يواصل رئيس الحكومة المغربية، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الإسلامي، سعد الدين العثماني، مشاوراته الخاصة بإدخال تعديلات على تركيبة الحكومة، وذلك استجابة لما ورد في خطاب الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش الأخير، في شهر يوليو/ تموز الماضي. وجمعت جولة أولى من اللقاءات الثنائية العثماني أخيراً بزعماء الأحزاب المشكّلة لأغلبيته البرلمانية، باستثناء رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، وزير الزراعة عزيز أخنوش، لم تسفر سوى عن طرح أفكار عامة تهم سعي رئيس الحكومة إلى تقليص عدد الوزراء، وإسناد بعض الحقائب إلى "كفاءات جديدة"، كما ورد في خطاب الملك. الحذر الشديد الذي يطبع هذه المشاورات، يبرّره خوف أطرافها من انفراط عقد التحالف الهش، الذي كان قد تشكّل بعد أكثر من 6 أشهر من الانتخابات التشريعية التي جرت في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2016. كما يفسّر البطء في المشاورات بأنها تحصل قبل عامين من الانتخابات التشريعية، التي ستكون فيها الأحزاب المغربية على موعد مع واحدة من أكبر المعارك الانتخابية، خصوصاً أن العام 2021 سيكون حافلاً بالاستحقاقات الانتخابية في جميع المؤسسات والهيئات التمثيلية، أي البرلمان بغرفتيه ومعه مجالس الجهات والعمالات والأقاليم والبلديات.
وقد بدأت الأحزاب بالخروج من فترة التخدير والجمود التي دخلتها في السنوات الثلاث الأخيرة، وذلك بفعل حالة الانسداد التي أعقبت كلاً من انتخابات 2015 المحلية، وانتخابات 2016 التشريعية، اللتين أسفرتا عن تقدم كبير لحزب العدالة والتنمية، الذي رفع عدد مقاعده البرلمانية من 105 فاز بها عام 2011 إلى 127 في عام 2016. وتبدو الأحزاب مقبلة على المزيد من إجراءات إعادة الهيكلة والترتيب التي تُفرض عليها، في ظل بروز توجّه رسمي لدى الدولة نحو دعم أخنوش، الذي قاد عملية منع حزب العدالة والتنمية من تشكيل حكومة ثانية بقيادة عبد الإله بنكيران إثر انتخابات 2016، رغم أن حزبه لم ينل سوى 37 مقعداً. ويواصل أخنوش تحرّكاته المكثفة متمتعاً بإشارات دعم واضح من جانب السلطات، مؤسساً فروعاً جديدة لحزبه، خصوصاً في صفوف الجالية المغربية المقيمة في الخارج، كما يحدّث تنظيمات مهنية وقطاعية موازية للحزب، بهدف استقطاب شرائح واسعة من المهندسين والتجار والمقاولين وضمهم إلى التجمع الوطني للأحرار.
في العام 2016 كان رهان الدولة المغربية واضحاً على حزب الأصالة والمعاصرة للحصول على صدارة الانتخابات، وبالتالي حق تشكيل الحكومة، كما ينص على ذلك الدستور الذي أتى به الربيع العربي عام 2011. هذا الحزب الذي أسسه زميل دراسة الملك، مستشاره الحالي فؤاد عالي الهمة، فشل في إلحاق الهزيمة بالعدالة والتنمية وحصل على 102 مقعد في انتخابات 2016، وهو يعيش حالياً أزمة داخلية طاحنة، سببها رفع الغطاء الذي كان يتمتع به من جانب السلطات، ما جعل التناقضات الكبيرة بين مكوناته تخرج إلى الواجهة بشكل عنيف.
وأكد مراقبون أن فئة "الأعيان"، أي الشخصيات المتمتعة بإمكانات مالية تؤهلها للفوز في الانتخابات، أصبحت مدعوة للانتقال من حزب الأصالة والمعاصرة الذي تأسس في حضن الدولة، إلى حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يقوده أخنوش، والذي وُلد بالطريقة نفسها لكن في سبعينيات القرن الماضي في عهد الملك الراحل الحسن الثاني.
اقــرأ أيضاً
خارج هذا الثلاثي، تقتصر حسابات باقي الأحزاب على البحث عن حدّ أدنى من المقاعد في الانتخابات المقبلة، من أجل التمكن من الالتحاق بالتحالف الحكومي المقبل، والوصول إلى مواقع المسؤولية في مجالس الجهات والمدن الكبرى والبلديات. ولا تسمح الخريطة الحالية للمشهد السياسي المغربي بتوزيع الأحزاب السياسية إلى معسكرات واضحة، إذ ينتظر أن يستمر الترقب والغموض إلى غاية ظهور نتائج الانتخابات المقبلة، لمعرفة الحزب الذي تصدّر الانتخابات التشريعية ويمكنه بالتالي تولي رئاسة الحكومة، وعلى أساس ذلك ستتشكل التحالفات.
