الآثار السورية.. رحلة ترميم المجهول

26 مارس 2015
يروّج النظام بأنّه يحمي المواقع الأثريّة في سورية (Getty)
+ الخط -

مع اشتداد حدّة المعارك، وما رافقها من ظهور للتنظيمات الإسلاميّة المتطرّفة، والكتائب التي قام النظام بتأسيسها تحت مسميّاتٍ عدّة، على المشهد السوري، تعرّض التراث الثقافي التاريخي لسورية إلى النهب، والتدمير، وبدأت المزادات العالميّة بتداول القطع الأثريّة الأصلية، والنادرة في الأسواق العالميّة.

ولعلّ سيطرة تنظيم الدولة الإسلاميّة في العراق والشام "داعش"، على مساحات واسعة في شمال سورية، ساهم بشكلٍ، أو بآخر، في تسهيل عمليّة تهريب الآثار، وبيعها بأسعارٍ مرتفعة، ليستخدم المبالغ التي يتمّ تحصيلها، لاحقاً، في تمويل عمليّاته العسكريّة، وتأسيس دولته المنشودة. كذلك، ظهر في الفترة الأخيرة الكثير من التقارير التي تشير إلى استخدام مجموعاتٍ تابعة للنظام السوري، الحدود اللبنانية – السورية، معبراً لها، لتهريب الآثار التي استطاعت نهبها إلى خارج سورية.

تعدّدت الكتائب المعارضة التي تقاتل ضدّ النظام، والكتائب التي عمل النظام على تأسسيها لتقاتل إلى جانبه، التي وُثِّقَ تورّطها في أكثر من عمليّة تهريبٍ لقطعٍ أثريّةٍ نادرة، كما أنّ استخدام النظام السوري للطيران الحربي في جميع معاركه، واستهدافه في معظم الأحيان الأماكن الأثرية، حيث تتمركز الكتائب المعارضة، أدى إلى تدمير جزء كبير من المواقع الأثريّة، إلّا أنّ العدد الأكبر في عمليات التهريب، ما زال يُسجّل في رصيد النظام السوري.

وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ النداءات التي أطلقتها منظمّة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، للحفاظ على التراث الثقافي والإنساني، لم تجد من يصغي لها، إلّا ثلة من الأشخاص، رغم البيانات المكثّفة، والحملات التي تطالب المجتمع الدولي بحماية المواقع الأثريّة، والضغط على النظام السوري كي يمتنع عن استهدافها، لم تلقَ أيّ صدى لدى النظام السوري، الذي ما زال يستخدم حتى اللحظة قلعة حلب الأثريّة كثكنةٍ عسكريّة.

على الطرف النقيض من الفئات المتصارعة التي وجدت في تهريب الآثار مصادر مربحة لها، وبعيداً عن البيانات التي لم تستطع إيقاف نزيف الدم، حتى تتمكّن من إيقاف عمليّات تدمير التراث الثقافي، برزت مع بداية عام 2013 مجموعةٌ من النشطاء المختصّين في الآثار، ألقوا على عاتقهم مهمة الحفاظ على التراث الأثري في سورية، فالمجموعة تسعى إلى بناء جسمٍ مؤسّساتي حقيقي، مهمته حماية القطع الأثرية، وإعادة ترميمها، وتوثيق القطع التي جرى بيعها، وتدميرها.

أطلقت المجموعة على نفسها اسم "مركز آثار إدلب"، وبدأت ممارسة عملها كمؤسّسةٍ بديلة عن مؤسسات النظام في المناطق المسيطر عليها من قبل المعارضة السوريّة، متّخذة من ريف معرة النعمان مركزاً لها، وبدأت العمل ضمن كادرٍ مؤلّفٍ من عشرة أشخاص، موزّعين مناصفةً، بين اختصاصيّي تنقيب، ومرمّمي فسيفساء، كانوا في السابق يعملون في مؤسّسات الدولة، قبل أن يعلنوا انشقاقهم عن النظام السوري.

يتحدّث أيمن نابو لـ "جيل العربي الجديد" عن بدايات عمل المركز: "بدأ المركز العمل في توثيق القطع الأثريّة، وترميمها، من خلال إعداد هويّة لكلّ قطعةٍ أثريّة، يُسجّل فيها اسم القطعة، والضرر الذي تعرّضت له، قبل خضوعها لعملية الترميم، وفي منتصف عام 2013 جرى التواصل مع خبراء في الخارج، تمّ التوافق معهم على وضع أسس علميّة لعمليّات الترميم، وفق المعايير المتبّعة عالميّاً، خصوصاً في دول الحروب والأزمات، ويضم المركز، حالياً، ما يقارب 1700 قطعة أثريّة متنوّعة".

