استرضاء "الدب"...العراق يمنح روسيا استثمارات بتسهيلات كبيرة

10 فبراير 2017
روسيا تستهدف مشروعات البنية التحتية (صباح عرعر/فرانس برس)
+ الخط -
كشفت مصادر سياسية وأخرى حكومية عراقية لـ "العربي الجديد" عن عرض بغداد تقديم تسهيلات وحوافز استثمارية كبيرة للشركات الروسية سواء الحكومية أو الخاصة، سيما في مشروعات قطاعات الكهرباء والإسكان والنفط والبنى التحتية والنقل والصناعات الثقيلة، في خطوة يفسرها خبراء، على أنها نهج جديد قد يتبعه العراق، بعد تصريحات اعتبرتها بغداد سلبية وهجومية من الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب. 
ووفقا للمصادر ذاتها، فإن العراق قدم تسهيلات مختلفة بأمر من رئيس الوزراء حيدر العبادي، للشركات والمستثمرين الروس الراغبين في دخول العراق، من بينها إعفاؤهم من الضرائب وخصومات تصل إلى نحو 50% على الرسوم الجمركية المفروضة على دخول السلع والبضائع والمعدات، فضلا عن إعفائهم من شروط تشغيل اليد العاملة العراقية.
ويفرض القانون العراقي أن تكون نسبة اليد العاملة من المواطنين في أي مشروع استثماري أجنبي لا تقل عن 50%.
وقال مصدر في وزارة التخطيط، إن التسهيلات الجديدة الممنوحة للشركات الروسية، تسمح بكتابة عقود تشغيل وانتفاع مع هيئة الاستثمار تصل مددها إلى 25 عاما بدلا من 15 عاما، وهو ما لم تحصل عليه شركات أخرى.
وأضاف: "من المتوقع إقبال الشركات الروسية على مشروعات البنية التحتية في العراق بشكل تدريجي بفضل الحوافز الجديدة. أتوقع أن يصل حجم الاستثمارات إلى ملياري دولار مع نهاية النصف الأول من هذا العام، على أن يتزايد هذا الرقم بعد ذلك".
وقال عضو غرفة تجارة بغداد عبد الرحيم الأعرجي لـ "العربي الجديد" إن المعلومات المتاحة لديه تؤكد الإجراءات الجديدة.

ويعتبر الأعرجي، أن الشركات الروسية ستكون بديلا جيدا عن الشركات الغربية التي انسحبت بعد تردي الوضع الأمني وبدء المعارك مع تنظيم داعش، كما أنها ستنهي حالة التسلط والتعالي من بعض الشركات الأميركية والأوروبية التي تفرض شروطا على العراق لقاء عملها وكان العراق مضطرا للقبول بها في حينه.
ووصف الشركات الروسية بأنها "تعمل تحت أي ظرف كان حتى في مناطق القتال، وتجيد عملها".
ويعود تاريخ الشركات الروسية في العراق إلى العام 1979، عندما أسند العراق مشاريع عملاقة لتلك الشركات حيث كانت علاقته مع الاتحاد السوفييتي حينها جيدة، على عكس العلاقة مع الدول الغربية.
ونقلت وسائل إعلام محلية عراقية تصريحات لمستشار الحكومة العراقية مظهر محمد صالح، مؤخرا، قوله إن "أبواب العراق مفتوحة أمام الشركات الروسية بهدف الاستثمار في قطاعات مختلفة".
وأضاف صالح أن الشركات الروسية ستستفيد من التسهيلات المقدمة لها في مجال الاستثمار، ولذلك فهي تولي اهتماماً كبيراً بمجالات الصناعة والإسكان المواصلات.
وقال عضو في لجنة الاقتصاد بالبرلمان العراقي لـ "العربي الجديد": "نحتاج إلى الدب الروسي، بغداد ستستفيد من فتح أبوابها أمام الشركات الروسية بصفقات سلاح مختلفة. الشركات الروسية أرخص بكثير من نظيراتها الغربية رغم الفرق في جودة الأخيرة عن الأولى".
لكن هذا البرلماني الذي طلب عدم نشر اسمه يرى أن "إرادة سياسية بحتة وراء التسهيلات الممنوحة للروس، فالأمر ليس اقتصاديا كما يعتقد البعض".
