استراتيجيات حمدوك بمواجهة أزمات السودان موضع انقسام

18 ابريل 2020
يشكك البعض بقدرة حمدوك على حسم الملفات(أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -
يحاول أتباع الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير استنساخ الاحتجاجات التي أدت إلى سقوط النظام السابق، عبر محاكاة الاعتصامات أمام مقر قيادة الجيش السوداني وسط الخرطوم، ولكن هذه المرة للمطالبة بإسقاط حكومة عبد الله حمدوك، فيما سارع الجيش إلى إغلاق المنطقة حتى إشعار آخر.

وتظاهر العشرات، وسط الخرطوم أول من أمس الخميس، بدعوة من الحراك الشعبي الموحد المحسوب على نظام البشير، مطالبين الجيش بالتدخل، ونددوا بالضائقة المعيشية وعجز الحكومة عن حلها. وتدخلت شرطة مكافحة الشغب، وأطلقت الغاز المسيل للدموع، ما أدى إلى تفريق التظاهرة. وأعلن الجيش، في بيان فجر أمس الجمعة، إغلاق محيط قيادته العامة وسط الخرطوم حتى إشعار آخر. وكانت الخرطوم قد شهدت أيضاً يوم الأحد الماضي تظاهرة مماثلة لأنصار البشير رفع خلالها المحتجون شعارات من بينها "كورونا ما بتقتل، تقتل صفوف الخبز".

وتأتي هذه التحركات فيما تواجه الاستراتيجيات التي يعتمدها حمدوك لقيادة البلد انقساماً، خصوصاً مع تزايد عدم قدرته على إيجاد حلول للوضع الاقتصادي، وهو الأمر نفسه الذي كان سبباً في تفجر غضب السودانيين وجعلهم يخرجون في تظاهرات عارمة، أدت في النهاية إلى خلع الرئيس عمر البشير، بعد 30 سنة من الحكم. كما أن أي انفجار لفيروس كورونا قد يزيد من متاعبه، إذ إن النظام الصحي في البلاد متهالك للغاية.

وعلى الرغم من أن حمدوك يمتلك شعبية كبيرة في السودان، فإنه لم يستطع بعد كف يد العسكر عن ملفات هي من صميم عمل المدنيين، مثل العلاقات الخارجية والسلام. وتحتاج الشعبية التي يحوز عليها إلى جهد كبير للإبقاء عليها، مع تصاعد التظاهرات التي يقوم بها أتباع البشير، الذين يطالبون باستقالته.
وتظهر شعبية حمدوك، التي كانت بدأت تتصاعد بعد رفضه عرضاً من البشير بتولي حقيبة وزارة المالية أواخر عهده، بالاستجابة الكبيرة للدعوة التي أطلقها أخيراً من أجل التبرع لصالح الفترة الانتقالية، التي تمتد 4 سنوات، تحت مسمى "القومة للسودان". وفي حين أن تعرضه لمحاولة اغتيال في مارس/آذار الماضي، زاد من شعبيته في نظر البعض، فإن تفاصيل الحادثة أثارت العديد من الشكوك حولها، وذهب معارضون إلى اعتبار أن ما حصل مجرد مسرحية حكومية لصرف أنظار الشعب عن تواصل أزمة عدم توفير الخبز والوقود وغاز الطبخ.

وقال الباحث في علم النفس السياسي عمار حسن، لـ"العربي الجديد"، إن "حمدوك الذي يمثل تطلعات الثوار في الحكم المدني الديمقراطي، تحول مع الأيام من أيقونة ثورية إلى الثورة ذاتها، ما يجعل من محاولات معارضته وانتقاده بمثابة الخيانة العظمى"، لكنه حذر، في المقابل، "من ميل السودانيين إلى المعارضة جراء سنوات من عدم استقرار الحكم، وسرعة مللهم من الحاكم متى أخفق في معالجة الأوضاع الاقتصادية والأمنية".
وعن علاقة حمدوك مع العسكر، اعتبر محمد حيدر، القيادي في اللجنة الاقتصادية في حزب البعث العربي الاشتراكي، أحد مكونات "قوى الحرية والتغيير"، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "برود حمدوك نجح في امتصاص كثير من الصدامات بين المدنيين والعسكر، وحال دون اتخاذ أصحاب القبعات لقرارات طائشة"، في إشارة مبطنة إلى إمكانية تحرك الجيش لحسم الخلافات داخل الحكومة.

