تشهد إيطاليا، اليوم الأحد، استفتاء حاسماً، هو الأول من نوعه منذ دخول الدستور الحالي حيز التنفيذ مطلع يناير/كانون الثاني 1948. ويكتسي الاستفتاء أهميته ليس فقط انطلاقاً من حجم الإصلاحات التي سيدخلها على الحياة السياسية في البلاد، إذا ما تم التصويت بـ"نعم" لصالح تمرير التعديلات، بل أيضاً لكونه سيحدد المصير السياسي لرئيس الوزراء ماتيو رينزي الذي تعهد بالاستقالة في حال تم رفض التعديلات، فضلاً عن أن الاتحاد الأوروبي لن يكون بمنأى عن ارتدادات النتائج، لا سيما إذا فشل رينزي وتم اللجوء إلى انتخابات مبكرة، ما قد يجعل الاتحاد أمام اختبار جديد لوحدته في ظل تنامي تيارات اليمين الرافضة للاتحاد داخل إيطاليا.
التعديلات الدستورية المقترحة
والاصلاح الذي يدعو إليه رينزي منذ أشهر يرمي إلى تأمين استقرار سياسي أكبر لإيطاليا التي توالت عليها ستون حكومة منذ 1946، من خلال الحد من صلاحيات مجلس الشيوخ الى حد كبير وتجريده من حق التصويت على الثقة بالحكومة. وتشمل التعديلات وضع حد لنظام البرلمان المؤلف من غرفتين (النواب والشيوخ)، وفق دستور 1947 الساري المفعول، إذ يحصر الوظيفة التشريعية في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) فقط على أن يبقى الشيوخ (الغرفة الثانية) مجلساً تميثلياً للأقاليم. كما يخفض عدد أعضاء مجلس الشيوخ إلى مائة (العدد الحالي 320)، بينما يبقى عدد النواب على حاله أي 630 نائباً. كذلك تقلص التعديلات المقترحة من صلاحية رئيس الدولة، إذ تنزع عنه حق حل مجلس الشيوخ (لأنه يصبح مجلساً للأقاليم ومدة ولاية أعضائه مرتبطة بمدة مناصبهم الإقليمية)، وتقصر حقه بالحل على مجلس النواب فقط. ويصبح رئيس مجلس النواب، هو ثاني منصب في الدولة، (رئيس مجلس الشيوخ هو الذي يتمتع حالياً بهذا المنصب).
وتعارض التعديلات غالبية الطبقة السياسية من أقصى اليسار وصولاً الى اليمين المتطرف مروراً بالشعبويين من حركة خمس نجوم أو رابطة الشمال وحزب فورتزا إيطاليا برئاسة سيلفيو برلوسكوني أو حتى "غاضبين" من الحزب الديمقراطي الذي يترأسه رينزي وقد دعوا إلى التصويت بـ"لا".
ويعيب المناهضون للاستفتاء عليه أنه جاء باقتراح من مجموعة سياسية واحدة (يسار الوسط)، ولم يشمل مشاركة كافة القوى السياسية. في المقابل، يعدد الداعمون مزايا الاستفتاء باعتباره يضع الكثير من الحلول لمشاكل جذرية تعاني منها المؤسسات السياسية في البلاد.
مصير رينزي والاتحاد الأوروبي
أما في حال رفض التعديلات يخشى مراقبون أن يؤدي ذلك إلى فتح الباب أمام انتخابات مبكرة ترجح هيمنة اليمين، الداعي للخروج من الاتحاد الأوروبي، على نتائجها، الأمر الذي قد يمهد لطلاق جديد في القارة العجوز بعد بريطانيا، وهو ما يخشى مراقبون في حال تم أن يشكل ضربة قاضية للاتحاد الأوروبي.
وتعهد رينزي بالاستقالة في حال فشل بتمرير التعديلات الدستورية، لكن الحَكَمَ في هذه الحالة سيكون لرئيس الجمهورية سيرجيو ماتاريلا الذي سيقرر إما الدعوة إلى انتخابات مبكرة أو أن يعهد إلى رينزي مجدداً مهمة تشكيل حكومة جديدة، كما يمكن للرئيس اختيار شخصية أخرى. والخيار الأخير لا يروق لتشكيلات اليمين الشعبوي، مثل "خمس نجوم"، واليمين المتطرف مثل "رابطة الشمال"، و"أخوة إيطاليا"، والذين سيتمسكون باللجوء إلى صناديق الاقتراع في أقرب فرصة ممكنة. وتؤمن تلك التيارات بأنها المرشح الأقوى لحكم البلاد تناغماً مع الانتصار الذي حققه دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.
وقد حاول رينزي في آخر خطاب انتخابي له، قبل بدء التصويت، استمالة الناخبين المترددين للتصويت لصالح التعديلات، قائلاً إن كلمة "نعم يجب ألا تسمح لنا فقط بتغيير إيطاليا بل بتغيير أوروبا، بتغيير العالم". وتتعزز مخاوف رئيس الوزراء الإيطالي من رفض التعديلات بعدما أعطت استطلاعات للرأي تقدماً بين 5 إلى 8 نقاط لرافضي الإصلاحات التي اقترحها رينزي، مع عدد كبير من المترددين، على الرغم من أن نتائج الاستفتاء البريطاني قبل أشهر ونتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية تثير شكوكاً عدة في دقة نتائج الاستطلاعات.
(العربي الجديد، الأناضول، فرانس برس)