الهند بلد العجائب، إذ بينما تسكنها أكثر الطبقات فقراً في العالم، فهي في ذات الوقت تستضيف ثالث أكبر عدد من المليارديرات في العالم، وخلافاً لما يحدث في الدول الرأسمالية الغربية في أوروبا وأميركا، فإن ثروة الأغنياء تنمو بسرعة مدهشة مستفيدة من النمو القوي في قطاع التقنية والتصنيع، والقاعدة العريضة من المستهلكين، ونمو السوق المالي، وعدد المستثمرين في الأسهم. وهذه العوامل من العناصر الرئيسية في نمو الثروات في العالم.
وحسب دراسة لمصرف "كريدي سويس" السويسري، تضاعفت ثروة الأغنياء في الهند أربع مرات خلال العقدين الأخيرين بين عامَي 2000 و2019 إلى 12.6 تريليون دولار. وهذا الرقم يعادل تقريباً ثلاث مرات حجم الاقتصاد الهندي المقدر في العام الجاري 2020 بنحو 3.202 تريليونات دولار، وينوي رئيس الوزراء الهندي ناريندا مودي توسيع حجم الاقتصاد الهندي إلى 5 تريليونات دولار.
وفي ذات الشأن، تشير دراسة "كريدي سويس" إلى أن ثروة البالغين في الهند نمت سنوياً بنسبة 11.0% خلال العقدين الأخيرين لتبلغ 14.569 ألف دولار في منتصف العام الماضي 2019. وهذا المعدل من نمو الثروات يضاعف من القوة الشرائية وعدد المستثمرين في الأسهم في بلد يتزايد فيه الوعي الاستثماري.
من جانبها، تقدر مؤسسة "هورون غلوبال" لقائمة الأثرياء التي يوجد مقرها في مدينة شنغهاي الصينية عدد المليارديرات في الهند بنحو 170 مليارديراً، وهي بهذا الرقم تحتل المرتبة الثالثة في عدد المليارديرات في العالم بعد الولايات المتحدة التي يوجد بها نحو 799 مليارديراً والصين التي يوجد بها 626 مليارديراً.
لكن ما يدهش في الهند أن الثروة تنمو بسرعة هائلة، وكذلك عدد أصحابها الذين يتنامون بمعدل كبير مقارنة بالولايات المتحدة وأوروبا، رغم الفقر المدقع الذي يضرب سواد الشعب في الأرياف والأحياء الهامشية بالمدن الكبرى.
وكدليل على النمو السريع للثروات، فإن ثروة الملياردير الهندي موكيش أمباني قفزت بمعدل مدهش خلال العام الجاري رغم تداعيات كورونا على الاقتصاد الهندي. ووفق مؤشر بلومبيرغ للمليارديرات يوم الأحد، فإن ثروة أمباني قفزت إلى أكثر من 80 مليار دولار ليصبح بذلك رابع أغنى مليارديرات العالم.
ويقدر عدد سكان الهند في العام الجاري بنحو 1.381 مليار نسمة، وهو ما يعني أن الهند عبر التعليم وزيادة التوظيف وارتفاع متوسط الدخل يمكن أن تتحول إلى دولة عظمى خلال السنوات المقبلة تنافس الولايات المتحدة والصين وتتجاوز أوروبا واليابان.
ولكن تظل الهند بلد التناقضات في آسيا، إذ بينما تضيف الهند 3 مليارديرات جدد كل شهر على الرغم من التباطؤ الاقتصادي وتداعيات كورونا، فإن البلاد تضج من الفقر. وحسب دراسة لأوكسفام، فإن ثروة البلاد تذهب لمن يملك المال وتتزايد فيها الفروقات الطبقية وتتمايز فيها الدخول، إذ إن 10% فقط من السكان يملكون 73% من إجمالي ثروة البلاد، كما أن الثروة التي صنعت في الهند خلال العام 2017 ذهبت إلى جيوب واحد في المائة فقط من السكان، بينما لم ترتفع ثروة 67 مليون شخص من الفقراء إلا بنسبة واحد في المائة فقط في العام 2017.
وتتجه الهند لتكون بديلاً للصين في تصنيع العديد من مكونات السلاسل الإنتاجية للمصانع الأوروبية والأميركية التي كانت تعتمد على تصنيعها في الصين خلال السنوات الماضية، وربما ستكون الهند من كبار المستفيدين من تصعيد التوتر التجاري بين أميركا والصين.
كما أن علاقاتها مع بكين يشوبها التوتر السياسي والعسكري خلال العام الجاري، وهذا ما يجعلها قريبة من واشنطن التي صرح وزير خارجيتها مايك بومبيو في سنغافورة العام الماضي، قائلاً إن مئات مليارات الدولارات ستتجه للاستثمار في الهند، وذلك في إشارة إلى أن المخطط الأميركي الجديد لمحاصرة الصين تجارياً ومالياً واقتصادياً سيمر عبر نيودلهي.
ومثل هذا المخطط يروق لأثرياء الهند الذين يتكون معظمهم من الطبقة الأرستقراطية، وتتحيّن الهند، الفرصة وتعمل لملء الفراغ التصنيعي الصيني في المستقبل حسب مراقبين.
في هذا الشأن، قال وزير المواصلات الهندي نيتين غادكاري في مقابلة صحافية في مايو/ أيار الماضي، إن موقف الصين الدولي الضعيف قد يساعد بلده في جذب الاستثمارات الخارجية.
وتقوم ولاية أوتار براديش الشمالية، التي يساوي عدد سكانها عدد سكان البرازيل، بالفعل بتشكيل فريق عمل اقتصادي لجذب الشركات الراغبة في التخلي عن الصين.
كما تعد الهند أراضي تبلغ مساحتها ضعف مساحة دولة لوكسمبورغ، أي أكثر من 5 آلاف كيلومتر مربع لعرضها على الشركات الراغبة في نقل نشاطاتها الصناعية إلى خارج الصين، كما بدأت نيودلهي بالتواصل مع ألف شركة من الشركات الأميركية الكبرى التي لدى العديد منها مصانع في الصين لنقل نشاطاتها إلى الهند، وذلك وفقاً لتقرير في مايو الماضي لوكالة بلومبيرغ.
ويستفيد الاقتصاد الهندي من وجود جالية واسعة من أثرياء الهند في أميركا وأوروبا ودول الخليج، وهذا العامل يجعل من السهل على الشركات الهندية الارتباط بهذه الأسواق الغنية في العالم، وبالتالي يساهم بالنمو الاقتصادي السريع في الهند.