الأرجنتين مكتبة ضخمة

30 يونيو 2015
المكتبة الوطنية الأرجنتينية
+ الخط -
نشرت صحيفة الغارديان البريطانية، أخيرًا، عن وضع الكتاب في الأرجنتين. وضعٌ يبدو "شاذًا" على ما يبدو في عالم اليوم المعولم. إذ لا يخفى أن الأرجنتين عانت من الديكتاتوريّة العسكريّة، والانهيار الاقتصادي وغيرها من المشاكل. ووفقًا للغارديان فإن دراسةً حديثة قام بها "منتدى ثقافة مدن العالم" تبيّن أن العاصمة بوينس آيريس التي يقارب عدد سكانها ثلاثة ملايين تقريبًا، تضمّ زهاء سبعمائة وأربع وثلاثين مكتبة على الأقل، أي ما يقارب خمساً وعشرين مكتبة لكلّ مائة ألف مواطن. وضمن مقياس مماثل، تقارب بوينس أيريس في هذه المرتبة، مدينة هونغ كونغ التي تضمّ اثنتين وعشرين مكتبة لعدد السكّان نفسه. وتحلّ العاصمة الإسبانية مدريد في المرتبة الثالثة مع ست عشرة مكتبة، أمّا لندن فتليها بمعدل عشر مكتبات لعدد السكّان نفسه.
وتقول غابرييلا أدامو المديرة السابقة لمعرض الكتاب السنوي، الذي يستقطب أكثر من مليون زائر سنويّاً، إن :"حبّ أرجنتين للكتاب، مرتبطٌ بموجة الهجرة التي حصلت في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين".
إذ توافد وقتها إلى بوينس آيريس التي كانت تعدّ العاصمة اللامعة لأغنى دول العالم، مهاجرون أوروبيون، خلقوا فيها بيئة متعدّدة الثقافات، فازدهرت الفنون على أنواعها.
وفي إحدى مكتبات بوينس آيريس، توجد صحيفتين باللغة الإنجليزية، فضلًا عن مختلف صحف اللغة الألمانية، جنباً إلى جنب مع عدد كبير من الصحف باللّغة الإسبانيّة والمجلّات والمنشورات الأدبيّة والفنيّة. وأضافت أدامو : "كان الكتاب رمزاً ثقافيّاً، وهو لا يزال كذلك حتّى اليوم".
بيد أن للأمر جانباً اقتصادياً خالقاً لـ "بيئة جاذبة"، إذ إن الكتب مستثناة من ضريبة المبيعات، أي ضريبة القيمة المضافة التي تصل إلى واحد وعشرين في المائة على معظم السلع. فضلًا عن أن شراء الكتب من طريق الإنترنت، أو رواج الأجهزة اللوحية التي تمكّن من قراءة الكتب الإلكترونية، لم يجدا بعد طريقهما إلى سوق النشر الأرجنتينية.

