اعرف من زار بروفايل بلدك
مع تقدم العلم ودخول مبادئ العولمة طور التطبيق وأصبح العالم فعليا أشبه بقرية صغيرة، ومع بداية انتشار مواقع التواصل الاجتماعي،وتنفيذ دورها الرائد في التحكم في الشعوب وتوجيه الرأي العام، وإيصال قليل من المعلومات وكثير من الشائعات، انقسم المستخدمون لهذه المواقع لقسمين، قسم يستفيد يخطط يتعلم ويتثقف، وقسم متلقٍ يستقبل أي وجبة تقدم له نقية كانت أم ممزوجةً بالسموم، طازجة كانت أم متعفنة، مستمرا في البحث عن سؤاله الأبدي و الأزلي.. كيف أعرف من زار بروفايلي؟
بعد سنوات من ظهور مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة فيسبوك، ما زالت التطبيقات والروابط التي تدعي أنها تكشف للمستخدم هوية من زار ملفه الشخصي (البروفايل) تلاقي رواجا، فتجد المستخدم دائما يشعر وكأنه شخص بأهمية ترامب أو بوتين وأنه يتعرض لمؤامرة كونية لاختراق حسابه وسرقته، أو أن هناك من يتجسس عليه ويحاول مشاهدة ما يكتب وبماذا يعلق، رغم أنه ينشر للعامة ويعلق على منشورات عامة وبذلك أساسا يصبح ما ينشر أو يكتب متاحا للجميع..!
هذه الخصوصية التي تشعر بأنها تُنتهك وهذه الصفحة التي يرتعش قلبك خوفا لمجرد محاولة اختراقها، رغم أنها فعليا وماليا قد لا تساوي شيئا سوى الخصوصية والرمزية والذكرى، إلا أنها حركت فيك الغضب وجعلتك تحاول أخذ الحيطة والحذر وبعض الإجراءات الاحترازية دفاعا عن هذه الصفحة أو هذا الحساب الذي ربما يكون يحمل اسما وصورة وهمية من الأساس.
لكن هل سألت نفسك يوما وخاصة في أقطارنا العربية من زار بروفايل بلدك؟ من الذي يحاول اختراق حسابها؟ ومن الذي يتجسس عليها؟
من نسج كل هذه التدخلات ومن أيدها ومن باركها، من الذي أدخل أنفه العابث في كل أمور الدول؟ من حارب استقرار الأوطان ظنا منه أن بلاده لن تستقر باستقرار الآخرين، من جعل من أبناء الدول المنكوبة مرتزقة يسترزقون بقتل إخوانهم
في مجموعة واتساب افتراضية للدول العربية، السعودية ومصر والإمارات والبحرين على خلاف مع قطر ويسعون لطردها، يحذفون رسائلها ويمنعونها من النشر، أما في غرفة الفايبر اليمنية فكانت الشرعية بقيادة عبد ربه منصور هادي هي مسؤول الغرفة إلى أن تم تغيير المسؤول بعيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، وتم حرمان الشرعية من أبسط حقوقها، تم حرمانها حتى من إبداء إعجابها بأي رسالة،مع محاولات حثيثة للحوثيين لاختراق حساب الشرعية التائهة.
سورية وكأنها مجموعة فيسبوك عامة، أسسها الأسد الوالد و أورثها لابنه، لكن حساب الابن اختُرق فأصبح النشر متاحا للجميع، قوات سورية الديمقراطية (قسد ) الكردية، أميركا ترامب، تركيا أردوغان، إيران الخميني، مع بعض التعليقات الإسرائيلية اللاذعة، ونشاط كبير للدب الروسي، يعلق هنا ويضغط إعجابا هناك، يطرد من يشاء يضيف من يشاء ويدعو من يشاء وينثر تهديداته على رواد المجموعة.
صفحة ليبيا عبارة عن نزاع على كلمة السر وصلاحيات المالك لإدارة الصفحة، فحفتر يستعين بمصر والإمارات وفرنسا وروسيا لاختراقها وامتلاك حق النشر وحيداً، أما السراج (المالك الشرعي) فجلب خطوط دفاع متمثلة في مضاد للفيروسات (أنتي فايروس anti virus) تركي،النظام المصري قام بحظر السراج، فيما يبحث الأميركان عن تقسيم عادل لعائدات الصفحة، أما فرنسا والإمارات فتريدان إزاحة السراج من وضع المسؤول (أدمن) إلى وضع معجب عادي.
