من يرى صور مرضى طبيب الأعصاب الفرنسي شاركو (1825-1893) ليس من السهولة أن ينساها، لقد التقط صوراً للمرضى النفسيين والمجانين أي للإنسان في أكثر حالاته هشاشة، طبعا كانت الأهداف علمية وطبية، لكن تلك الصور ما زالت تضع من يتأملها أمام أكثر لحظات البشر ضعفاً وقسوة.
هذه الفكرة تظل لامعة رغم مفارقتها، وربما تكون واحدة من بين مؤثرات كثيرة ألهمت ثلاث لبنانيات، المتخصصة في علوم الأعصاب لورا جوي بولص والمصورة مريام بولص والفنانة ميشيل ستاندويفسكي المتخصصة في الرسوم المتحركة، وهاهن يستوحين منها ومن جنون المدينة وتناقضاتها فكرة معرضهن المشترك "اضطراب (ات) في بيروت" الذي يفتتح في 7 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل ويستمر حتى 23 من الشهر نفسه في غاليري "جنين ربيز".
أسست ستاندويفسكي الأم مع ابنتيها مريام ولورا جوي "رابطة الجوزاء" في 2012، تبدو صلة القرابة هذه سبباً إضافياً يثير الفضول حول تجربة الثلاث، تجربة ترمي، وفقاً لما تقول ستاندويفسكي في حديث إلى "العربي الجديد" إلى فهم علاقة الاضطرابات النفسية بمدينة بيروت.
اللافت أن المعرض حمل اسم اضطرابات في بيروت، وليس اضطرابات أهل بيروت، وكأن المدينة تصيب من يسكنها بسندروم تحاول الفنانات فهم علاقته بالمكان، ومثلما فعل شاركو يلتقطن صورة للمضطرب وهو يعيش حالته المرضية باعتباره شخصاً طبيعياً في مكان عام.
بناء على هذا التصوّر جرى تقسيم العمل بحيث يكون المشروع الفني مكوّناً من نص علمي يتعلق بالمرض النفسي تكتبه لورا جوي، بناء على الصور التي تلتقطها مريام، وتضيف ميشيل الرسوم لتصنع حكاية تربط كل هذه المفردات ببعضها، فتتيح لتمظهرات الاضطرابات أن تتضح من خلال لغة جسد الشخصيات في الأماكن العامة.
لإنجاز "اضطراب (ات) في بيروت" قامت الفنانات بزيارة معظم أحياء بيروت، وتوقُّع أو تخيُّل أو تصوُّر الاضطراب النفسي الذي يمكن أن يصاب به الساكن فيها، وذلك بناء على تاريخ المدينة والحي وكل ما يحمله المكان من صورة عنه في أذهان الآخرين.
اقرأ أيضاً:"معرض بيروت للفن": الفهلوي والفنان