الأردن في مواجهة التطرف: الجهد الأمني لا يكفي

14 اغسطس 2018
الأحداث بدأت بالفحيص وانتهت في السلط (Getty)
+ الخط -

لم يشكّل الاعتداء الذي وقع في منطقة الفحيص منذ أيام، والمواجهات التي تبعته في مدينة السلط، مفاجأة كبيرة على المستوى السياسي، فالأردن دائم التأكيد، وعلى لسان جميع مسؤوليه، أنه في حرب دائمة على الإرهاب، لكن المفاجأة كانت أمنية. المهاجمون اختاروا الخاصرة الأمنية الرخوة، فالتوقيت جاء يوم الجمعة الماضي، في عطلة نهاية الأسبوع، والهدف مهرجان لا يحظى بالكثير من الاهتمام مقارنة بمهرجان جرش، لكن له دلالة ديمغرافية جغرافية، فغالبية سكان الفحيص من المسيحيين، وبلدة الفحيص ليست ذات أهمية أمنية، إلا أن المهرجان في هذه الأيام جعلها في نقطة الاهتمام. بعد ذلك، نجحت الأجهزة الأمنية في ملاحقة العناصر الإرهابية في مدينة السلط، إلا أن التحاق الشباب الأردني بالتنظيمات الإرهابية هو عنوان لعدم نجاح المواجهة الفكرية للدولة في مواجهة التطرف والفكر الإرهابي.

وأمس الإثنين، عُقد مؤتمر صحافي مشترك لوزيري الداخلية سمير مبيضين، والدولة لشؤون الإعلام جمانة غنيمات، ومسؤولين أمنيين، للحديث حول الحادثة. وقال مبيضين إنه "تبيّن من التحقيقات أن هناك مخططات أخرى لتنفيذ سلسلة من العمليات الإرهابية تستهدف نقاطاً أمنية وتجمعات شعبية"، مشيراً إلى أن "الإرهابيين يبايعون داعش، والتحقيقات سرية". كما قال مسؤول أمني إن "الخلية نشأت حديثاً، وأعضاءها من أصحاب الفكر التكفيري".

في هذا السياق، قال الخبير في الشؤون العسكرية، اللواء المتقاعد فايز الدويري، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يمكن القول إن هناك مشكلة أمنية تسببت في انفجار الفحيص، بقدر القول إن هناك عدم تركيز، وهو من الأخطاء البشرية ممكنة الحدوث، خصوصاً في مثل هذه الحالة". وأضاف "لا نعرف أين كانت تتوقف الدورية، هل هي على أرض ترابية يسهل معها زراعة العبوة الناسفة تحتها من دون إثارة الانتباه، أو أنها على شارع معبّد".

وأوضح أن "التفجير كان نتاج مراقبة حثيثة ومطولة، فزراعة العبوة وتحديد مكانها يحتاج إلى خطة"، مشيراً إلى أن "العبوة الناسفة بدائية الصنع المستخدمة في العمل الإرهابي، لا تختلف عن القنابل احترافية التصنيع من ناحية حجم الانفجار وتأثيره". ورغم أن الأردن من أوائل الدول عالمياً المتميزة بالكفاءة في مكافحة الإرهاب والتطرف، بفعل تجربته وخبرته في هذا المجال والتجربة التي بدأت منذ عام 1990، بعد عودة الأفغان العرب إلى الأردن، إلا أنه وقع أحياناً في شرَك الإرهابيين. وتعتبر تفجيرات عمان التي وقعت عام 2005 وراح ضحيتها 60 مواطناً أكبر عملية إرهابية في الأردن.

وأشار الدويري إلى أن "الأردن مستهدف، فمنذ عام 2005 تم إحباط عشرات المحاولات الإرهابية، لكن لا يتم الإعلان عن إحباط جميع هذه المحاولات في وسائل الإعلام". وحول ما حدث في منطقة نقب الدبور، خلال المواجهات الأمنية مع الإرهابيين، قال إنه "من الواضح جداً أن هذه الخلية الإرهابية مجهزة على مستوى عال، فطريقة المواجهة وتفخيخ المبنى يدلان على جاهزية الخلية الإرهابية لمواجهة الأمن".



والسؤال المطروح، هل استدرجت الخلية الارهابية قوات الأمن إلى وكرها؟ أوضح الدويري أنه "كمحلل لا يستبعد أي احتمال، فقد تكون العملية تمت من خلال ترك خيوط لاستدراج الأمن، أو أن الأمن استطاع بحرفيته الوصول بالسرعة القصوى إلى مكان الإرهابيين"، مضيفاً أن "هناك خيطاً رفيعاً يفصل بين الاحتمالين".

ومن أبرز العمليات الإرهابية التي تعرّض لها الأردن منذ عام 2000 حتى الآن، هو قيام خلية تابعة لأبو مصعب الزرقاوي باغتيال الدبلوماسي الأميركي لورنس فولي، الذي كان يعمل في الوكالة الأميركية للإنماء الدولي عام 2002. وفي عام 2004، قامت خلايا تابعة للزرقاوي أيضاً، بضرب صواريخ كاتيوشا بالقرب من مستشفى عسكري، في منطقة العقبة الجنوبية، وأدت إلى وفاة شخص وإصابة أربعة.

