استدعاء "الانتقالي" اليمني إلى السعودية: تمهيد لتعديل اتفاق الرياض

21 مايو 2020
احتفى أنصار "الانتقالي" بزيارة الزبيدي للرياض (صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -

يبدو أن الانقلاب الذي قاده "المجلس الانتقالي الجنوبي" في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، أواخر إبريل/ نيسان الماضي، واستعراض القوة بمحافظة أبين، قد أثمر في إجبار السعودية على تنفيذ مطالبه السياسية، إذ تتجه، بعد استدعائها وفداً من "الانتقالي"، وصل إلى الرياض مساء أول من أمس، إلى تعديل آلية تنفيذ اتفاق الرياض، وتلبية مطالب المجلس، وهو ما سيكون على حساب الشرعية اليمنية، التي تزعم السعودية أن عملياتها العسكرية، منذ نحو 5 سنوات، تهدف لترسيخ وجود الدولة اليمنية.

وعجزت السعودية عن إخضاع "المجلس الانتقالي"، المدعوم إماراتياً، طيلة الأسابيع الثلاثة الماضية. وخلافاً لدعوتين من التحالف العسكري الذي تقوده، ومجلس الوزراء السعودي، رفض الانفصاليون مطالبها الأخيرة بتمكين قوات خفر السواحل اليمنية من أداء مهامها، وأعلنوا أن على الرياض إجبار الرئيس عبدربه منصور هادي على تشكيل حكومة يشاركون فيها، ووقتها سينفذون كل ما تطلب. وبدأت مطالب الانفصاليين تجد طريقها إلى التنفيذ، بعد يومين من التصريحات التي أطلقها نائب رئيس "المجلس الانتقالي"، هاني بن بريك، من أبوظبي، وطالب فيها التحالف بالبدء بشكل جدي بتفعيل الشق السياسي من اتفاق الرياض، وتشكيل حكومة كفاءات يكونون شركاء فيها، دون الحديث عن الملف العسكري والأمني، الذي تتمسك الشرعية بالتسلسل الزمني فيه.

وفي وقت متأخر من مساء الثلاثاء، كانت طائرة إماراتية تقل الزعماء الانفصاليين في قيادة "الانتقالي" من أبوظبي، التي يقيمون فيها منذ أشهر بشكل إجباري، إلى الرياض، في دعوة قالوا إنها رسمية وبطلب من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وهذه هي الزيارة الثالثة التي يقوم بها الانفصاليون إلى الرياض منذ تشكيل المجلس، حيث كانت الزيارة الأولى في 29 مايو/ أيار 2017، فيما تمت الثانية في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي للتوقيع على اتفاق الرياض مع الحكومة الشرعية.

وفيما احتفى أنصار "الانتقالي" بالزيارة واعتبروها نصراً سياسياً كبيراً، وذلك بنشر صورة مدمجة لرئيس المجلس عيدروس الزُبيدي مع محمد بن سلمان، عنوَن الموقع الإلكتروني للمجلس خبر الوصول بـ"الرئيس الزُبيدي يصل إلى المملكة العربية السعودية"، من دون ذكر أي صفات أخرى بجانب الرئيس. وحاول الزُبيدي بالفعل، تقمص شخصية رئيس دولة مستقلة ومعترف بها في الأمم المتحدة. وعلى غرار ديباجة الأخبار التي تذيعها وكالات الأنباء الرسمية لأنشطة قادتها، ذكر بيان أنه "وفور وصوله إلى مطار الملك خالد الدولي، أدلى الرئيس عيدروس الزبيدي بتصريح صحافي جاء فيه أن الزيارة تأتي تأكيداً على متانة العلاقة الأخوية التي تربط شعبنا الجنوبي وقيادة وشعب المملكة العربية السعودية الشقيقة". ونقل البيان عن الزبيدي قوله "نجدد التزامنا بشراكتنا مع التحالف العربي بقيادة المملكة، لمواجهة المشاريع التخريبية التي تستهدف الأمن القومي العربي. ويحدونا الأمل في أن تتمخض عن هذه الزيارة النتائج المرجوة، خصوصاً ما يتعلق بمعالجة الملف الإنساني والسياسي".


وفيما تجاهلت وكالة الأنباء السعودية (واس) خبر الوصول، اعتبر القيادي في "المجلس الانتقالي" سالم ثابت العولقي، أن الزيارة مؤشر على "سقوط رهانات الشرعية الإخوانية على الحل العسكري، ومؤشر على خسائرها الميدانية والسياسية والأخلاقية". ولم تعد الإطاحة برئيس الحكومة معين عبد الملك هي الهدف الرئيس للانفصاليين، إذ قال العولقي إن "شرعية هادي في اليمن غطاء للإخوان، وإمكانية التصحيح ما زالت ممكنة، وعلى يد التحالف".

وبالإضافة إلى رئيس المجلس عيدروس الزُبيدي، يتألف وفد "الانتقالي"، الذي وصل إلى العاصمة السعودية، من ناصر الخُبجي، وهو كبير المفاوضين في المجلس والموقّع على اتفاق الرياض، وأعضاء هيئة الرئاسة عبد الرحمن شيخ وعلي الكثيري ومحمد الغيثي. وأكدت مصادر متطابقة أن السعودية اشترطت استثناء القيادي الانفصالي المثير للجدل هاني بن بريك من قوام الوفد، باعتباره من أكثر المؤججين للتوتر في جنوب اليمن، بالإضافة إلى حجم الإهانات التي وجهها للقوات السعودية أخيراً، عبر قوله إن "الطيران ليس باستطاعته تحرير محافظة يمنية واحدة".

