واهتزت موريتانيا على وقع جريمة اغتصاب وإحراق طفلة في العاشرة من عمرها، كانت في طريقها إلى كتّاب قرآني، حين اعترض طريقها ثلاثة مجرمين وقاموا باختطافها واغتصابها، ثم أضرموا النار في جسدها، خوفاً من أن تتعرف عليهم، لتلقى الطفلة زينب بنت الخضر (10 سنوات) حتفها لاحقاً في المستشفى متأثرة بالحروق البالغة التي أصيبت بها.
وحظيت القضية باهتمام رسمي وشعبي كبيرين، وتم اعتقال الجناة وعرضهم على النيابة والإعلام، في إجراء مستعجل لامتصاص غضب الشارع الموريتاني. وخرج المئات من المواطنين والشباب في تظاهرات مطالبة بالتصدي بحزم لانتشار جرائم اغتصاب وخطف الأطفال، وسن قوانين جديدة تتلاءم مع فداحة هذه الجريمة.
وحظيت قضية الطفلة خدي توريه (7 سنوات)، التي اغتُصبت ورُميت في البحر، باهتمام كبير من قبل الحقوقيين، ولا يزال الجاني طليقاً، بعد أن فشلت السلطات في اعتقاله. وخلّف حادث اغتصاب عروس (17 عاماً)، ليلة عرسها في مدينة "جيكني"، بأقصى الشرق الموريتاني، استياءاً شعبياً كبيراً، وطرح تساؤلات حول تدهور الأمن بموريتانيا.
اغتصاب الأطفال والقصّر
دقت الجمعية الموريتانية لصحة الأم والطفل ناقوس الخطر، محذرة من ارتفاع نسبة جرائم اغتصاب الأطفال، ومشيرة إلى أن "معدل الاغتصاب كان يحتسب بحالة واحدة كل يومين، لكنه ارتفع حالياً إلى حالة اغتصاب كل يوم". وأشارت الجمعية إلى اتساع دائرة مرتكبي هذه الجرائم، "فمغتصب الأطفال لم يعد فقط ذلك المجرم الانتهازي غير المعروف لمحيط الطفل، بل أصبحنا في السنوات الاخيرة أمام مغتصبين قريبين جداً من محيط سكن الضحايا، من أقارب ومعلمين وجيران وخدم". وأوضحت أن اغتصاب الأطفال من سن الأربع سنوات وما فوق يتم عادة في الدكاكين، حين يتم إرسال الأطفال للتبضّع، أو في "المحاضر"، وهي مدارس تقليدية لتعليم اللغة والدين.
وتحذر جمعية النساء معيلات الأسر من تفاقم ظاهرة الاغتصاب في الطبقات الاجتماعية الهشة مثل النساء والأطفال، معتبرة أن ذلك ينذر بكارثة اجتماعية، ومنددة بطرق تعامل السلطات مع ضحايا الاغتصاب.
وتقول رئيسة جمعية النساء معيلات الأسر، آمنة منت المختار، إن موريتانيا تشهد في الآونة الأخيرة ارتفاعاً مذهلاً لحالات اغتصاب القاصرات، في جميع مناطق موريتانيا، لكن العاصمة نواكشوط تنفرد بالنسبة الأكبر من هذه الجرائم.
وأوضحت أن جرائم اغتصاب القصّر تطورت بشكل لافت خلال المرحلة الماضية، كما أن مرتكبيها من مختلف المستويات الاجتماعية والاقتصادية، بدءاً بالمسؤولين مروراً بسائقي سيارات الأجرة فأبناء الجيران، وانتهاءً بالمدرّسين والأغراب والمجرمين.
وانتقدت الحقوقية ضعف القانون وطريقة تعاطي القضاء مع قضايا اغتصاب القصّر، مشيرة إلى أنه عند مثول الضحايا أمام العدالة، يُطلب منهم إحضار شهود على جريمة تقع تحت تهديد السلاح، وفي مكان بعيد عن الأنظار.
الخوف من الفضيحة وقصور القوانين
بسبب ثقل التقاليد المحلية وعدم تنفيذ القوانين، لا يتم التبليغ عن نسبة كبيرة من جرائم اغتصاب الأطفال، فقد كشفت دراسة أن 90% من حالات اغتصاب الأطفال والنساء لا يتم التبليغ عنها بسبب الخوف من الفضيحة والعادات الاجتماعية.
كما يعاني ضحايا الاغتصاب، وخاصة القاصرات، من مشاكل مع العدالة، حيث تحبس بعض الفتيات المغتصبات بتهمة الزنا، وتتحول القاصر من ضحية إلى شريكة في الجريمة، بسبب أن القانون الجنائي الموريتاني لا يتضمن تعريفاً واضحاً للاغتصاب، وأحيانا يتم الخلط بين الاغتصاب والزنا.
ويقول الباحث الاجتماعي، أحمد عبد الله ولد طالبنا، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إن "القاضي يطرح أسئلة على القاصر المغتصبة توحي بأنها شريكة في الجريمة وليست ضحية، إذ يسألها عن نوع لباسها أثناء عملية الاغتصاب، وعن ظروف وتوقيت انفراد الجاني بها، وكأنها هي المسؤولة عن الاغتصاب".
ويقول إن الضحايا وأسرهم يتحملون ضغوطاً نفسية واجتماعية كبيرة، وهناك مَن يحاول تحميلهم وزر الجريمة وتبعاتها وحتى عقوبتها. ويضيف: "تجد أسر الأطفال ضحايا الاغتصاب صعوبة في التحدث عن الموضوع والابلاغ عنه، فهم يعانون من الأثر النفسي والصحي والاجتماعي في مجتمع محافظ يفرض قيوده على الضحية، لذلك فغالبية قضايا اغتصاب الأطفال لا يتم التبليغ عنها".
ويطالب الباحث بمعالجة انتشار ظاهرة الاغتصاب في موريتانيا، خاصة في صفوف الأطفال بتغليظ العقوبة على المعتدين، وحماية وتأهيل ضحايا الاغتصاب، وإطلاق حملات للتوعية والدعوة لحماية الأخلاق العامة وتعزيزها في المجتمع، ورفع ستار الكتمان والسرية عن قضايا الاغتصاب التي يتم تناولتها بحذر واستحياء في موريتانيا.