يمثل نبأ مقتل زعيم تنظيم "القاعدة" في اليمن، قاسم الريمي، إذا ما تأكد، ضربة قوية جديدة للتنظيم، من شأنها أن تفاقم من تراجعه، بعد أن منحته الحرب في سنواتها الأولى، وخلال عامي 2015 و2016 على وجه التحديد، فرصة للانتشار والتوسع في مساحات واسعة بالبلاد، سرعان ما انكمشت لاحقاً. وأكدت مصادر محلية في محافظة مأرب اليمنية، لـ"العربي الجديد"، أن غارة جوية نفذتها طائرة يُعتقد أنها أميركية بدون طيار، قتلت أربعة أشخاص على الأقل، في منطقة وادي عبيدة، بالتزامن مع غارة أخرى في منطقة يكلا، ببلدة قيفة بمحافظة البيضاء، المحاذية لمأرب، وسط البلاد. وفي الوقت الذي لم يصدر فيه تأكيد رسمي، سواء من التنظيم أو من الولايات المتحدة، بمقتل زعيم التنظيم قاسم الريمي، جراء الغارة، رجحت الأنباء الأولية، من الجانب الأميركي على وجه التحديد، مقتله، بعد أكثر من عام على رصد واشنطن مكافأة قدرها 10 ملايين دولار، لمن يُدلي بمعلومات عن مكان تواجده، وبعدما نجا أكثر من مرة من عمليات استهداف، إذ تكرر إعلان خبر مقتله مرات عدة من قبل الحكومة اليمنية، اعتباراً من عام 2009.
وكان قاسم يحيى مهدي الريمي، المعروف أيضاً بـ"أبو هريرة الصنعاني"، مواليد عام 1974، عُين رسمياً قائداً لتنظيم "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية، الفرع الذي يضم اليمن والسعودية، اعتباراً من يونيو/حزيران 2015، في أعقاب الإعلان عن مقتل زعيم التنظيم السابق، ناصر الوحيشي، بغارة أميركية في مدينة المكلا محافظة حضرموت شرقي البلاد، وهي المدينة التي سيطر عليها التنظيم أو فرعه اليمني المعروف بـ"أنصار الشريعة" لعامٍ كاملٍ انتهى في إبريل/نيسان 2019.
وحتى قبل تسلّمه التنظيم رسمياً، كان الريمي حاضراً بقوة في مختلف الهجمات، إذ إنه إلى جانب الوحيشي، يُعدّ أحد أبرز الفارين من سجن الاستخبارات اليمنية بصنعاء في عام 2006، الذين أعلنوا لاحقاً دمج فرعي التنظيم في اليمن والسعودية تحت مسمى "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب"، كما أن الريمي عُرف بكونه "القائد العسكري" للتنظيم، منذ الإعلان عن تأسيسه مطلع عام 2009.
من أبرز الهجمات التي ارتبطت باسم الريمي، محاولة اغتيال ولي العهد السعودي السابق الأمير محمد بن نايف، أثناء شغله منصب مساعد وزير الداخلية، في عام 2009، حين ظهر الريمي في تسجيل مصور يشرح تفاصيل التخطيط والتنفيذ للمحاولة، التي ارتبطت بها أسماء قيادات أخرى في التنظيم، على غرار إبراهيم العسيري وكذلك سعيد الشهري.
بالإضافة إلى ذلك، ظهر الريمي في تسجيل مصور أواخر عام 2013، يؤكد مسؤولية التنظيم عن واحدة من أكبر هجماته الإرهابية في اليمن، وتمثلت في استهداف مستشفى مجمع وزارة الدفاع في منطقة العرضي بصنعاء، حيث اقتحم مسلحو التنظيم المستشفى، في ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، وأطلقوا النار بصورة عشوائية، ما أدى إلى مقتل العشرات من المدنيين والعسكريين. وأثارت العملية والطريقة الوحشية التي نُفذت بها ووثقتها كاميرات المراقبة، ردود فعل شعبية، دفعت الريمي إلى الخروج بفيديو يعتذر عن استهداف المدنيين، ويعد بتقديم تعويضات لأهالي الضحايا.
وعقب مقتل الوحيشي منتصف 2015، ظهر الريمي في تسجيلات فيديو متعددة، بايع خلالها زعيم التنظيم الدولي أيمن الظواهري، وتوعد بهجمات ضد الولايات المتحدة. وحتى قبل مقتل سلفه، كان الريمي، بنظر بعض المهتمين بشؤون الجماعات المسلحة، بمثابة القائد الفعلي. وفي عام 2018 أعلن برنامج "المكافآت من أجل العدالة"، التابع لوزارة الخارجية الأميركية، عن مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات بشأنه، وخمسة ملايين دولار أخرى بشأن قيادي آخر، هو خالد سعيد باطرفي.
في الأثناء، تأتي أهمية مقتل الريمي في أنه جاء في مرحلة تفكك وانهيار يعيشها التنظيم، الذي كان بنظر الولايات المتحدة أحد أنشط فروع التنظيم في العالم في سنوات سابقة، وبينما استغل الحرب للتوسع، من المكلا في حضرموت شرقاً مروراً بمحافظات شبوة وأبين والبيضاء وحتى عدن، تعرّض في وقتٍ لاحق، لضربات قوية، إذ اغتيل، على مدى السنوات الماضية، أبرز قادته من الوحيشي إلى جلال بلعيدي مطلع 2016، وصولاً إلى مقتل جمال البدوي الذي تتهمه واشنطن بأنه أحد منفذي الهجوم على المدمرة "يو إس إس كول" قبالة عدن في عام 2000، وكذلك مقتل إبراهيم العسيري الذي كان أحد أبرز العناصر الخطرة في التنظيم، وأعلنت الولايات المتحدة مقتله في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
الجدير بالذكر، أن الضربات التي استهدفت "القاعدة"، ارتفعت وتيرتها منذ تسلّم الرئيس الأميركي دونالد ترامب السلطة في البيت الأبيض، إذ نفّذ الجيش الأميركي، بعد أسابيع من توليه المنصب، أكبر عملية في اليمن بإنزال عسكري بمنطقة يكلا في محافظة البيضاء. كما كثفت وزارة الدفاع (البنتاغون) من الضربات التي استهدفت عناصر مشتبهة بالتنظيم، في العديد من المناطق، خلال العامين الماضيين، وترافق معها تراجع ملحوظ لنفوذ التنظيم، لا يمكن اعتباره حصيلة حصرية لتلك الضربات، بقدر أنها واحدة من جملة من العوامل محلية ودولية، أضعفت التنظيم، وفقاً لما تشير إليها الشواهد والمعطيات في العام الماضي على الأقل.