وتأمل السعودية بوضع حد للتمرد الذي أعلنه "المجلس الانتقالي"، أواخر إبريل الماضي، وإلغاء ما تسمى بـ"الإدارة الذاتية"، التي قام الانفصاليون بموجبها بالاستيلاء على مؤسسات الدولة بالعاصمة المؤقتة عدن، ونهب أكثر من 17 مليار ريال يمني، وتنفيذ اتفاق الرياض المتعثر منذ 5 نوفمبر الماضي، بشكل فوري. وطبقاً لمصدر حكومي رفيع المستوى، تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن كافة المؤشرات الأولية تتجه نحو قيام السعودية بتعديل آلية تنفيذ اتفاق الرياض، بما يضمن تحقيق كافة مطالب "المجلس الانتقالي الجنوبي" بالدرجة الأولى. وقال المصدر إن "الاتفاق الرئيسي كان ينص على تسلسل زمني، يبدأ بالشق العسكري الخاص بالانسحابات وإعادة التموضع وتسليم الأسلحة الثقيلة، ثم الانتقال للشق السياسي وتعيين محافظ لعدن، وبعدها تشكيل حكومة. لكن سيتم إرضاء الانتقالي بتنفيذ الملف السياسي". وأضاف أن "الشرعية ستوافق على ذلك مُجبرة، وليس لديها أي خيار آخر، فجميع الأطراف، وخصوصاً السعودية، في مأزق، وتريد إنهاء الأمر على وجه السرعة".

ووفقاً لمصادر متطابقة، فمن المتوقع أن تستمر زيارة وفد "الانتقالي" إلى الرياض يومين، من أجل إنضاج تفاهمات جديدة، قبيل حلول عيد الفطر. وقالت المصادر، لـ"العربي الجديد"، إن "الأولوية ستكون لحسم هوية محافظ عدن الجديد، والذي نص الاتفاق على أن يكون شخصية توافقية، بحيث يطرح كل طرف عدة أسماء للتداول حولها". وكان تعيين محافظ جديد لعدن ومدير لشرطتها من المطالب الملحة لـ"المجلس الانتقالي"، لكن الشرعية تريثت فيه من أجل إنجاز الشق العسكري الذي فشل تنفيذه بشكل تام. وحسب المصادر، فإنه في حال حُسم الخلاف حول منصب محافظ عدن خلال اليومين المقبلين سيبدأ النقاش بشكل فوري حول تشكيل حكومة كفاءات بالمناصفة بين الشمال والجنوب، وتتألف من 24 حقيبة وزارية.

ولا يُعرف ماذا ستكون ردة فعل القوات الحكومية، خصوصاً ألوية الحماية الرئاسية، المرابطة في أبين، والتي كانت تنتظر، بناء على البنود العسكرية لاتفاق الرياض، الدخول إلى عدن لممارسة مهامها بحماية الحكومة، بالتوازي مع القوات التي ستوكل إليها حماية قادة "المجلس الانتقالي"، فيما تتوزع باقي الألوية على جبهات القتال بعيداً عن عدن. ويخشى عسكريون من رضوخ سعودي كامل للانفصاليين، ومن خلفهم الإمارات، بعدم تنفيذ بعض النقاط في الشق العسكري، خصوصاً ما يتعلق بتولي قوة أمنية متخصصة حماية المنافذ الجوية والبحرية في عدن، وهي مطار وميناء عدن وميناء الزيت، فضلاً عن المرافق السيادية، مثل البنوك ومقر مجلس الوزراء. وقال مصدر عسكري في "اللواء 39 مدرع"، المرابط بمحافظة أبين، لـ"العربي الجديد"، إن "قبول التحالف بابتزاز الانتقالي، والسكوت على كل ما فعله بحق مؤسسات الدولة، سيكون خيانة غير مسبوقة بحق الشرعية التي سلمت مصيرها للسعودية". وأضاف أن "تشكيل حكومة مشتركة دون تنفيذ ولو بعض النقاط في الشق العسكري، ليس سوى ترحيل للمعركة، وشرعنة لانقلابهم الحالي ونهب موارد الدولة باسم الحقائب التي ستؤول إليهم".

وكان مجلس الوزراء اليمني قد أعلن، خلال اجتماعه الإثنين الماضي، أن موقفه واضح في ما يتعلق بتنفيذ اتفاق الرياض "كمنظومة متكاملة"، مشدداً على ضرورة تراجع "الانتقالي" فوراً عن الخطوات الأحادية، وعما سماه "الإدارة الذاتية" والذهاب إلى التصعيد العسكري. وقد تشكل الضغوط السعودية انتكاسة جديدة للشرعية التي كانت تراهن على انصياع حلفاء الإمارات لضغوط المملكة والتراجع غير المشروط عن خطواتهم الانقلابية، لكن ذلك بات أمراً بعيد المنال، وفقاً لمراقبين.