أدى رجال وعلماء الدين في أفغانستان أدواراً مهمة في سير الأحداث خلال العقود الأربعة الماضية، بل حتى قبلها عندما كانت البلاد مستقرة نسبياً. وكان هؤلاء وراء سقوط حكومات وتشكيل أخرى من خلال تأييد بعضها ومعارضة غيرها، وهذا ما يُظهره التاريخ الأفغاني الحافل بالانقلابات ومظاهر التسلح.
ولكن هؤلاء دفعوا في المقابل أثماناً باهظة لمواقفهم وآرائهم، إذ أُعدم وقُتل الآلاف منهم إبان فترة حكومة الملك محمد ظاهرشاه التي امتدت من 1933 إلى 1973، وبعده أيام حكومة سردار داوود خان الذي قُتل إثر انقلاب عسكري مدعوم من قبل القوات السوفييتية عام 1979. وعندها بدأ الدور الريادي لرجال الدين في مقاومة الغزو السوفييتي، وخلال تلك الفترة قُتل وسُجن الآلاف منهم، ولم يبقوا في مأمن حتى في دول الجوار.
وكان آخر من قُتل من كبار علماء الدين وفي وضح النهار بالقرب من العاصمة كابول، هو المولوي غل محمد حنيفيار، رئيس مجمع علماء إقليم كابيسا المجاور للعاصمة، بعد أن قُتل حراسه، وتمكن المهاجمون من الفرار. أهالي المنطقة قالوا إن عملية الاغتيال كانت مخططة بشكل مدروس، إذ إن المهاجمين كمنوا للعالِم، فيما كان آخرون يراقبون المنطقة وتصدّوا للسكان عندما لاحقوا المهاجمين بعد العملية.
في هذا السياق، قال المتحدث باسم الحكومة المحلية في كابيسا، قيس قادري، لـ"العربي الجديد"، إن عالم الدين حنيفيار قُتل من خلال عملية اغتيال منسقة، ولم تتمكن أجهزة الأمن حتى الآن من الوصول إلى الجهة المنفذة، ولكنها تسعى وتبذل قصارى جهدها لكشف المسؤولين عن هذه العملية التي تهدف، على حد قوله، إلى إشعال فتيل الفتنة في البلاد والقضاء على المرجعية الدينية.
وكان عالم دين آخر مشهور في جنوب البلاد، هو الشيخ عبد الحكيم حكمت، قد اختُطف من منزله قبل أيام ثم وُجدت جثته في مدينة قلات، عاصمة إقليم ذابل. وكان الرجل معروفاً بمواقفه المناهضة لحركة "طالبان" وباكستان، وكان يحرض الشباب ضد باكستان وضد الجماعات المسلحة، لهذا تشير توقعات إلى أن أحزاباً "جهادية" هي التي قامت باغتياله. عملية اغتيال حكمت، كانت من بين الأحداث القليلة التي أعربت فيها الحكومة الأفغانية عن موقفها تجاهها، إذ قالت إن قتل العلماء يأتي بيد من وصفتهم بأعداء الدين.
كما دان علماء دين والمجامع العلمية عمليات الاغتيال الممنهجة، معتبرين أنها محاولة لإشعال فتيل الحرب، والقضاء على المرجعية الدينية في أفغانستان، خصوصاً علماء الدين وأئمة المساجد الذين لا علاقة لهم بأية جهة، لا الحكومة ولا "طالبان" أو أية جماعة مسلحة أخرى.
في هذا المجال، قال رجل الدين المولوي محمد وسيم: "لا ندري حتى الآن من يقوم باغتيال العلماء ورجال الدين ولماذا، وبغض النظر عن السبب وراء هذه الجرائم فهي تنذر بوقوع فتنة كبيرة". واعتبر أن الهدف من وراء هذه الاغتيالات ربما يكون القضاء على كل من له صوت بين الشعب، مشيراً إلى أن "أعداء البلاد قضوا أولاً على زعماء القبائل وقد قُتل المئات منهم، إذ إن صوتهم كان مسموعاً وكان الناس يجتمعون حولهم، أما الآن فقد جاء دور العلماء لأنهم المرجع ولأن الناس يرجعون إليهم أثناء الأزمات".
وبينما تعدُ الحكومة بالاهتمام بالقضية، فإن الخشية قائمة من وقوع اغتيالات جديدة في صفوف رجال الدين وأئمة المساجد. والأخطر هو أن الجهة التي تنفذ تلك الاغتيالات مجهولة. فالحكومة تتهم حركة "طالبان" والجماعات المسلحة بتنفيذها، والأخيرة تنفي في الغالب الضلوع فيها. كما أن الأسباب الكامنة وراء تلك العمليات مجهولة. وبالإضافة إلى الصراعات الداخلية، ثمة خشية من أن تكون استخبارات المنطقة وراء القضية.