أظهرت دراسة جديدة نشرت في ألمانيا أن عائلة من بين كل خمس عائلات يربّي فيها أحد الأبوين الأطفال لوحده، ويتحمّل فيها المسؤولية التربوية والمالية لوحده عن هذه العائلة، إذ يضطر الوالدان أو الشريكان للانفصال عن بعضهما، ما يؤثّر على حياة الأطفال وعلى حياة أحد الأبوين -والذي يُوصف في كثير من الأحيان بمصطلح الأب الأعزب أو الأم العزباء- إذ يجب عليه أن يخصّص وقته الكامل لتربية الطفل الصغير وتأمين مستلزماته، ما يشعره بالضغط النفسي نتيجة المهام التي تفوق قدرته وطاقته، ويتسبّب بعزله عن أصدقائه وعائلته.
إلى جانب الضغط النفسي يجب على الأب أو الأم أن تقوم بتربية الطفل لوحدها، وهذا ما يؤثّر على نفسيتها، إذ أظهرت الدراسة التي يجريها مركز SOEP سنويًا أن الآباء العازبين هم أقل سعادة من الأشخاص المتزوّجين. وتظهر هذه الدراسة أن العائلة التي يربي فيها الأبناء كلا الأبوين أكثر سعادة من العائلة التي يربي فيها أحد الأبوين الأطفال، سواء على مستوى الحياة بشكل عام، أو في مجال الصحة والدخل الشهري والسكن والخدمات الصحيّة والنوم.
تربية الأطفال ومعدلات السعادة للآباء
تظهر الدراسة نفسها التي أُجريت في العام 2015 أن الأشخاص المتزوّجين والذين أنجبوا أطفالًا أكثر سعادة من الأزواج الذين لم ينجبوا بعد أو من غير المتزوّجين، بينما احتل المرتبة الأخيرة الآباء العازبون في سلم السعادة، إذ يقيم هؤلاء سعادتهم بقيمة 6.7/ 10 وهذا ما ينخفض عن متوسط السعادة للأشخاص الذين شاركوا في الدراسة.
كيف يعيش الآباء العازبون؟
إحدى أكبر المشاكل التي يواجهها الآباء هي تأمين النفقات المالية، إذ تعيش جينيت إس في منزل صغير استأجرته بعد انفصالها عن شريكها، وتتلقى إعانات من الحكومة الألمانية لتربية طفلتها، وذلك لرفض الأب دفع أي مالٍ من تكاليف معيشة طفلته، وتفاقمت المشكلة المالية بعد توقف الحكومة الألمانية عن دفع الإعانات التي تدفعها جينيت لنفقات استئجار الشقة التي تسكنها، ما دفعها إلى الاستدانة من أهلها، كما أنها تواجه صعوبة في إيجاد وظيفة في سوق العمل نتيجة وضعها، بالإضافة إلى أن توظيف مربية لرعاية الطفلة يكلف الكثير من المال، وهذا ما لا تستطيع جينيت تحمله.
يقول توماس بالي عالم الاجتماع في جامعة مانهايم، أن الكثيرين من الآباء العازبين يواجهون مشكلة التوفيق بين سوق العمل وبين رعاية الأطفال، وهذا ما يدفعهم إلى العمل في وظيفة جزئية وإلى كسب القليل من المال، فأكثر من نصف المشاركين في فئة الآباء العازبين يحصلون على مرتب يقلّ عن 1500 يورو، بينما يقل مرتب 20% منهم عن 900 يورو شهريًا.
أما عند مقارنة بين الآباء العازبين والأمهات العازبات، فإن الآباء الذين يعملون بدوامٍ كامل هم أكثر من الأمهات بمرتين، ويعود هذا حسب رأي بالي إلى أن الآباء حصلوا على هذه الوظائف قبل الانفصال عن زوجاتهم أو شريكاتهم وإلى أن الأطفال الذين يربونهم هم أكبر سنًا عادةً، وهذا ما يحسّن فرصهم في سوق العمل، بينما تعمل الأمهات العازبات بدوامٍ جزئي أو لا يعملن إطلاقًا. هنا ينصح بالي بأن يتم تشجيع الأمّهات على العمل أثناء الزواج في عملٍ ذي دوامٍ كامل لحمايتها في المستقبل من أي تداعيات يمكن أن تؤثّر عليها أو على أطفالها.
إحدى المشاكل التي تواجه النساء العاملات في ألمانيا هي قلّة مرتّباتهن بشكل واضح عن مرتّبات الرجال في حال تساوي الرتبة الوظيفية، وهذا ما تواجهه الأمّهات العازبات بشكلٍ خاص، ويرى بالي أن على الحكومة أن تساعد هؤلاء الأمّهات عن طريق تعديل رواتبهن وتحقيق المساواة مع الرجال في مجال الرواتب، وهذا ما جرى في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، إذ تتلقى الأمّهات العاملات حسما ضريبيا عند حصولهن على مرتّب منخفض.