الأردن: تعديل دسترة جهاز الاستخبارات

02 سبتمبر 2014
التعديلات تضع الملك في مواجهة الشعب (أرشيف/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

صادق الملك الأردني عبد الله الثاني، مساء أمس الاثنين، على التعديلات الدستورية الهادفة إلى توسيع صلاحياته، بعد أن أقرها مجلس الأمة بشقيه النواب والأعيان، من دون ممانعة تذكر، على مدرا الأسبوع الماضي، ولاسيما أنها تأتي تلبية لرغبة الملك التي تطابقت مع توجهات صناع السياسية الأردنية.

وتشمل التعديلات المادة 67 من الدستور، إذ تم توسيع صلاحيات الهيئة المستقلة للانتخاب التي استحدثت عام 2011، لتُسند إليها مهمة إدارة الانتخابات البلدية أو أية انتخابات أخرى، بعدما كان دورها محصوراً في إدارة الانتخابات النيابية، وهو التعديل المحمود الذي لم يصاحبه جدل.

لكن التعديل الذي أُدخل على المادة 127 من الدستور لتُناط بالملك مهمة تعيين قائد الجيش ومدير الاستخبارات إضافة إلى مهمة إقالتهما وقبول استقالتهما، صاحبه جدل لم ينته، ولا سيما أنه يظهر الملك، وللمرة الأولى، يمارس صلاحياته مباشرة، في مخالفة صريحة لنص المادة 40 من الدستور التي تنص على أن الملك يمارس صلاحياته من خلال وزرائه، ما أحدث خللاً دستورياً، حسب الفقيه الدستوري محمد الحموري.

ووفقاً للحموري، فإن موطن الخلل يكمن في أن التعديل "وضع السلطة والمُلك في يد واحدة، بعدما كانتا مفصولتين في النظام الملكي الأردني منذ تأسيسه إسوة بكل الأنظمة الملكية منذ مئات السنين".

ولما كان الملك، طبقاً للدستور الأردني الذي فصل بين السلطة والمُلك قبل التعديل المثير، مصوناً عن كل تبعة ومسؤولية، فإن التعديل الذي وضع السلطة والمُلك بيد الملِك، فتح باب الاجتهاد حول مدى المسؤولية التي يتحملها الملك نتيجة لأي خلل ينتج عن ممارسته لسلطة تعيين قائد الجيش ومدير الاستخبارات. ويرى الحموري أن التعديل خطير، فهو "يضع الملك في مواجهة الشعب". وهو الخطر الذي استشعره أعضاء مجلس النواب في الجلسة التي عقدت للتصويت على التعديل، لكن لم يعبّر عن الخطر سوى عدد قليل منهم، حين أكد رئيس كتلة "التجمع الديمقراطي" ذات التوجه اليساري، مصطفى شنيكات، أن "التعديل يجعل الملك مسؤولاً، ولو معنوياً، عن أية أخطاء ترتكبها هاتان السلطتان".

ويستحضر شنيكات، خلال حديثه، ضمنياً ما أقدم عليه مدراء استخبارات عندما تورطوا في قضايا فساد قادتهم إلى أروقة المحاكم التي قضت بسجنهم، على غرار ما حدث لمديرَي الاستخبارات السابقين، سميح البطيخي عام 1999، ومحمد الذهبي عام 2011.

لكن هذه المخاوف انتهت بالمصادقة على التعديلات. وفيما كانت تحتاج إلى 100 مؤيد من أصل 150 هم عدد أعضاء المجلس، حصلت على تأييد 118، فيما لم يعارضها سوى ثمانية نواب، وامتنع ثلاثة آخرون من مجموع الحاضرين.

وقبل التصويت، وفي غمرة النقاش بين المؤيدين والمعارضين، اجترح رئيس الوزراء الأردني، عبد الله النسور، المتحمّس للتعديل، فقهاً دستورياً جديداً يُعفي مَن يمارس السلطة من المسؤولية. وقال إن "تعيين الملك قائد الجيش ومدير الاستخبارات، لا يلحق فيه أي مسؤولية عن أي خطأ يُرتكب، فالمسؤولية عن الأداء تقع على الحكومة، وبالتالي فإن الملك يبقى مصوناً عن أي تبعة".

ورداً على النسور، يقول الحموري إن "هذا كلام سياسي لا أصل له في القانون الدستوري"، ملمحاً إلى أن "مَن يمارس السلطة يُسأل عنها".

وكما مرّ التعديل بيسر في مجلس النواب، الغرفة التشريعية الأولى في مجلس الأمة، حدث الأمر نفسه في الغرفة الثانية الممثلة في مجلس الملك (الأعيان)، المكوّن من 75 عيناً، حين صوّت لصالحه 71 عيناً وعارضه عين واحد هو هند العزة، الذي قال مبرراً معارضته إن "التعديل المتوالي على الدستور يُفقده هيبته".

أصبح التعديل أمراً واقعاً، فلم يكن يعقل أن يرفض الملك التصديق على تعديل أراده، وفوجئ به معظم أعضاء الحكومة لسرعة إنجازه وأدرج على دورة مجلس الأمة الاستثنائية، التي بدأت في 18 آغسطس/ آب ليصبح الملك القوي أكثر قوة بعدما جمع في يده السلطة والمُلك، وتصبح دائرة الاستخبارات القوية أكثر قوة بعدما ورد اسمها في الدستور للمرة الأولى في التاريخ الأردني في تعديل سيوصف مستقبلاً بأنه الذي "دستر دائرة الاستخبارات" وسيفتح الحديث عن ممارسة الصلاحية والمسؤولية.