وفّر الاستعجال التكتيكي لمجلس النواب مروراً سريعاً للموازنة، والتي لم يكن يعتقد أكثر المتحمسين بقدرة المجلس على ردها حتى لو استغرقت مناقشتها أسابيع وليس أياماً، الأمر الذي يؤكده عجز أيٍ من المجالس المتعاقبة على رد أيٍ من مشاريع قوانين الموازنة العامة. انتهت الثماني ساعات بعبور الموازنة المتضمنة أرقامها زيادة في الضرائب ورفع الدعم عن الخبز، لكنها انتهت أيضاً بتحويل المجلس إلى نكتة على ألسنة المواطنين وتعميق إحساسهم بانعدام الثقة بممثليهم، وكذلك انتهت بنقل الخلاف الحكومي - النيابي حول الموازنة، ليصبح خلافاً نيابياً - نيابياً يتركز بين معارضي الموازنة الذين عجزوا بفعل خلافاتهم الأيديولوجية عن التكتل مرحلياً أو استراتيجياً على هدف مشترك.
والآن، فإنهم يساريون وقوميون ومدنيون وإسلاميون ومستقلون معارضون للسياسات الحكومية يتبادلون الاتهامات في ما بينهم، ويحمل كل منهم الآخر المسؤولية عن إقرار الموازنة، موسعين بذلك رقعة الخلاف ومغلقين الطريق أمام إمكانية تشكيل تيار معارض للسياسات الاقتصادية للحكومة والتي لا تتوقف حدودها عند الموازنة بل تمتد لتشمل قوانين من المقرر عرضها قريباً على المجلس.
استمرار التراشق بين الإسلاميين ومستقلين قاطعوا جلسة التصويت، ومعارضين حضروها، ومواصلة الاتهامات بالتواطؤ على تمرير الموازنة من خلال المقاطعة، والاتهامات المتبادلة بتمريرها عبر عدم إفقاد جلسة التصويت للنصاب القانوني اللازم لانعقادها، يوفر خدمة للحكومة لتمرير جميع سياساتها دون عراقيل.
ربما آن الأوان ليلتقي المعارضون المختلفون في ما بينهم على قضايا عابرة للحدود على ما يجمعهم داخل الحدود.