اضطهاد الإيغور يُحرج إفتاء روسيا

31 ديسمبر 2019
الإفتاء الروسي يتخذ موقف الدولة (Getty)
+ الخط -

روايتان متضاربتان حول مسلمي الصين في روسيا، إذ تعلن المؤسسات الدينية الرسمية عدم اضطهادهم، فيما تؤكد بعض الأصوات الإسلامية حقيقة هذا الاضطهاد

مع تزايد الإدانات الدولية للاضطهاد بحق مسلمي الإيغور في الصين، واحتجازهم في "معسكرات إعادة التربية"، تجد القيادات الدينية لمسلمي روسيا نفسها في موقف محرج بين الدعوات إلى التضامن مع المسلمين المظلومين، والتزام الخط الرسمي للسياسة الخارجية الروسية الذي يُعلي الشراكة مع الصين على ما عداها، بعدما تجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين عتبة الـ100 مليار دولار أميركي في العام الماضي.

وفي الوقت الذي زعم فيه رئيس مجلس المفتين في روسيا، راوي عين الدين، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أنّ الإيغور "لا يشعرون بأيّ تمييز من قبل الحكومة الصينية"، ثمة مبادرات فردية بين مفتي مختلف المناطق في روسيا لإدانة ما يجري على الأرض في الصين ومناصرة الإيغور. مفتي موسكو، إلدار علاء الدينوف، واحد من هؤلاء، إذ دعا خلال خطبة صلاة الجمعة في وقت سابق من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، إلى "مناصرة أشقائنا الذين يتعرضون للظلم والتمييز والإهانات لمجرد انتمائهم إلى قومية ومعتقدات أخرى". كذلك، سبق لمفتي جمهورية تتارستان، كامل سميع الله، الدفاع مراراً عن الإيغور، مندداً بسياسات بكين، ومستشهداً بدروس تاريخ روسيا، ومفادها أنّ "مواجهة الدين تؤدي إلى عواقب سلبية لا يمكن تداركها".




وفي هذا الإطار، يشير رئيس قسم البحوث في معهد "حوار الحضارات" الدولي، أليكسي مالاشينكو، إلى أنّ الإدارة الدينية المركزية لمسلمي روسيا غالباً ما تتخذ مواقف تتناسب مع الدولة. ويقول مالاشينكو في حديث إلى "العربي الجديد": "الإدارة الدينية لمسلمي روسيا لها مواقف سلبية إلى حدّ كبير، وغالباً ما تكون متطابقة مع السياسة الخارجية للدولة والموقف الرسمي الروسي الذي مفاده أن لا قمع بحق الإيغور في الصين. لكن هناك شخصيات مثل مفتي تتارستان سميع الله الذي يعبّر دائماً عن موقفه الخاص". أما جوهر قضية الإيغور في الصين، فيلخصه الباحث الروسي بالقول: "تكمن المشكلة الرئيسية في أنّه تجري عملية صيننة جميع أقاليم البلاد، وتنفذ هذه الخطة بحزم. سبق للصين أن وضعت جداراً أمام حركة هجرة المسلمين إليها، ولا يوجد فيها مهاجرون، سواء من العرب أو الأفغان، ولا تواجه أزمة تنظيم داعش الإرهابي". ويوضح: "هناك مشكلة أخرى تتلخص في أنّنا لا نعلم عدد الإيغور في الصين على وجه الدقة، إذ تشير البيانات الرسمية إلى رقم 8 ملايين، وأخرى غير رسمية تتحدث عن 20 مليوناً. كذلك، إنّ نخبة الإيغور من رجال الأعمال موالية لبكين إلى حد كبير". ويذكّر مالاشينكو بأنّ الاتحاد السوفييتي كان يدعم حركة الانفصاليين الإيغور في الستينيات من القرن الماضي، لكنّ الوضع الجيوسياسي بات مختلفاً اليوم.

تضامناً مع الإيغور في إندونيسيا (فرانس برس) 











ومن مؤشرات عدم التعاطف مع الإيغور على المستوى الرسمي، حتى في تتارستان، إصدار المحكمة العليا لجمهورية تتارستان في منتصف ديسمبر/ كانون الأول الجاري، حكماً يؤكد رفض منح حق اللجوء للطالب الإيغوري، شاهديار شوكت، الذي بات يواجه خطر الترحيل إلى الصين، إذ أُودِع في "معسكر إعادة تربية المسلمين" في منطقة شينجيانغ الإيغورية ذاتية الحكم، التي يصف الحقوقيون ظروف الإقامة فيها بأنّها أقرب إلى التعذيب. والآن، يواجه شقيقه التوأم شهرزاد مصيراً مماثلاً، بعدما وصلا إلى تتارستان للدراسة في جامعة قازان الفدرالية بكليتي التصميم والإعلام الدولي في عام 2015، لكنّهما فُصلا بعد رسوبهما، بينما اشترطت الجامعة عليهما العودة إلى الصين لاستخراج تأشيرة دراسية روسية جديدة من أجل مواصلة الدراسة. ويعتزم دفاع شوكت رفع دعوى أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، مستنداً في موقفه إلى أنّ اضطهاد المسلمين في الصين معترف به من المجتمع الدولي، لافتاً إلى سابقة منح روسيا اللجوء المؤقت للفارين من منطقة دونباس في شرق أوكرانيا، التي تشهد منذ عام 2014 نزاعاً مسلحاً بين قوات الجيش الأوكراني ومسلحي جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين المعلنتين من طرف واحد.




وبالرغم من أنّ منطقة شينجيانغ الإيغورية تضم أكبر عدد من المسلمين في الصين، فالسلطات المركزية فرضت فيها منذ عام 2017 حظراً على إطلاق اللحى وارتداء ملابس تغطي الوجه. وفي عام 2019، أصدرت السلطات الصينية نسخة جديدة من "الكتاب الأبيض" تؤكد فيه أنّ الإسلام ديانة دخيلة على السكان، وتزعم أنّ هناك مجموعات إرهابية تزاول نشاطها في المنطقة. وفي الوقت الذي نددت فيه الأمم المتحدة بانتهاكات حقوق الإنسان في "معسكرات إعادة التربية" التي يحتجز فيها أكثر من مليون مسلم، وقّع 37 بلداً، بما فيها روسيا، على خطاب يدعم سياسات السلطات الصينية.