27 اغسطس 2020
الأردن وصفقة القرن: لعبة من نار
منذر الحوارات
ليس أصعب من أن تواجه الدول مصيراً غامضاً، مليئاً بالاحتمالات غير المقروءة، تولد إحساساً بالخطر لدى الأفراد، قد يكون، في حد ذاته، مصدراً آخر للاضطراب، ففي مثل هذه الظروف، يصبح اتخاذ القرار محملاً بمخاوف من احتمالية الخطأ، وبالتالي الانزلاق الى ما لا تُحمد عقباه، فالمنطقة العربية تواجه ما يشبه هذا الحال. صحيح أنها تمرست، خلال العقود الماضية، خيارات ربما تشابه نظرياً هذا الواقع، لكن طبيعية التحالفات والتمترّسات الدولية في تلك الأوقات كانت كفيلة باحتواء التداعيات. باختصار، لأن القرارات كانت تأخذ بالاعتبار مصالح الأطراف القوية، ومعلوم أن ولاءات الدول كانت منقسمة، حسب رغبة تلك الأطراف الدولية القوية، ما ضمن إلقاء العبء على تلك الدول في رسم صورةٍ متوازنةٍ لطبيعة التحوّلات الممكنة. أما الآن فطرف واحد هو الأقوى والأكثر ضراوة، وحده من يتخذ القرار، وعلى الجميع أن يذعن وينفذ. وما بالك إذا كانت رهينة لعاملين: جهل قيادته بطبيعة المنطقة وتاريخية الصراعات فيها، وفوق ذلك إحاطته بعناصر يمينية تتسلح في كثير من قراراتها بأيديولوجيا دينية متشدّدة، فالولايات المتحدة وإدارة الرئيس ترامب غيرت مفهوم العلاقات الدولية وإدارة الصراعات إلى صيغة أقرب ما تكون إلى البلطجة المعتمدة على القوة والسيطرة. وبهذه الطريقة، تتعامل مع المجتمع الدولي، وهذا ما يجعل قراءة الاحتمالات بناءً على المعتاد من الصيغ السابقة أمراً مستحيلاً.
والمثال الأسطع على ذلك كيفية تعامل هذه الإدارة مع القضية الفلسطينية، وكذلك التعامل مع
حليف مهم كالأردن، فالطريقة التي أخذتها على عاتقها لحل هذا الصراع المضني بدت أشبه ما تكون بالسطو في أوضح أشكاله، فهي قرّرت، وبدون سابق إنذار، أن تنهي جهداً أرهق الأطراف جميعها في جولاتٍ ماراثونية من المفاوضات، استغرق آلآف الساعات، وبرعاية الولايات المتحدة نفسها، فهي قرّرت أن تضع جميع القضايا الخلافية جانباً كأن لم تكن. وليس هذا فحسب، بل كان ذلك الجانب بأن منحتها لإسرائيل بدون أي ضوابط لشرعية أو قانون، فهي قرّرت أن القدس عاصمة لإسرائيل، وهي نزعت عن اللاجئين حقهم في العودة، وكذلك المستوطنات هي بمفهومهم متسقة مع القانون الدولي، ولا تعارضه. أما الحدود، فلا ضير من أن تصبح جسوراً بين جزر رسمتها عبقرية مسّاح تمرّس في صبّ أساس المستوطنات بالدماء النازفة من الفلسطينيين المدافعين عن أرضهم، فلا داعي للماء هنا، طالما الدم متوافر وبدون رادع. ذلك كله فعلته إدارة ترامب تحت بند واحد، هذا ما لدينا تدعمه قوتنا وهيمنتنا. إما أن تقبلوا أو تخسروا كل شيء، وإن كان لديكم الحق والقانون الدولي فيسقطها ضعفكم وانعدام حيلتكم. بهذه الطريقة، يريد ترامب رسم مستقبل المنطقة، فمثلما تم بعملية ممنهجة إسكات التاريخ الفلسطيني، وإحلال التاريخ التوراتي مكانه، يراد خلع الفلسطينيين من مستقبل فلسطين، ووضع اليهود الإسرائيليين مكانهم، فهل يستوعب المستقبل مثل هذا السلوك؟
