استهداف الاحتلال للعيسوية: الخروج من المنزل مغامرة

04 سبتمبر 2019
ينفذ الاحتلال عمليات اعتقال وإبعاد في البلدة(فايز أبو رميلة/Getty)
+ الخط -
منذ ثلاثة أشهر، أي منذ بداية يونيو/ حزيران الماضي، تبدّل المشهد كثيراً في قرية العيسوية، وسط القدس المحتلة، مع تزايد اقتحامات جنود الاحتلال لحارات البلدة وشوارعها على مدار ساعات النهار، وحتى في أوقات الليل المتأخرة. أميرة، التي اكتفت باسمها الأول فقط، وهي ممرضة تعمل في مستشفى "هداسا" المقام على مساحات كبيرة من أراضي قريتها العيسوية، تخرج منذ ساعات الصباح الأولى من منزلها في حي عبيد، لتعود إليه عصراً، فيما يمضي أطفالها أوقاتهم داخله بانتظارها. هؤلاء الأطفال، كان بمقدورهم، إلى حين بدء الموسم الدراسي، اللعب في حارات حيّهم، لكنهم اليوم، وفي ظل اقتحامات الاحتلال المرتفعة الوتيرة، حرموا من هذه "الرفاهية".

في حديثها لـ"العربي الجديد"، تشرح الأم المقدسية أن "الجميع في العيسوية بات في حالة خوف شديد - الأطفال والأهالي وكل من يخرج إلى الشارع - بسبب المداهمات والاقتحامات وإطلاق الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع من قبل جنود الاحتلال، الذين لا يتوانون عن ضرب الناس بالهراوات، ما جعل سكان البلدة يصابون بالهلع، حتى وهم داخل منازلهم".

حال أسرة أميرة تشبه حال جميع العائلات التي تقطن العيسوية، وحال أمهات البلدة، وربات المنازل، اللواتي يخشين على حياة أبنائهن، والتي هي بالنسبة لهن أهم بكثير من متعة اللعب، التي تتطلب الخروج إلى الشارع. ومن يرصد ممارسات الاحتلال في البلدة، المعروفة بقلعة الصمود والمقاومة في القدس، يسجل على مدار اليوم بالكاميرا والهواتف النقالة، فظاعة الانتهاكات والجرائم التي تحاول إسرائيل إخفاءها عن العالم.

من بين هؤلاء الراصدين الناشط المقدسي، رئيس لجنة المتابعة في العيسوية، محمد أبو الحمص، الذي تمكن مرات عدة من تسجيل حالات الاعتقال والإبعاد، وحتى الإصابات بالرصاص المطاطي والضرب بالهراوات. قبل أسبوع، اعتقل أبو الحمص بتهمة إعاقة عمل جنود الاحتلال، خلال ممارستهم لجرائمهم بحق أبناء العيسوية من الأطفال والنساء وكبار السن، ليطلق سراحه لاحقاً، ويتم إبعاده عن بلدته لمدة 19 يوماً. ويقول الناشط المقدسي لـ"العربي الجديد"، إنها "فترة الإبعاد الأطول التي تستهدف نشطاء من البلدة، علماً أن أكثر من 25 ناشطاً، بينهم أطفال وفتية ونساء، كانت قد صدرت بحقهم أوامر إبعاد راوحت بين أسبوع وأسبوعين".


ويعكس عدد المعتقلين وحجم الاقتحامات والمداهمات اليومية للعيسوية، برأي أبو الحمص، حدة المقاومة الفلسطينية وقوتها، خصوصاً بعد إصابة قائد ما يسمى "شرطة القدس" بحجر ألقاه طفل من البلدة لم يتجاوز السابعة من عمره، ما دفع الاحتلال إلى الرد بمثل هذا الانتقام والاستهداف غير المسبوق، مع اعترافه بعزمه على النيل من العيسوية وأهلها بالاقتحام والاعتقال والعقوبات الجماعية، وحتى بارتكاب جرائم القتل، والتي كان آخرها قتل الشاب محمد عبيد قبل ثلاثة أشهر، والاستدعاءات بالجملة التي طاولت أطفالاً لم يتجاوزوا الخامسة من أعمارهم.

ويوضح أبو الحمص أن أشكال الاستهداف للعيسوية لا حدود لها، علماً أن البلدة قدمت منذ العام 1967 ولغاية اليوم نحو 20 شهيداً، بينما سجلت الأشهر الثلاثة الماضية اعتقال أكثر من 350 شاباً وفتى وامرأة، مؤكداً استمرار موجة الاعتقالات التي لا يكاد يمر يوم من دونها، كان آخرها اعتقال اثنين من أولياء أمور التلاميذ، هما ياسر درويش ومحمود فايز، بتهمة تهديد مدراء مدارس تطبق المنهاج الإسرائيلي، ومداهمة المحال التجارية، وفرض المخالفات، إضافة إلى إصدار المئات من إخطارات الهدم، التي تهدد سكان البلدة.

وإلى أن تنتهي مدة إبعاده عن بلدته، يواصل أبو الحمص اعتصامه على تخوم العيسوية، لكي لا تغيب عن ناظريه. مفترشاً الأرض، يستقبل الناشط المقدسي المتضامنين معه ومع قضيته، وقضية العيسوية التي قدمت من شبابها الكثير من الشهداء والأسرى.

ولا يخفي أبو الحمص، وكذلك أبناء البلدة، امتعاضهم من مرجعيات القدس التي لا تولي العيسوية الاهتمام الكافي والتضامن والدعم والإسناد اللازم. ويحذر في هذا الشأن من أن "عليهم أن يتنبهوا جيداً، فالاحتلال يصعد في العيسوية، وحين ينتهي منها، سينتقل إلى سائر الأحياء المقدسية، ولن يوفر أحداً".

وكانت اللجنة المركزية للجان أولياء أمور طلاب العيسوية قد قررت، الأحد، إلغاء الإضراب التعليمي في البلدة، واستئناف الدوام المدرسي، تزامناً مع انطلاق العام الدراسي في القدس، وذلك عقب اجتماع عُقِد مع رئيس بلدية الاحتلال في القدس، موشيه ليئون، وممثل عن شرطة الاحتلال. وتقرر وقف الإضراب، بناءً على تعهد رئيس البلدية بـ"تقليص" الحملة العسكرية إلى "الحد الأدنى، وبحسب الحاجة"، وفق قوله، والابتعاد عن محيط المدارس في أي اقتحام.

وتقرر أيضاً إطلاق سراح عضوي لجنة أولياء الأمور، ياسر درويش ومحمود فايز، وهما معتقلان منذ الأسبوع الماضي بدعوى تهديد مدراء مدارس العيسوية لإجبارهم على الالتزام بالإضراب، وهي التهمة التي أكدت اللجنة أكثر من مرة أنها "باطلة" وتهدف إلى إفشال الإضراب. وكانت اللجنة أعلنت عن الإضراب احتجاجاً على الحملة العسكرية التي تنفذها قوات الاحتلال ضد العيسوية منذ شهر يونيو/ حزيران الماضي، وحرصاً على سلامة طلاب المدارس الذين ينتشر جنود الاحتلال في طريقهم، ويطلقون الرصاص وقنابل الغاز، وكذلك بسبب وجود عدد من الأطفال في الحبس المنزلي أو الفعلي.

المساهمون