تزامناً مع انسحاب النظام السوري من مناطق واسعة في شمال سورية، تطوّر عمل المركز، وأصبح يشرف على وضع خطط الترميم، وإعداد مشاريع الحماية، في جميع مناطق ريف إدلب المسيطر عليها من قبل المعارضة السوريّة، وريف حلب الجنوبي، وريف حماة الشمالي، وفي منتصف عام 2014 التقى أعضاء من المركز، مع مجموعة من خبراء الآثار المغتربين، في مدينة غازي عينتاب التركيّة، وكان الهدف من اللقاء إعادة ترميم "متحف مراد باشا" للفسيفساء في مدينة معرة النعمان، والذي يعدّ ثاني أكبر متحفٍ للفسيفساء في العالم، وعن الآليّة التي استخدمت في ترميم المتحف، يقول أيمن: "في البداية عملنا على معاينة الأضرار في هيكل البناء، ومحتويات المتحف، ومن ثمّ جرى الاتّفاق على تنفيذ عملية الترميم، وفق أهميّة المحتويات، والأماكن الأكثر خطراً، لتتمّ عمليّة ترميم المتحف بشكلٍ كامل، وإدخال اللوحات الفسيفسائيّة الموجودة داخله، ضمن مشروع حمايةٍ خاص، وهو الآن تحت حراسة "لواء مغاوير التوحيد"، خوفاً من تعرّضه لعمليات النهب".

وفي ما يخصّ عمليات النهب، والحفر العشوائي في المواقع الأثرية، يقول نابو: "استطعنا في معظم الأحيان، أن نمنع عمليات الحفر العشوائي، والتنقيب عن الآثار في معظم المواقع الأثريّة، وفشلنا في مواقع أخرى، من خلال تعاوننا مع المراكز الأمنيّة التابعة للمعارضة، إلّا أنّ ذلك لا يعني أن النظام لم يشترك في عمليّات التهريب، فالنظام شارك بنسبة 90% في عمليّة تهريب الآثار، عن طريق لبنان، وبإشراف "وفيق ناصر" رئيس فرع الأمن العسكريّ في السويداء"، وعن توثيق القطع الأثرية التي تمّ نهبها، يقول "يوجد لدينا ملفٌّ كبير، يضم صوراً لكميّة كبيرة من القطع التي تمّ تهريبها خارج سورية، ونعمل حالياً على دراسة كلّ قطعة، وتوثيقها، وهناك ما يقارب 800 قطعة أثريّة أصليّة، تمّ التأكّد من بيعها عن طريق لبنان، كما أنّنا قمنا بتوثيق جميع المواقع الأثريّة المسجّلة عالميّاً، والتي عمل النظام على قصفها".

وحول إن كان المركز يعمل تحت إشراف الحكومة المؤقّتة، ويتلقّى الدعم منها، قال أيمن: "بعد تشكيلة الحكومة الجديدة، تمّ تجميد عقود كافّة العاملين في المركز، من قبل وزيرة الثقافة سماح هدايا، وعند الاستفسار عن السبب، أخبرنا بأن الحكومة في حالة إفلاس، ولا يمكنها تغطية رواتب العاملين في المركز، فعرضنا العمل تحت اسم الحكومة من دون أي مقابل، حفاظاً على اسم المركز، لكنّها رفضت"، فهدف المركز من العمل تحت اسم الحكومة المؤقّتة، هو اعتماده من قبل المؤسّسات العالميّة، كمؤسّسة رسميّة، وهي الفكرة التي يختم بها أيمن نابو حديثه مع "جيل العربي الجديد"، " في جميع المؤتمرات العالميّة، يروّج النظام بأنّه هو من يدير المواقع الأثريّة في سورية، لذلك لم يكن هدفنا ماديّاً، إنّما كان العمل تحت اسم الحكومة المؤقّتة، ليتمّ التعامل معنا في المستقبل بشكلٍ قانوني، وكنّا قد بدأنا بالحصول على رواتب شهريّة من الحكومة، في 1 يوليو/تموز 2014، قبل أن يتمّ تجميد عقود نصف العاملين في المركز في شهر أيلول/سبتمبر، وفي 1 يناير/كانون الثاني 2015، تمّ إيقاف الرواتب، وتجميد العقود لجميع العاملين".


(سورية)

المساهمون