كما وقع اعتداء مسلح عام 2015 داخل مركز تدريب أمني أردني، في منطقة الموقر شرق عمان، وراح ضحيته خمسة مدربين عسكريين، منهم ضابطان أردنيان وآخران أميركيان وجنوب أفريقي، إضافة إلى منفّذ العملية نفسه. أما عام 2016، فكان عاماً مؤلماً للأردنيين، فقد شهد 6 عمليات إرهابية أدت إلى مقتل 23 عنصراً من الاستخبارات العامة وحرس الحدود وقوات الدرك والأمن العام، و4 مدنيين، بينهم سائحة كندية، فيما قُتل في العام نفسه 13 إرهابياً.

وكان إحراق الطيار معاذ الكساسبة حياً في عام 2015 رسالة لبث الرعب في صفوف المجتمع الأردني، لكن هذه الرسالة دفعت المشهد إلى اتجاه مغاير، فالجريمة وحّدت الأردنيين وعززت من قوة السلطات الأردنية، وكذلك أعطتها تفويضاً شعبياً لمحاربة التنظيمات الإرهابية في الداخل والخارج. فسابقاً لم تكن نظرة الأردنيين عدائية إلى التيار السلفي الجهادي، لكن نقطة التحول كانت بعد إقدام "داعش" على إحراق الكساسبة، فأصبح كل سلفي جهادي "عدواً وإرهابياً ومصدر خطر".



في هذا الإطار، قال الدويري إن "أصابع الاتهام في تفجير الفحيص الإرهابي تشير إلى تنظيم داعش"، لافتاً إلى أن "التنظيم الإرهابي نجح، قبل عامين، في تنفيذ هجمات مماثلة، ومنذ ذلك الوقت لم يتم اختراق منظومة الأمن الوطني الأردني". وأضاف أن "داعش ابن لتنظيم القاعدة الذي مارس هذا النوع من العمليات في السابق على الأراضي الأردنية".

في السنوات الأخيرة، رفع الأردن من حربه ضد الإرهاب، وأصبحت عمّان حاضنة إقليمية مركزية لمكافحة الإرهاب، فقد افتتحت الولايات المتحدة، في النصف الأول من العام الحالي، مركزاً لمكافحة الإرهاب في الأردن بقيمة 5 ملايين دولار، لتدريب جميع الجنسيات العربية من البلدان المجاورة.

ومنذ اندلاع الثورة السورية عام 2011 وحتى هذه اللحظة، فإن ملف مكافحة الإرهاب والتطرف عاد فتصدّر سلم أولويات الدولة، والأردن اضطر إلى مضاعفة ميزانية القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، لمنع دخول الإرهابيين إلى الأردن، في ظل تفكك التنظيمات في العراق وسورية، وتقوية الجبهة الداخلية.

ولفت الدويري إلى أن "الأردن، مثل الكثير من الدول العربية، نستطيع القول إنه ناجح أمنياً في مواجهة الإرهاب، ويستطيع إلحاق ضربات مؤلمة بالخلايا الإرهابية، لكن يصعب القضاء على الإرهاب بالحلول الأمنية فقط، بل نحتاج إلى فكر يقاوم فكرا آخر لينتصر عليه، وفي هذا الإطار لم تنجح الدول العربية في هذه المواجهة الفكرية بما فيها الأردن".

وهنا لا بد من العودة إلى الجذور الفكرية، فالحرب والمواجهة مع الإرهابيين مستمرة، وفكرة الجهادية السلفية تقوم على فكرة واضحة "إقامة حكومة إسلامية تطبق أحكام الشريعة، فأي نظام لا يطبق ذلك هو نظام كافر ويجب الإطاحة به". ولم تتأخر الحكومة الأردنية في الإعلان عن أن عناصر الخلية الإرهابية هم جميعهم ممن يحملون الجنسية الأردنية، وتعود أصولهم إلى مدينة السلط، التي تحتل المرتبة الثانية في نسبة عدد السلفيين بالنسبة للسكان، مقارنة مع المحافظات الأخرى، ولا تتفوق عليها سوى محافظة الزرقاء. وليس هناك أكثر دلالة على تنامي الظاهرة، من عدد الشباب الذين سافروا من مدينة السلط من أجل الانضمام إلى الفصائل التكفيرية في سورية.

وتعتبر مدينة السلط، والتي يبلغ عدد سكانها حوالي 100 ألف نسمة، حاضنة للسلفية الجهادية، رغم أنها حاضرة مدنية، فقد عرفت أول مدرسة ثانوية في تاريخ الأردن، وأغلبية سكان المدينة من الطبقة المتوسطة، ولا يوجد في مدينة السلط بؤر فقر مدقع. وهذا يعني أن السلفية الجهادية ليست حصراً في المناطق الأقل حظاً تنموياً وتعليمياً، كما يشاع.



المساهمون