ويرى مراقبون أن التوجه نحو بناء علاقات اقتصادية مع موسكو ودعوة الشركات الروسية للاستثمار في البلاد في هذا التوقيت، يحمل رسائل سياسية أكثر منها اقتصادية، في ظل التطورات الجديدة التي يشهدها العالم وتصاعد تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي يرى الحلف الروسي الإيراني الصيني أنها تستهدفه، وهو حلف يعتبر العراق أحد حلقاته المهمة بسبب علاقاته القوية مع طهران.
وقال المحلل السياسي فاضل الصالحي: "الاستثمارات الروسية في العراق رسالة سياسية بغطاء اقتصادي في الحقيقة، فبعد وصول ترامب إلى السلطة شعرت إيران وروسيا بالخطر على مصالحهما في المنطقة، وبدلاً من أن تتجه الحكومة العراقية التي تسيطر عليها إيران، إلى دعوة شركات أميركية أو أوروبية مثلاً، اتجهت نحو الشركات الروسية".
ويرى الصالحي أن الشركات الروسية لا تنافس الشركات الأميركية أو الأوروبية في مجالات الصناعة والاتصالات والإسكان، ولذلك على الحكومة العراقية أن تعيد النظر في هذه الاتفاقات المبرمة وتتجه لشركات أكثر قدرة على العمل في مثل هذه المشاريع الاستراتيجية.
فيما توقع خبراء اقتصاديون أن تساهم الاستثمارات بشكل عام في رفع قدرات البلاد المالية وتأهيل المشاريع المتوقفة ورفع القدرات الصناعية والتقنية بعد التراجع الكبير الذي شهدته البلاد بعد عام 2003.
ويرى الخبير الاقتصادي عبد الودود السماوي أن العراق تأخر كثيراً في طرح مشاريعه للاستثمار بسبب الحروب والصراعات الداخلية والفساد وتصارع الأحزاب الحاكمة، معتبرا أن التوجه نحو الاستثمارات الأجنبية بجدية في المرحلة المقبلة قد يرفع قدرات العراق الاقتصادية بشكل كبير.
وأعلن السماوي لـ "العربي الجديد"، أن العراق غير قادر على إعادة تأهيل منشآته الحيوية المختلفة في قطاعات الصناعة والسياحة والاتصالات وغيرها، فمئات المنشآت والمصانع متوقفة والمرافق السياحية متهالكة وقطاعات الاتصالات لا تزال تراوح مكانها، "ما يعني أن الاستثمارات الأجنبية هي الحل الأمثل، على ألا تكون مشابهة لجولات التراخيص النفطية التي رهنت نفط العراق للشركات الأجنبية المنتجة".
واعتبر الخبير الاستراتيجي عبد العظيم العبيدي، أن توجه العراق نحو شركات الاستثمار الأجنبية يأتي بعد نصائح عديدة قدمها الخبراء للحكومة حول أهمية إخراج العراق من أزمته الاقتصادية الخانقة عبر دعوة الشركات العالمية للاستثمار في مختلف القطاعات.
وبين العبيدي لـ "العربي الجديد" أن من شأن مشاريع الاستثمار تطوير قطاعات الإسكان والصناعة والاتصالات والسياحة، فضلاً عن توفير موارد اقتصادية مهمة لميزانية الدولة بدلاً من الاعتماد فقط على واردات النفط.
وضربت العراق أزمة مالية خانقة منتصف العام 2015، تسببت بتوقف نحو ستة آلاف مشروع فضلاً عن عمليات الفساد التي شابت تلك المشاريع من قبل.
وزادت الحرب مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) المشكلة تعقيداً ما دفع كثيراً من الخبراء لمطالبة الحكومة بالتوجه نحو الاستثمارات الأجنبية لإنقاذ مشاريع البلاد وبنيتها التحتية من التدهور.
وتسببت الأزمات الأمنية المستمرة في البلاد بتوقف العديد من المشاريع الاستثمارية عن العمل لخشية الشركات العاملة في البلاد من الاستهداف من قبل الجماعات والمليشيات المسلحة المنتشرة في عموم البلاد.
المساهمون