اقرأ أيضاً: نلاحظ زيادةً في عدد الباحثين العرب

أمّا الشركة الضخمة الشهيرة أمازون، فلا تمتلك موقعًا أرجنتينيًا على الشبكة، ولا توجد قوانين كابحة لاستيراد الكتب، ما يعني صعوبة دخول أمازون إلى سوق النشر هناك.
ويبدو أن لسلوك الأفراد، وتلك المفاضلة الشهيرة بين النسخة الورقية والإلكترونية، دورًا كبيرًا، فقد أعلن مدير مكتبة أتينوغراند سبلونديد، أنطونيو دالتو أنّ "الأرجنتينيين لا يزالون يفضّلون المجيء و تصفّح الكتب. لدينا موقع على الشبكة العنكبوتية لبيع الكتب، لكنّه يلفت نظر نسبة ضئيلة من القرّاء. ويبدو أنّهم لا يستخدمونه في الواقع إلّا من أجل تحديد العناوين وبعدئذٍ يأتون لشراء الكتاب من المتجر".
وقد لا يكون الأمر مفاجئاً تمامًا، نظرًا إلى تاريخ هذا المتجر الضخم الذي تمّ في عام 1919 افتتاحه كمسرح، ثمّ تحوّل عند بداية الألفية أي قبل خمسة عشر عامًا إلى هذه المكتبة العملاقة. التي لا تزال تحافظ على جدارية السقف الجميلة التي رسمها فنّان إيطالي قبل قرن من الزمن تقريباً. قرابة مليون زبون زائر يأتون كلّ سنة لـ "تصفّح" صالة العرض التي تبلغ مساحتها 21000 قدم مربّعة، أو للانسحاب نحو إحدى مقصورات المسرح القديمة للقراءة برويّة.
وأضاف دالتو أنّ : "الثقافة مهمّة جدّاً لسكّان بوينس آيريس، حتّى الأطفال الصغار يقرأون الكتب، نحن نراهم هنا كلّ يوم. وكتب المراهقين من أكثر الكتب مبيعاً لدينا".
وتعدّ الأرجنتين إحدى الدول الأكثر نشراً للكتب في أميركا اللّاتينيّة، إذ كان يزداد عدد العناوين المنشورة كلّ عام بانتظام، من 16092 عام 2004 الى 28010 في العام المنصرم. وقد بلغ عدد الكتب المطبوعة 123 كتاباً في عام 2014.
كما ربط خبراء النشر حبّ البلاد للقراءة بهوسها بالتحليل النفسي، فالأرجنتين تحتوي على عدد علماء نفس للفرد الواحد أكثر من أي بلد آخر في العالم، ووفقًا لفيرجينيا أنغر، عضو في رابطة بوينس آيريس للتحليل النفسي، وتعلل الأمر بأن الاستبطان المعتاد من العلاج يجعل من الأرجنتينيين قرّاءً مثاليّين، وتفسّر ذلك بأن :"التحليل النفسي والقراءة والفنون مرتبطة ببعضها بعضاً، إذ إنها تمثّل تحقيقًا للذات في أعماق الشخصيّة، لأن الأدب والتحليل النفسي يعملان مع الكلمة".
ليست سوق شراء الكتب هي المزدهرة وحدها، ها هنا، إذ إن بوينس آيريس تضمّ، أيضاً، مجموعة من حوالي 102 مكتبة مختصّة بالكتب النادرة والمستعملة، وهو رقم يفوق عدد المكتبات في لندن التي تضمّ ثمانٍ وستين مكتبة، وبذا تتبوأ العاصمة الأرجنتينية المرتبة الثالثة من حيث عدد هذه المكتبات (نسبة إلى عدد السكان) بعد جوهانسبورغ وطوكيو.
ويقول المدير العام للفرع الأرجنتيني لدار النشر الإسبانية الضخمة بلانيتا، إن الساعات غير العاديّة للمدينة، تؤدّي، أيضاً، دوراً مهمّاً. إذ غالباً ما يتجمّع الناس لتناول العشاء في الساعة الحادية عشرة ليلاً، وتبقى المحلّات التجاريّة مفتوحة حتّى منتصف اللّيل. وأضاف: "بوينس آيريس هي المدينة التي تستيقظ في وقت متأخّر، ويمتدّ فيها النهار الى ساعاتٍ متأخرّة، وجادة أفينيدا بمثابة مكتبة طويلة ومفتوحة لا تنام".
وتزدهر، أيضًا، مكتبات أخرى بعيدًا من وسط المدينة، كمكتبة "انترناشيونال أرجنتينا" الواقعة في حي بوهيمي قرب مدينة كريسبو، وهي مختصّة ببيع الطبعات الأولى لكتّاب أميركا اللّاتينيّة. وقال أحد مالكيها، فرنسيسكو جارامونا : "لو كان ما نقوم به وظيفة فحسب، لشعرنا بالملل وتركناها"، أما شريكه نيكولاس موغيلافسكي فقال : "ننظّم معرضًا كلّ شهرين، نهار السبت على الرصيف هنا. ومن المدهش فعلاً أحياناً أن يأتي أكثر من خمسمائة شخص، بينهم الكثير من الشبّان الصغار. وعادةً ما يرحلون بكتابين أو ثلاثة كتب، بسعر موازٍ لكتاب واحد من المكتبات الكبيرة الواقعة وسط المدينة".
المساهمون