لا يمكن أن نكتفي اليوم، كفلسطينيين وعرب، بحركة المقاطعة الغربية بديلاً عن المقاطعة العربية للكيان الاستعماري المسمّى "إسرائيل".
صحيح أن الـ BDS حركة منظّمة وفاعلة حققت إنجازات في مجال مقاطعة "إسرائيل" ومقارعتها في الساحة الدولية في العقد الأخير، وصحيح أنها جاءت من حيث المبدأ تلبية لنداء مؤسسات أهلية فلسطينية؛ لكنها في النهاية حركة تعمل أساساً في الغرب وبدرجة أقل في أجزاء أخرى من العالم، ولا يمكن أن تُغني عن حركة مقاطعة عربية فاعلة تتقاطع معها في الوسائل والأهداف والمراجع الأخلاقية وتتمايز عنها في جوهر مبدأ المقاطعة.
نحن كعرب نقاطع "إسرائيل" لأننا لا نعترف بشرعيتها كـ"دولة" ولا نراها إلا واقعة استعمارية، في حين أن التيار الأقوى داخل حركة المقاطعة الدولية يتعامل مع "إسرائيل" كدولة مارقة لا بد من مقاطعتها لتأديبها.
في حين لا تعترف الشعوب العربية بكون "إسرائيل" دولة أصلاً وتعتبر إعطاءها صفة دولة عام 1948 جزءاً من مسارات مؤامرة استعمارية على مشروع التحرر العربي، بالطبع مع الأخذ بالحسبان تعقيدات "المسألة اليهودية" كمشكلة أوروبية أساساً استثمرت "الحركة الصهيونية" في "تخليص" المجتمعات الأوروبية منها على حساب العرب وحقوقهم، وهو استثمار لا أخلاقي من قبل الغرب و"الحركة الصهيونية" على السواء.
إذن نحن نتحدث عن سياقين للمقاطعة، سياق عربي وإسلامي بدأ يأخذ شكلاً مؤسساتياً بعد احتلال فلسطين وقيام الكيان الإسرائيلي عام 1948، وهو شكل بقي أقرب إلى التحريم والسكون منه إلى الفعل والحركة، وسرعان ما التفّت عليه "إسرائيل" باختراقات واسعة في الساحة الدولية بدعم رعاتها من أنظمة إنكليزية وروسية وفرنسية وألمانية وأميركية فتحت لها مغاليق ما يسمى "المجتمع الدولي" وسرّبتها إلى اقتصاديات ومنظومات دولية قلّلت من تأثير المقاطعة العربية غير الفاعلة أصلاً.
بقيت المقاطعة العربية فعلاً رمزياً جرى تهديمه مع كامب ديفيد السادات عام 1977 وتوالى التهديم مع "أوسلو" منظمة التحرير 1993 و"وادي عربة" الأردن 1994 وجملة "تفاهمات" إسرائيلية مشينة مع أنظمة عربية مغاربية وخليجية، وهو تهديم وصل ذروته مع ما يسمى بـ"المبادرة العربية" والتي لا تزال "إسرائيل" ترفضها لأنها تريد تطبيعاً بلا ثمن، ولا تريد حتى دفع الثمن البخس الذي تعرضه عليها "المبادرة العربية".
وإن كنا اليوم نستطيع الإشارة إلى الضعف والتقاعس التاريخي الذي عاشته حركة المقاطعة العربية - من خلال مقارنة سريعة مع حركة شعبية هي الـ BDS؛ إلا أننا في المقابل لا نقلل من أهميتها شعبياً في عدم تطبيع وجود "إسرائيل" في وعي شعوب المنطقة التي لا تزال تعتبر المشروع الإسرائيلي عدواً يقف ضد مشروع حريتها.
إننا وإذ ننظر باحترام وتقدير إلى مجموعات شعبية حول العالم تنشط في مقاطعة إسرائيل وفرض العقوبات عليها، فإننا نتطلع بألم إلى بيتنا العربي وفقدان أدوات ترتيب سياسة مقاطعة فاعلة لا تكتفي بـ"تجنّب" إسرائيل وإنما تتعقّبها في العالم بلغة الحقوق وبأسلحة المصالح. لم يكن هدفنا كشعوب عربية إلا هزيمة المشروع الاستعماري الصهيوني، ولا ينبغي أن يكون هدف المقاطعة أقل من ذلك.