يوثّق الحقوقي الإرتيري المقيم في بريطانيا إسماعيل قبيتا مدير منظمة عفر البحر الأحمر لحقوق الإنسان، ما تفعله القوات الإماراتية من جرف للأراضي المزروعة بأشجار النخيل والدوم المملوكة لمواطنين إريتريين في إقليم عفر البحر الأحمر بعد توقيعها عقد إيجار لمدة ثلاثين عاماً مع الحكومة الإريترية كجزءٍ من اتفاقية الشراكة المبرمة، بغرض إقامة قاعدةٍ عسكرية لها في ميناء عصب، في إبريل/نيسان 2015 كما قال لـ"العربي الجديد"، مؤكدا أن الجرف شمل أراضي الملاحات بدائرة قطرها 50 كم حول المنطقة المفترضة للقاعدة العسكرية الإماراتية، ليتم بناء سور حول المنطقة وكهربته، لإبعاد الأهالي ومنع الحيوانات من الاقتراب منها، الأمر الذي تسبب في معاناة ألفي أسرة كانت تقيم حول المناطق المجاورة للقاعدة العسكرية الإماراتية وفرارهم إلى دول مجاورة، وفقا لتقرير حالة حقوق الإنسان في إريتريا الذي تم تقديمه لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والصادر في 25 يونيو/حزيران الماضي، والذي أكد حدوث عمليات إخلاء تعسفية، بالإضافة إلى عدم تعويض الأهالي.
وأُبلغ المقرر الخاص، وفقا للتقرير ذاته، بأن عمليات الإخلاء القسري لا تزال مستمرة في المنطقة المحيطة بجنوب البحر الأحمر، وهي منطقة تعود تقليدياً إلى العفر الذين يعدون أقلية عرقية رعوية تعتمد على أراضيها التقليدية لكسب قوتها، ومن بين هؤلاء أحمدو محمد، الذي هجّرت عائلته، بعد تجريف قوات الإمارات مساحات شاسعة من غابات النخيل والدوم وأحواض الملح المملوكة للمواطنين في المنطقة، والذي قدم شهادته على ما حدث ضمن فعاليات ندوة على هامش الدورة 37 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، قائلا "تم تهجير ما يزيد على ألف شخص من قرية مكعكع وحدها، ما اضطر الأهالي للجوء إلى إثيوبيا وجيبوتي واليمن".
وعاشت قومية العفر الإريترية على الشريط الساحلي الإريتري في البحر الأحمر من رأس دوميرا إلى جزيرة دهلك بطول 800 كم، بسلام طوال القرون الماضية، وفق ما جاء في كتاب الزعيم الإريتري الراحل عثمان صالح "تاريخ إريتريا"، الذي أكد أن سكان المناطق الساحلية يمتهنون صيد الأسماك والتجارة بين الموانئ واستخراج الملح، وبالفعل فإن الأهالي محرومون من الوصول إلى أراضيهم التقليدية ومناجم الملح ومناطق الصيد، وفق ما وثقه تقرير حالة حقوق الإنسان في إريتريا الأممي.
الهيمنة على باب المندب
وثّق فريق الرصد المعني بالصومال وإريتريا توسيع القاعدة العسكرية لدولة الإمارات العربية المتحدة في عصب والتي تعمل في الدعم اللوجستي وتضم مجموعة طائرات قيادة العمليات الخاصة من طرازات متنوعة (شينوك، وبلاك هوك، وبيل سيفن، ومقاتلات من طراز ميراج 2000)، وتستمر عملية إنشاء بنية تحتية ومرافق دائمة حول المطار ومرفأ ميناء مجاور للمطار بحسب التقرير، والذي لفت إلى وجود الدبابات الإماراتية (من نوع ليكليرك)، وعربات القتال، وبطاريات من مدافع الهاوتزر في موقع بين المطار ومرافق الميناء.
وتسعى القوات الإماراتية إلى الهيمنة على حركة الملاحة في مدخل باب المندب عبر قاعدتها في مكعكع، شمال ميناء عصب بحسب قبيتا، مشيرا إلى أن هذه القوات تقوم باستهداف كل ما يتحرك في البحر بنيران القصف المباشر، ما أدى إلى تضرر قوارب الصيد وكبّد المواطنين العزّل خسائر في الأرواح والممتلكات، ومنعت شعب عفر البحر الأحمر من العمل في البحر وصيد الأسماك، وهو مصدر رزقهم الأساسي، كما منعتهم من استخراج الملح من الأحواض التي تعود ملكيتها لهم وأنشأت سجون سرية في مدينة عصب والمنطقة الأولى والشمالية في عصب وهي تستخدم لتعذيب السجناء من عفر البحر الأحمر، وبعض السجناء الذين يتم جلبهم من اليمن، كما يقول.
وتحاول الإمارات السيطرة على مضيق باب المندب وطرق الملاحة البحرية، وتوسيع نفوذها ووجودها العسكري بحسب ياسين محمد عبدالله عضو المكتب التنفيذي للمنظمة الديمقراطية لعفر البحر الأحمر بالخارج، (فصيل معارض بارز للعفر) والذي قال لـ"العربي الجديد"، الإمارات اتخذت من مشاركتها في الحرب على اليمن، حجة لإقامة قاعدةٍ عسكرية لها في ميناء عصب عاصمة إقليم عفر البحر الأحمر الإريتري.