وبالطريقة نفسها التي قررت إدارة ترامب أن تغير بها مستقبل الفلسطينيين، قرّرت أن تغير مستقبل مكان آخر، لأنه بنتيجة أفعالها سيكون المسرح الحقيقي لدفع الثمن، فالأردن الجيوغرافي عرضةٌ لتغيراتٍ قاسية، فيما لو قُدر لإدارة ترامب أن تنجح في خطتها، فالخيارات محدّدة في اتجاهات ثلاثة، في كل منها خطر جسيم، فهو إن قبل بما سميت صفقة فستكون الأثمان الداخلية خطيرة، وهو متهم دوماً بالتواطؤ لمصلحة الغرب وإسرائيل، بغض النظر عن صحة هذا الادعاء، فالقبول يعني تحمّل عبء تحول ديمغرافي، يلزم بنتائج سياسية بنتيجته، فهؤلاء الناس الذين وافق على توطينهم عليه أن يلتزم بتغيير سياسي، يوافق احتياجاتهم، بعد أن تقطعت سبل عودتهم إلى وطنهم الأصلي، وذلك سيحمل، في طياته، احتماليةً كبيرة لرفض كتلة السكان المواطنين الذين سيتضرّرون من ذلك التحول، ما يدفع، في أقل احتمالاته، إلى اضطراباتٍ لا يعرف مداها ولا مدتها، وقد تنزلق إلى احتراب أهلي، لا يستطيع أحد التكهن بنتائجه. اما الخيار الثاني، وهو الرفض، ويعني مواجهة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، تترتب عليها تداعيات أمنية واقتصادية، ستؤدي إلى تراجع الوضع الاقتصادي والأمني، بكل ما يحمله ذلك من انفجارات اجتماعية، قد تتسع وتؤدّي إلى تداعيات خطيرة، تهدّد استقرار المنطقة الهش. الاحتمال الثالث أن يتحرّك الأردن، مستغلاً أوراقه، وهي وجوده المهم في منظومة تحالفاتٍ تستفيد منها الولايات المتحدة وإسرائيل أكثر مما يستفيد منها الأردن، مثل الحرب على الاٍرهاب ومواجهة الخطر الإيراني، والمساهمة في الحفاظ على استقرار المنطقة وأمن إسرائيل، ومحاولة استنهاض المجتمع للرفض الشعبي للصفقة، كي يتيح ذلك للدولة التلويح بالخطر القادم من التيارات المتشدّدة، ويمكن له الذهاب الفعّال للمنظمات الإقليمية والدولية لحثّها على معارضة الإدارة الأميركية.
كل الخيارات الأردنية صعبة، وإن بدا الخيار الأخير هو الأكثر أماناً، لكنه ليس بهذه السهولة،
فكل تلك التحرّكات المتاحة للدولة كانت ستصير ذات نتائج مهمة، لو أنها تتعامل مع إدارة غير إدارة ترامب، فإدارة في سبيل الحصول على إنجاز قد تضعه في بند التاريخي، قابلة للتغاضي عن الفوائد الجزئية التي تجنيها من دولٍ ترى أن الاستراتيجية الأميركية بدت في حلٍّ من الالتزام بأمنها أو ببقائها، فإسرائيل وأمنها هي الاستراتيجية الأهم. أما أن ينزل الناس إلى الشارع، بغية التخويف من مخاطر التشدد، فهو ذو حدّين، فقد ينقلب في لحظةٍ إلى عكس المراد منه. أما الإقليم والمجتمع الدولي فلا يشكلان بالنسبة للإدارة الأميركية سوى أدوات تخدم مصلحة الولايات المتحدة، فإن حادت عن ذلك، فليتحمل أعضاؤها ثمن غضب أميركا. والجميع في المنطقة يبحث عن رضى الولايات المتحدة لمصالح وجودية، تتعلق ببقاء كل نظام على حدة.
إذاً، المعادلة أصعب مما يبدو، فالأردن كمن يُمسك بكرةٍ من نار، يقلبها بين يديه، فلكي لا تحرق يديه يستمر في قذفها، كي لا تستقر وتعطب ذلك الجزء، فمثل هذه الكرة الملتهبة يتعامل مع خياراته المتاحة، فهي إن سكنت حرقت، وبالتالي يريدها عالقة في الهواء أطول وقت، علّ غيثاً ينزل من السماء فيطفئها، وعلّ إدارة تأتي بعد عام تغيّر الحال، أو علّ دونالد ترامب يغير سلوكه، بعد أن يطمئن إلى أن عهدته الثانية باتت في يده، فالأيام تجلب، في مرّات عديدة، احتمالاتٍ لم تكن متوقعة. وإلى ذلك الحين، سيستمر الأردن بقذف كرة النار، كي لا تقع على إحدى يديه وتحرقها غرب نهره وشرقه، ستتحدث الأيام والسنين المقبلة عن أي المتاح سيكون ممكناً.