ويختلف المشهد بشكل كبير عن الطابع التقليدي للحقل الحزبي المغربي، الذي ظل منذ الاستقلال منقسماً بين الأحزاب المتحدرة من الحركة الوطنية، وتلك التي تأسست على يد شخصيات مقربة من الدولة، المعروفة باسم "الأحزاب الإدارية". فحزب العدالة والتنمية، الذي تأسس في التسعينيات، بات يؤدي الدور الذي كانت تلعبه أحزاب الحركة الوطنية سابقاً، بسعيه إلى تجسيد الإرادة الشعبية وانتزاع هامش ديمقراطي أكبر، في مواجهة الأحزاب الموالية للسلطة.
وتتوزّع الأحزاب التقليدية المتحدرة من الحركة الوطنية حالياً بين ثلاثة مواقع، حيث يوجد "أب" الأحزاب المغربية، أي حزب الاستقلال المحافظ في المعارضة، وهو الموقع الذي فرضه عليه أخنوش، برفعه الفيتو في وجه تحالفه مع حزب العدالة والتنمية بعد انتخابات 2016. أما "أب" الأحزاب الاشتراكية في المغرب، أي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فقبع داخل الحكومة في عهدة أخنوش، الذي كان قد فرض على بنكيران قبوله ضمن التحالف الحكومي خلال مفاوضات ما بعد انتخابات 2016، والتي انتهت بإعفاء بنكيران من طرف الملك. أما ثالث وأصغر أحزاب ما يعرف بـ"الكتلة الديمقراطية"، أي الأحزاب المتحدرة من الحركة الوطنية التي كانت تفاوض الملك الراحل الحسن الثاني من أجل توسيع الهامش الديمقراطي، حزب التقدم والاشتراكية ذو الماضي الشيوعي، فيعتبر أحد أقرب الأحزاب إلى العدالة والتنمية، ويشارك معه بالتالي في الحكومة الحالية بحقيبتين وزاريتين.
ويغلب الانشطار على المشهد الحزبي المغربي، في انتظار ما ستسفر عنه الخريطة الانتخابية المقبلة. فالتحالف الحكومي المكون من 6 أحزاب، ينقسم إلى قسمين، الأول يضم العدالة والتنمية إلى جانب التقدم والاشتراكية اليساري، بينما يقود أخنوش تكتّل الأحزاب الأربعة التي تحالفت معه بعد انتخابات 2016 وفاوض بها بنكيران من موقع قوة. ويضم هذا الرباعي إلى جانب التجمع الوطني للأحرار الذي يصنف تاريخياً ضمن يمين الوسط، كلاً من حزب الحركة الشعبية المرتبط بالمجال القروي والثقافة الأمازيغية، وحزب الاتحاد الاشتراكي الذي قاد ما يعرف بحكومة "التناوب" التي خوّلت الملكية انتقالاً سلساً للعرش بين الحسن الثاني وابنه محمد السادس عام 1999، ثم حزب الاتحاد الدستوري اليميني، الذي يشترك مع حزب أخنوش في كتلة برلمانية واحدة.
أحزاب المعارضة لا تقل انشطاراً، مع تخبّط حزب الأصالة والمعاصرة في أزمته الخانقة، والتي يتوقّع مراقبون أن تنتهي باندثاره أو فقدانه الجزء الأكبر من وزنه الانتخابي. أما حزب الاستقلال الذي يجر وراءه تاريخاً طويلاً، فيصارع من أجل البقاء بعدما تشكّلت قوته تاريخياً من مشاركاته المتكررة في الحكومات، ويعيش حالياً أزمة سببها صعود حزب العدالة والتنمية الذي سحب من تحت أقدامه بساط تمثيل الفئات المحافظة، بينما انتزعت منه "الأحزاب الإدارية" الكثير من العناصر القوية انتخابياً. أما باقي الأحزاب، فلا تشكل أرقاماً وازنة في المعادلة السياسية والانتخابية، باستثناء حضور إعلامي قوي لتحالف ثلاثي بين أحزاب يسارية أبرزها "الحزب الاشتراكي الموحد"، لكنه لا يترجم هذا الحضور الإعلامي إلى نجاحات انتخابية.
