استراتيجياً.. بغداد أهم من عين العرب
للأسف، قولوا ما شئتم، لقد نجحوا في صرف أنظار الرأي العام الدولي عما هو رئيسي، ممثلاً ببغداد التي باتت تحت رحمة قوات تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، إلى ما هو ثانوي الذي تمثله بلدة عين العرب "كوباني"، ذات الأغلبية الكردية. هذه السياسة كمن يريد قطع ذيل الأفعى، ويبقي على رأسها. أسهم الإعلام الغربي في رسم صورة ما تقوم به قوات تنظيم الدولة الإسلامية، في الشمال السوري، كخطر ماحق، وتهديد لحياة للمدنيين المعرضين لسكين داعش ومجازرها!
بصراحة، المشهد عاطفي أكثر من اللازم، وتضليلي أيضا، الهدف منه صرف نظر الرأي العام عما يحصل في محيط بغداد، في مقابل التركيز على عين العرب، بهدف جر أنقرة إلى المستنقع السوري، لتصفية داعش وقواتها، وإن تطلب الأمر تدخلاً عسكرياً برياً من القوات التركية. هذا كله من أجل أن تتفرغ أميركا وحلفاؤها الجدد، وأقصد هنا إيران، لإعادة تأهيل النظام السوري، أو لنقل إعادة إنتاجه من جديد.
صحيح أن قوات "الدولة الإسلامية" أسقطت استراتيجية التحالف الأميركي الخمسيني ضدها، وباتت تتقدم، بشكل ممنهج، باتجاه بلدة عين العرب، إلا أن تنظيم داعش ينظر إلى هذه المعركة وسيلة هامشية، للوصول إلى غاية أسمى، تتمثل في بغداد التي باتت واقعة تحت رحمتهم، بغداد التي عمل التنظيم على تفجير قنبلة كوباني، لضمان تقدمه باتجاه بغداد، والتي باتت لا تبعد إلا بضعة كيلومترات عن مرمى قواته.
التنظيم، وحسب التقارير ودراسات الدولية، يسيطر، اليوم، على غالبية محافظة الأنبار، وصلاح الدين، والفلوجة، والموصل. أي بمعنى آخر، يحاصر بغداد، ما يعني أن سقوطها مسألة وقت. هذا التقدم الذي يعيه ويعرفه وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، دعاه للتصريح قائلا: "في نهاية الأمر، العراقيون هم من عليهم استعادة أراضي العراق، العراقيون في الأنبار من عليهم المحاربة لاستعادتها". تصريح الوزير كشف عن هشاشة وقلق الحلف الدولي المتناقض/ وصاحب الاستراتيجيات المتحاربة، الحلف الذي فشلت استراتيجيته في الحد من قدرات التنظيم وتقدمه.
لأجل هذا نحن مع القول إن دخول بلدة عين العرب لا يشكل قيمة استراتيجية للدولة الإسلامية، وفشلها في ذلك لا يعد هزيمة للتنظيم، هذا إذا قارناها، بالسيطرة على الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار العراقية، والتي يمكن أن تكون نقطة تموضع جديدة متوسطة للانطلاق إلى بغداد، كجائزة كبرى للتنظيم، لا تقدر بثمن، ومنها إلى باقي مناطق العراق.
وعليه، أيهما أهم، سقوط عين العرب أم سقوط بغداد، وأيهما أخطر، انهيار الكامل لقوات التحالف الكردي، أم انهيار القوات المسلحة العراقية، وأيهما أهم السيطرة على قلب العاصمة العراقية، أم على منطقة حدودية.
إذا استمر الحال كما هو، فبغداد، عاجلاً أم آجلاً، ستسقط بيد قوات الدولة الإسلامية "داعش" سقوطاً يعيد تشكيل الخارطة، والخطط، والأحلاف، والنظرة لها. لذلك، الآن هو وقت التنبه والحذر.