تغرد الإمارات على تويتر فتعيد البحرين التغريد مباشرة، والليرة السورية -بعد قانون قيصر- عملت لليرة اللبنانية تاغ (إشارة) فلحقت بها وانهارت، أما العراق فتشعر بالحزن مع ليبيا واليمن وسورية ويعلن السودان أنه سيشارك في حدث الاستفتاء وسينقسم.
الإمارات تنشر بإعلانات ممولة فتصل منشوراتها إلى التونسيين تطالبهم بإسقاط البرلمان، لكن تونس لا تُشترى بالمال، وكذلك الجزائر والمغرب،وتقوم الصومال بإلغاء متابعة (unfollow) للإمارات، وتوافق على طلب صداقة تركيا.
فلسطين رسميا محظورة منذ 1948 تغيرت إلى اسم إسرائيل بقوة الشرعية الدولية وتم تغيير اسم الصفحة رسميا لدولة إسرائيل، العالم العربي استنكر وتضامن مع فلسطين بتغيير صورة حساب المستخدمين، بينما على الواقع فتشعر الإمارات ومصر والأردن بالحماس مع إسرائيل، وحينما غير ترامب مقر سفارة بلاده إلى القدس وحينما اعترف بسيدة إسرائيل على الجولان غضب العرب كثيرا كثيرا، لدرجة أنهم دشنو هاشتاغ #القدس_عاصمة_فلسطين.
من زار بروفايل اليمن وحوله من يمن سعيد ليمن تمزقه الحرب و تقتله الكوليرا؟ من قتل حلم الثورة ومن جعل منها أرض صراع طائفي شيعي سني إيراني سعودي؟ فلا حسمت الشرعية معركتها ولا حكم الحوثي، ولا استقرت الشرعية في عاصمتها المؤقتة عدن ولا حظي الانتقالي باعتراف يمتلك به مقاليد الحكم.
من جعل من ليبيا ساحة حرب عالمية تجوب سماءها طائرات الجيل الرابع ويحرس نفطها المرتزقة وأصحاب السوابق؟ من جعل الأمر يرتهن للأجنبي ومن الذي صنع من ربيع ثورتها خريفا من الجوع والاقتتال وانهيار الدولة.
من جعل من سورية الحضارة والتاريخ سجنا كبيرا، من أخفى الشعب السوري من الخريطة وجعل بدلا منه أضنة وأستانة و قيصر ودوريات مشتركة وقسد وداعش، من جعل دمشق أقدم عاصمة في التاريخ بلا هوية وبلا رمزية يتجول فيها الروسي والإيراني حيثما أرادا، ولماذا تحولت مصر من أكبر مصدر للقمح لأكبر المستوردين، ولماذا كانت مصر تصدر الغاز فأصبحت بقدرة قادر تستورده.
من نسج كل هذه التدخلات ومن أيدها ومن باركها، من الذي أدخل أنفه العابث في كل أمور الدول؟ من حارب استقرار الأوطان ظنا منه أن بلاده لن تستقر باستقرار الآخرين، من جعل من أبناء الدول المنكوبة مرتزقة يسترزقون بقتل إخوانهم، من الذي فتح لهم الأبواب وأدخلهم إلى أوطاننا؟
علينا أن نقلق على أوطاننا، من انتهك خصوصيتها ومن دوّل قضيتها ومن بماله الفاسد يلوث أرضها ويدنس سماءها، من الذي يشتري الذمم ويضخ الكراهية ويدمر الأرض ويسعى في خرابها، لماذا انحدرت الصومال من سلة الغذاء الأفريقي لوطن تقتله المجاعة، ولماذا تحول اليمن السعيد إلى اليمن التعيس، لماذا يقتتل الشعب الليبي الأكثر تماسكا وتجانسا وترابطا بين الشعوب، ولماذا يعيش لبنان الأرز والأدب والقراءة فترات التيه، ولماذا تتحول سورية بعظمة اسمها وتاريخها وحضارتها إلى جحيمٍ على الأرض؟
انظر من المستفيد؟ أي الاقتصادات ترتقي و أيها تهوي، أي قيمةٍ للمواطن تزداد وأي دولة يعامل مواطنوها على أنهم ليسوا من البشر، أي الدول يكثر فيها العمران، وأيها يكثر فيها الركام، أيها تتسلح بالأسلحة النووية والقبة الحديدية وأخرى يوجه أبناؤها سلاحها لبعضهم البعض، من الذي أغرقنا في هذه الترهات، وهمش شخصياتنا وتفهها فجعل منا نعيش وهم المؤامرة وأننا مستهدفون، رغم أننا بوضعنا الحالي لا نساوي الكثير على خريطة الوجود البشري للأمم.