في العام 2016 كان رهان الدولة المغربية واضحاً على حزب الأصالة والمعاصرة للحصول على صدارة الانتخابات، وبالتالي حق تشكيل الحكومة، كما ينص على ذلك الدستور الذي أتى به الربيع العربي عام 2011. هذا الحزب الذي أسسه زميل دراسة الملك، مستشاره الحالي فؤاد عالي الهمة، فشل في إلحاق الهزيمة بالعدالة والتنمية وحصل على 102 مقعد في انتخابات 2016، وهو يعيش حالياً أزمة داخلية طاحنة، سببها رفع الغطاء الذي كان يتمتع به من جانب السلطات، ما جعل التناقضات الكبيرة بين مكوناته تخرج إلى الواجهة بشكل عنيف.
وأكد مراقبون أن فئة "الأعيان"، أي الشخصيات المتمتعة بإمكانات مالية تؤهلها للفوز في الانتخابات، أصبحت مدعوة للانتقال من حزب الأصالة والمعاصرة الذي تأسس في حضن الدولة، إلى حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يقوده أخنوش، والذي وُلد بالطريقة نفسها لكن في سبعينيات القرن الماضي في عهد الملك الراحل الحسن الثاني.
خارج هذا الثلاثي، تقتصر حسابات باقي الأحزاب على البحث عن حدّ أدنى من المقاعد في الانتخابات المقبلة، من أجل التمكن من الالتحاق بالتحالف الحكومي المقبل، والوصول إلى مواقع المسؤولية في مجالس الجهات والمدن الكبرى والبلديات. ولا تسمح الخريطة الحالية للمشهد السياسي المغربي بتوزيع الأحزاب السياسية إلى معسكرات واضحة، إذ ينتظر أن يستمر الترقب والغموض إلى غاية ظهور نتائج الانتخابات المقبلة، لمعرفة الحزب الذي تصدّر الانتخابات التشريعية ويمكنه بالتالي تولي رئاسة الحكومة، وعلى أساس ذلك ستتشكل التحالفات.
ويختلف المشهد بشكل كبير عن الطابع التقليدي للحقل الحزبي المغربي، الذي ظل منذ الاستقلال منقسماً بين الأحزاب المتحدرة من الحركة الوطنية، وتلك التي تأسست على يد شخصيات مقربة من الدولة، المعروفة باسم "الأحزاب الإدارية". فحزب العدالة والتنمية، الذي تأسس في التسعينيات، بات يؤدي الدور الذي كانت تلعبه أحزاب الحركة الوطنية سابقاً، بسعيه إلى تجسيد الإرادة الشعبية وانتزاع هامش ديمقراطي أكبر، في مواجهة الأحزاب الموالية للسلطة.
ويغلب الانشطار على المشهد الحزبي المغربي، في انتظار ما ستسفر عنه الخريطة الانتخابية المقبلة. فالتحالف الحكومي المكون من 6 أحزاب، ينقسم إلى قسمين، الأول يضم العدالة والتنمية إلى جانب التقدم والاشتراكية اليساري، بينما يقود أخنوش تكتّل الأحزاب الأربعة التي تحالفت معه بعد انتخابات 2016 وفاوض بها بنكيران من موقع قوة. ويضم هذا الرباعي إلى جانب التجمع الوطني للأحرار الذي يصنف تاريخياً ضمن يمين الوسط، كلاً من حزب الحركة الشعبية المرتبط بالمجال القروي والثقافة الأمازيغية، وحزب الاتحاد الاشتراكي الذي قاد ما يعرف بحكومة "التناوب" التي خوّلت الملكية انتقالاً سلساً للعرش بين الحسن الثاني وابنه محمد السادس عام 1999، ثم حزب الاتحاد الدستوري اليميني، الذي يشترك مع حزب أخنوش في كتلة برلمانية واحدة.
أحزاب المعارضة لا تقل انشطاراً، مع تخبّط حزب الأصالة والمعاصرة في أزمته الخانقة، والتي يتوقّع مراقبون أن تنتهي باندثاره أو فقدانه الجزء الأكبر من وزنه الانتخابي. أما حزب الاستقلال الذي يجر وراءه تاريخاً طويلاً، فيصارع من أجل البقاء بعدما تشكّلت قوته تاريخياً من مشاركاته المتكررة في الحكومات، ويعيش حالياً أزمة سببها صعود حزب العدالة والتنمية الذي سحب من تحت أقدامه بساط تمثيل الفئات المحافظة، بينما انتزعت منه "الأحزاب الإدارية" الكثير من العناصر القوية انتخابياً. أما باقي الأحزاب، فلا تشكل أرقاماً وازنة في المعادلة السياسية والانتخابية، باستثناء حضور إعلامي قوي لتحالف ثلاثي بين أحزاب يسارية أبرزها "الحزب الاشتراكي الموحد"، لكنه لا يترجم هذا الحضور الإعلامي إلى نجاحات انتخابية.