وتنطلق السفن الحربية والطائرات العسكرية الإماراتية التي تقصف وتستهدف الشعب اليمني من تلك القاعدة بحسب ياسين، والذي لفت إلى أن شعب إقليم عفر البحر الأحمر هو المتضرر الأكثر من وجود هذه القاعدة العسكرية الإماراتية التي حصلت عليها بموجب "اتفاقية غير شرعية مع نظام أسياس أفورقي، في ظل تغييب الدستور والبرلمان ومؤسسات الدولة لصالح تنفيذ أجندته وقراراته الفردية، من دون أخذ أي اعتبارات إنسانية ناجمة عن وجود هذه القوات في الحسبان"، كما يقول.
انتهاكات الإمارات
استهدفت الإمارات 17 قارب صيد منذ إنشاء القاعدة العسكرية في عصب، من بينهم 6 جرى إغراقها في أغسطس/آب الماضي، فيما أسفرت تلك العمليات عن قتل وجرح 150 صياداً وفق ما وثقته منظمة عفر البحر الأحمر الحقوقية والتنظيم الديمقراطي لعفر البحر الأحمر.
وتقصف القوات الإماراتية الصيادين العفر وتضيّق الخناق على حركة الصيد والتجارة وتجفيف مصادر رزقهم من خلال جرف النخيل والدوم وتخريب أحواض الملح، بحسب تأكيد ياسين محمد عبدالله، والذي قال إن التعدي على العفر لم يقتصر على البر، بل تطور إلى استهداف قوارب الصيادين البسطاء.
الإفادات السابقة تطابق ما وثّقه تقرير حالة حقوق الإنسان في إريتريا، والذي جاء فيه أن الحكومة الإريترية تواصل العمل بنشاط في سياسة شرعنة التهجير القسري للسكان الأصليين والأقليات وتعمل على تجريدهم من أراضيهم.
معاناة العفر
تحتل القوات الإماراتية مساحة بطول 50 كيلومترا، وعرض 40 كيلومترا، على بعد 8 كيلومترات من ميناء عصب من منطقة رأس ترما حتى بايلول، وتشتمل على قرى مكعكع كلير، مكعكع السفلى، حياء عدي، أفح، الألي، ويبلغ عدد السكان الذين تم طردهم من هذه القرى ألفي أسرة، ولجأ سكان تلك المناطق إلى كل من إثيوبيا واليمن، حيث يعيشون هناك دون مأوى، بعد استهداف القوات الإماراتية كل الأهداف المتحركة في البحر بنيران القصف المباشر بطائراتهم الحربية واستخدام المروحيات ضد العفو ومن بين هؤلاء 20 من صيادي الأسماك تعوضوا للقصف في السادس من مايو/أيار من عام 2017 من جانب القوات الإماراتية المتمركزة في جبل أباعل، بالقرب من منطقة عدي ما أدى إلى قتلهم، وفق ما أوضحه الحقوقي إسماعيل قبيتا.
ومنعت تلك القوات سكان منطقة مكعكع الواقعة في ضواحي عصب من الوصول إلى مراعيهم التقليدية ومناجم استخراج الملح الخاصة بهم، ومناطق صيدهم ما دفعهم للهروب إلى معسكرات في دول الجوار (إثيوبيا والسودان)، من دون جبر ضررهم أو إعادة تسكينهم في مناطق أخرى في إرتيريا بحسب حقوقيين وسياسيين إرتيريين تواصل معهم معد التحقيق.
ويسعى التنظيم الديمقراطي لعفر البحر الأحمر إلى الرد على القوات الإماراتية من خلال تحريك الشارع العفري في الداخل والخارج للحد من الانتهاكات التي تمارس في حقه، وتحريك الرأي العام العالمي لتسليط الضوء على جرائم القوات الإماراتية المتمركزة في قاعدة عصب بحق المواطنين في إقليم عفر البحر الأحمر، كما يقول ياسين محمد عبدالله، والذي قال: "تظاهر الإريتريون أمام السفارات الإماراتية والمنظمات الدولية للتنديد بما وقع لعفر البحر الأحمر، ومن بين تلك الفعاليات مظاهرة أمام السفارة الإماراتية في بروكسل، وقبلها في صباح يوم الجمعة 7 سبتمبر/أيلول الماضي اجتمع ناشطون إريتريون بالسيدة أولريكا براون مسؤولة الملف الإرتيري ودول إيجاد وشرق إفريقيا في الاتحاد الأوروبي ببروكسل، وأطلعناهم على جرائم القوات الإماراتية وقدمنا مذكرة للاتحاد الأوروبي ومذكرة أخرى للأمم المتحدة وبقية المنظمات الدولية بما فيها جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي، ومستمرون إلى الحصول على حقوقنا ووقف الانتهاكات الإماراتية في حق شعبنا".