وبالطريقة نفسها التي قررت إدارة ترامب أن تغير بها مستقبل الفلسطينيين، قرّرت أن تغير مستقبل مكان آخر، لأنه بنتيجة أفعالها سيكون المسرح الحقيقي لدفع الثمن، فالأردن الجيوغرافي عرضةٌ لتغيراتٍ قاسية، فيما لو قُدر لإدارة ترامب أن تنجح في خطتها، فالخيارات محدّدة في اتجاهات ثلاثة، في كل منها خطر جسيم، فهو إن قبل بما سميت صفقة فستكون الأثمان الداخلية خطيرة، وهو متهم دوماً بالتواطؤ لمصلحة الغرب وإسرائيل، بغض النظر عن صحة هذا الادعاء، فالقبول يعني تحمّل عبء تحول ديمغرافي، يلزم بنتائج سياسية بنتيجته، فهؤلاء الناس الذين وافق على توطينهم عليه أن يلتزم بتغيير سياسي، يوافق احتياجاتهم، بعد أن تقطعت سبل عودتهم إلى وطنهم الأصلي، وذلك سيحمل، في طياته، احتماليةً كبيرة لرفض كتلة السكان المواطنين الذين سيتضرّرون من ذلك التحول، ما يدفع، في أقل احتمالاته، إلى اضطراباتٍ لا يعرف مداها ولا مدتها، وقد تنزلق إلى احتراب أهلي، لا يستطيع أحد التكهن بنتائجه. اما الخيار الثاني، وهو الرفض، ويعني مواجهة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، تترتب عليها تداعيات أمنية واقتصادية، ستؤدي إلى تراجع الوضع الاقتصادي والأمني، بكل ما يحمله ذلك من انفجارات اجتماعية، قد تتسع وتؤدّي إلى تداعيات خطيرة، تهدّد استقرار المنطقة الهش. الاحتمال الثالث أن يتحرّك الأردن، مستغلاً أوراقه، وهي وجوده المهم في منظومة تحالفاتٍ تستفيد منها الولايات المتحدة وإسرائيل أكثر مما يستفيد منها الأردن، مثل الحرب على الاٍرهاب ومواجهة الخطر الإيراني، والمساهمة في الحفاظ على استقرار المنطقة وأمن إسرائيل، ومحاولة استنهاض المجتمع للرفض الشعبي للصفقة، كي يتيح ذلك للدولة التلويح بالخطر القادم من التيارات المتشدّدة، ويمكن له الذهاب الفعّال للمنظمات الإقليمية والدولية لحثّها على معارضة الإدارة الأميركية.
كل الخيارات الأردنية صعبة، وإن بدا الخيار الأخير هو الأكثر أماناً، لكنه ليس بهذه السهولة،
إذاً، المعادلة أصعب مما يبدو، فالأردن كمن يُمسك بكرةٍ من نار، يقلبها بين يديه، فلكي لا تحرق يديه يستمر في قذفها، كي لا تستقر وتعطب ذلك الجزء، فمثل هذه الكرة الملتهبة يتعامل مع خياراته المتاحة، فهي إن سكنت حرقت، وبالتالي يريدها عالقة في الهواء أطول وقت، علّ غيثاً ينزل من السماء فيطفئها، وعلّ إدارة تأتي بعد عام تغيّر الحال، أو علّ دونالد ترامب يغير سلوكه، بعد أن يطمئن إلى أن عهدته الثانية باتت في يده، فالأيام تجلب، في مرّات عديدة، احتمالاتٍ لم تكن متوقعة. وإلى ذلك الحين، سيستمر الأردن بقذف كرة النار، كي لا تقع على إحدى يديه وتحرقها غرب نهره وشرقه، ستتحدث الأيام والسنين المقبلة عن أي المتاح سيكون ممكناً.
مقالات أخرى
28 يوليو 2020
25 يونيو 2020
17 ابريل 2020