يعمل على مأسستها وضمان استمرارها وبقائها. وبدلاً من بناء الرموز وقيادات الصف الثاني، نجده يكسّر كل من يختلف معه بلا هوادة.
على الإسلاميين الذين عارضوا، بشدّةٍ، بداية خروج أردوغان على معلّمه أربكان، وشكّكوا وتخوّفوا من أيديولوجيا "العدالة والتنمية" في تركيا، عند تأسيس الحزب، ثم أصبحوا (أي الإسلاميين) أكبر مؤيدي أردوغان والحزب، أن يميّزوا جيداً بين "العدالة والتنمية" في صورته الأولى والأردوغانية الجديدة، وبين الدفاع عن مواقف أردوغان في السياسة الخارجية والنزعة الفردية الذاتية التي أصبحت تحكم شخصية الرجل، وأدت، أخيراً، لإطاحة أحد القيادات البارزة والمميزة في الحزب، وأحد المفكرين الكبار، رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو.