وبحجم التأييد والترحيب من قبل قطاعات وفعاليات وشخصيات سياسية، برز كثير من الانتقادات التي انصبت على التوجهات والغايات والأهداف، وامتدت للتشكيك بالقائمين على حزب الشراكة والإنقاذ لكن بشكل لا يذكر مقارنة بما تعرض له القائمون على التحالف المدني.
يتبدى عدم استقرار مفهوم "الدولة المدنية" من خلال التجربتين. وفيما يُعرّف "الشراكة والإنقاذ" نفسه حزباً مدنياً بمرجعية إسلامية، لا يعترف التحالف ذو المرجعية العلمانية بدور للدين في إدارة شؤون الدولة مع التأكيد على عدم معاداته. يعود اهتمام الأردنيين بمصطلح "الدولة المدنية" والمطالبة بتحقيقها إلى فترة الاحتجاجات الشعبية المتزامنة مع الانتفاضات العربية، إذ طرحت مفاهيم المواطنة والعدالة والمساواة على نطاق واسع خلال الاحتجاجات.
لكن الانتخابات النيابية الأخيرة، التي جرت في سبتمبر/ أيلول 2016، منحت النقاش دفعة قوية، حين خاضت قائمة "معاً" الانتخابات تحت شعار "الدولة المدنية"، مثيرة جدلاً لم يقتصر على النخب وامتد إلى المستوى الشعبي. نقاش تسابق خلاله المتنافسون من مختلف التوجهات السياسية ليعلنوا انحيازهم لـ"الدولة المدنية"، كلٌّ حسب نظرته الخاصة مطوعاً المفهوم ليتناسب ومرجعيته الفكرية.
حزب مدني من رحم الإخوان
"الحزب المدني" الأول في الأردن، ولد من رحم جماعة الإخوان المسلمين، وحمل بعد ترخيصه اسم المبادرة التي قدمها عام 2015 المراقب العام الأسبق سالم الفلاحات لحل الخلافات داخل الجماعة.
بعد فشل مبادرة "الشراكة والإنقاذ"، قدم الفلاحات وقرابة 400 شخص استقالاتهم من حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسي للجماعة، ليصبح عراب تأسيس حزب" الشراكة والإنقاذ"، الذي حمل عند ترخيصه الرقم (51) بين الأحزاب السياسية.
غيث القضاة (46 عاماً) من مؤسسي الحزب، انتمى إليه بعد أن ودع جماعة الإخوان المسلمين، وذراعها السياسي حزب جبهة العمل الإسلامي في عام 2016، بعد أكثر من 20 عاماً من انتمائه إليهما، وصل خلالها إلى موقع مسؤول القطاع الشبابي في الحزب.
يقول القضاة، المتحمس لخيار الدولة المدنية، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "فكرة الحزب المدني تبناها بعض الإسلاميين بعد الربيع العربي، شخصياً أعتقد أن إطلاق لفظ (الإسلامي) على العمل السياسي لم يكن موقفاً، بل إنه أساء أحياناً للإسلام".
ويربط بين الدولة المدنية والإسلام قائلاً: "حزبنا مرجعيته الدستور الأردني، والدستور يقول إن دين الدولة الإسلام، وفي أدبيات حزبنا لم نذكر أنه مدني ذو مرجعية إسلامية، لكن ذكرنا أننا نلتزم بالدستور".
خلال حفل الإشهار كان يسهل تلمس المرجعية الإسلامية للحزب، سواء من لغة الخطاب أو شكل التنظيم الذي راعى الفصل بين الرجال والنساء، وهي مرجعية لا تخفيها قيادة الحزب، ولا ترى فيها تضارباً مع توجهات الدولة المدنية.
يقول القضاة "عندما نتحدث عن مدنية الدولة نتحدث عن رغبتنا في أن تكون المواطنة هي أساس الانتماء، وأن هدفنا هو تحقيق قيم العدل وتكافؤ الفرص والمساواة بين الناس ومحاربة الفساد، وهي تماماً نفسها مقاصد الإسلام (..) وحينها لا يعود ذكر لفظ (الإسلامية) هو الفيصل بينما يكون الفعل السياسي وتطبيقه الحقيقي هو الفيصل والمعيار".
لا ينتقص القضاة من قيمة تجربته الحزبية مع جبهة العمل الإسلامي، وهي التي أثرت في شخصيته ووعيه السياسي، لكنه يطمح من خلال تجربته الجديدة "لتقديم ما هو أفضل للوطن"، مؤكداً أهمية أن توجد جهود الأحزاب ذات التوجه المدني لدفع مسيرة الديمقراطية في البلاد.
التحالف المدني: ليبراليون وعلمانيون
يعتبر مروان المعشر، الذي شغل في السابق منصب نائب رئيس الوزراء، ونائب رئيس البنك الدولي للشؤون الخارجية، ويشغل حالياً منصب نائب رئيس مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، مهندس "التحالف المدني"، والرأس الأبرز فيه رغم الادعاء المتكرر أنه "متعدد الرؤوس".
المعشر، الذي ينادي منذ سنوات بالإصلاح وتعزيز قيم المواطنة والانتقال من دولة الريع إلى دولة الإنتاج، لم ينس الذين شنوا حملة تحريض على التحالف أنه أول سفير للأردن في إسرائيل.
استقطب التحالف شخصيات علمانية وليبرالية ويسارية، وجمهوراً واسعاً من مؤيدي قائمة (معاً) الانتخابية، والمرشحين على القائمة ممن فازوا أو خسروا، من دون أن يستقطب عراب (معاً) النائب خالد رمضان، فيما فهم على أنه خلاف بين دعاة الدولة المدنية على آليات ومنطلقات العمل.
علي البطران (41 عاماً) انتمى للتحالف، بحسب ما يقول في حديث مع "العربي الجديد"، لإيمانه أن "العمل الحزبي والجماعي هو السبيل السياسي الوحيد المتاح للتغيير". يعتقد اليساري، الذي انتسب للحزب الشيوعي منذ العام 1998 ولغاية 2004، من ثم إلى حركة اليسار الاجتماعي في العام 2007 قبل أن يتركها في العام 2011، أن "تجربة التحالف المدني تمتلك ضمانات النجاح" والتي يعدد منها "الديمقراطية داخل الحزب، وإتاحة المجال لكل من يملك إيمانا بالفكرة للمساهمة بشكل فعال في صياغة البرنامج السياسي والنظام الداخلي واختيار القيادة، وصولاً إلى خيارات تحالفاته ومشاركاته المستقبلية في الاستحقاقات الوطنية".
ويرى البطران في النقد الموجه للتحالف أمراً طبيعياً، ويقول "كل من هو متضرر من تأسيس التحالف سواء كأفراد أو كأحزاب أو تجمعات سينتقده بالتأكيد". متابعون للتجربتين يعتقدون أن الوقت لا يزال مبكراً على التقييم، في انتظار نتائج اشتباكهم مع الشأن العام.