اعتقال الحرية في يومها

07 مايو 2015
+ الخط -

لم يكن يخطر على بال من التقوا في المؤتمر العام لليونيسكو عام 1991 كي يقترحوا الثالث من مايو/أيار من كل عام يوما عالميا لحرية الصحافة، والذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بناء على توصية هذا المؤتمر بعد سنتين من ذلك التاريخ، أي عام 1993، أن يذهب تردي الأوضاع في المنطقة العربية إلى الحد الذي وصل إليه اليوم في ما يتعلق بالحريات الإعلامية، وبالأخص موضوع حماية وأمن وسلامة الطواقم الصحافية، وهذا لا يعني أن أوضاع الصحافة العربية من ناحية الحريات كانت مزدهرة ومطلقة الأقلام، للقيام بما وجدت الصحافة لأجله وممارسة دورها من موقع الرقيب على مصالح المجتمع والوسيط الذي يتوخى نقل المجريات بما تفرضه دلالاتها ومآلاتها الحقيقية من معطيات، بل القصد يدور حول مدى السوء الذي دفع إليه مستوى حريات التعبير.

ولربما يصدق الافتراض أن هذه المنطقة، بسوادها الأعظم، لم تعرف يوما معنى الحماية والحرية الإعلامية بشكل كلي، أو حتى قريب مما هو متعارف عليه في البلدان التي تقول بحرية الإعلام. وهذا فصل من كتاب الإغلاق على الحريات يمثل أكثر الفصول كشفا وفضائحية، إذ من الجلي أن معضلة الحريات في البلدان العربية لا تقتصر على الصحافة وأهلها، أو بالأحرى لا يوظف الحجر على الحرية ضدهما فقط، ولكنه آت من ضمن سياق أعم وأشمل، يرتبط بالحالة الإجمالية لحياة المجتمعات الشاهدة على حقب ليست قصيرة من حكم العسكر والأجهزة الأمنية وتوريث السلطة، ليس بالمعنى العائلي بالضرورة، وإنما توارثها حزبيا ومافيويا، كما وتشهد مجتمعاتنا فقر الحرية في التعليم والعمل وحتى الصحة والترفيه، فكل مفاصل المجتمع متضررة وممسوسة بنقص حاد في معدلات الحرية والشعور بها على المستوى العربي.

وإذا ما تمت متابعة التقارير المتخصصة بشأن الحريات الإعلامية عالميا، في الشق المتعلق بالمنطقة العربية، فليست سورية وحدها التي يقتل فيها الصحافيون شر تقتيل، وينكل بهم ويخطفون ويخفون قسريا ويمنعون من الوجود، لا من الكلام أو نقل الصورة وحسب، وليست ليبيا وحدها كذلك، ولا العراق، ولا اليمن، ولا غيرها وغيرها، وليست الجزائر بالبلد الوحيد عربيا الثائر فيه الجدل حول الحريات الإعلامية وما هو متاح وما هو مسموح، أمام إجادة السلطة اللعب على التفاصيل القانونية أدواتٍ تخدمها في لعبة تكميم الأفواه التي طالت بما يزيد على أي تصور، كما أن الاعتقال والتنكيل لا يطاول الصحافيين المصريين وغير المصريين العاملين في مصر فقط، مع أن مصر تتصدر المشهد بفجاجة المعاملة لهؤلاء المجندين في سبيل المعلومة ونقل الحقيقة وإيضاح الآراء، والتشدد في إنزال العقوبات بهم، على ذنوب لم يقترفوها، إلا وفق عرف جنرالات الانقلابات العسكرية.

ما يهم أكثر من الأرقام والإحصاءات حول مسألة الحريات الإعلامية، هو من تستهدف بالتحديد وكيف ولماذا، أكثر من أي شيء آخر، وبالأخص أكثر من محاولة التصدي لمقولات السلطة والدكتاتوريات حول تبريراتها المتعلقة بالأمن القومي والسلم الأهلي كما تفهمهما هي، لا كما هما حقيقة.

يلحظ أن أكثر من تستهدفهم آلة التنكيل السلطوي، بعد تكالب الثورات المضادة عربيا، هم من الإعلاميين الشباب الذين كانوا خير حليف للثورات التي رأوها ثوراتهم، والقضايا العربية التي نقولها قضايا تعبر عنهم ويعكس النضال في سبيلها معنى لنضالهم في المضمار الذي سلكوه، في مقابل جحافل كبيرة وكثيرة من كهول وعواجيز الصحافة القائمين على مؤسسات مرعية من الأنظمة القمعية التي يستميتون في الدفاع عن مقاومتها وممانعتها، وعن "شرعيتها" وعن تبرير الانقلابات التي أوصلت الجنرالات إلى الحكم. بينما من يعول عليهم في تحقيق نهضة الإعلام العربي بشكل ومحتوى عصري، ورؤية جديدة، يأتون من أسفل الهرم لا أعلاه، ويُواجهون بكل الأدوات القمعية المعروفة والخافية.

وآخر النداء؛ الحرية للصحافة والصحافيين العرب، والكرامة للكلمة الحرة.


راسلونا على:Jeel@alaraby.co.uk

المساهمون