ويلمح المتتبع للعلاقة بين المدنيين والعسكر بوضوح طغيان العسكر على ملفات من صميم عمل المدنيين، مثل السلام مع الحركات المسلحة، وحرب اليمن، فيما لا يزال الولاة من العسكر يتحكمون بزمام الأمور في ولايات مختلفة، في هزيمة واضحة لشعارات الحكم المدني. وقاد هذا الأمر إلى انتقاد حمدوك، والتشكيك بقدرته على حسم الملفات، مثل تشكيل البرلمان، خوفاً من عواقب هذا الأمر على البلاد. وقال المحلل السياسي أحمد زكريا، لـ"العربي الجديد"، إن حمدوك "ملزم بالتعاون مع العسكر لإنجاح الفترة الانتقالية، وفي المقابل فإنه يواجه غضب الثوار من المكون العسكري، المتهم بالتورط في مجزرة فض اعتصام القيادة العامة (في الخرطوم). وسيأتي اليوم الذي يضطر فيه للوقوف مع أحد المعسكرين"، مشيراً إلى إمكانية تنحي حمدوك عن السلطة تجنباً للحرج.


وكان حمدوك قام بتغطية خطوة التطبيع التي قام بها رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، عبر اجتماعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أوغندا، في فبراير/شباط الماضي، والتي أدت إلى فتح أجواء السودان أمام الطائرات الإسرائيلية. وكتب حمدوك وقتها، منشوراً على صفحته بموقع "فيسبوك"، تضمّن اعتراضاً على تجاوز البرهان "للمؤسسات الأخرى في السلطة الانتقالية"، من دون أن يبدي أي احتجاج على التطبيع مع الاحتلال. مع العلم أن البرهان أكد أن اللقاء مع نتنياهو تم بعلم حمدوك.

وعلى الرغم من أن حمدوك استطاع لعب أدوار لفك العزلة عن السودان، وشطب اسمه من لوائح الإرهاب، فإن الخبير في العلاقات الدولية راشد محمد علي الشيخ قال، لـ"العربي الجديد"، إن الجهد الذي يبذله حمدوك يعكس قصوراً في أداء وزارة الخارجية. كما أن مواقف السودان إزاء الدول العربية ما تزال محكومة بقرارات البشير، فقادته يصرون على احترام مبادئ سيادة الدول، والوقوف على مسافة واحدة من الأحلاف القائمة، لكنهم في الحقيقة منخرطون بفاعلية كبيرة في حرب اليمن، في ظل وجود اتهامات متكررة لقوات الدعم السريع بدعم اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر.

من أهم عوامل نجاح حمدوك في مهامه على رأس الفترة الانتقالية، قدرته على إيجاد توافقات مع ائتلاف "قوى الحرية والتغيير" الحاكم في البلاد. لكن هذا الأمر بدأ يتزعزع، وقد ظهر ذلك في الانتقادات الشديدة التي وجهها حزب الأمة القومي، برئاسة الصادق المهدي، والتي وصلت إلى مرحلة المطالبة بإجراء انتخابات مبكرة. كما أن إصرار وزير المالية إبراهيم البدوي على رفع الدعم عن السلع، وهو قرار يقال إن حمدوك موافق عليه، أدى إلى تضعضع التحالف الداعم له، إذ ترفض بعض مكوناته هذه السياسة، وتعتبرها امتداداً لسياسات البشير التي قادت إلى إفقار الشعب السوداني.

ويعاني السودانيون جراء انخفاض سعر العملة مقابل الدولار (أكثر من 140 جنيهاً مقابل دولار)، وعجز السلطات عن توفير المشتقات النفطية وطحين الخبز، وتآكل الرواتب جراء التضخم الهائل. ووجه محمد حيدر انتقادات إلى الطرفين، معتبراً أن "الحرية والتغيير تخلى عن لعب دور التحالف الحاكم، واكتفى بدور الحاضن السياسي، فيما استغل حمدوك هذا الأمر لرفض أو اتخاذ قرارات أحياناً دون موافقة التحالف الذي سمّاه رئيساً للوزراء".

وما زاد في شعبية حمدوك محاولته تفكيك إرث البشير، عبر إحداث تغييرات هيكلية في مؤسسات الحكم، وتعيين لجنة مستقلة ذات صلاحيات واسعة لتفكيك بقايا النظام السابق. لكن المحلل السياسي أحمد زكريا انتقد "لين تعامل الحكومة مع عناصر النظام السابق". وقال "وسائل الإعلام، التي تنخر في جسد الثورة، تعمل بحرية كبيرة، وتجار الأزمات يمسكون بالسوق، وتتزايد المسيرات المناوئة للحكومة، ولا نرى أي تحرك لإصلاح الأجهزة الأمنية". ولا شك أن فيروس كورونا يمثل نقطة مصيرية بالنسبة لمستقبل حمدوك. وقد يؤدي أي انتشار واسع للوباء إلى توجيه ضربة قوية لحمدوك وحكومته، خصوصاً بعد أن خرج وزير الصحة أكرم التوم ليعلن قدرة البلاد على "دحر الوباء، طالما استطاعت دحر البشير من قبل"، وهو ما يبدو مستحيلاً، لكون النظام الصحي في البلاد متهالكا للغاية.