استخراج الغاز الصخري بالجزائر..مخاوف من تكرار "اليربوع الأزرق"

15 يوليو 2014
فرنسيون يتظاهرون رفضاً لاستخراج الغاز الصخري ببلادهم(فرانس برس Getty)
+ الخط -

"عودة الاحتلال الفرنسي إلى الجزائر"هكذا بات سكان الجنوب الجزائري يفسرون السعي المحموم للشركات الفرنسية في بدء استخراج الغاز الصخري، بمساعدة سلطات بلادهم التي توصلت "العربي الجديد" إلى أنها قامت بتجارب سابقة قبل حصولها على الموافقات البرلمانية والقانونية اللازمة لبدء عمليات استخراج الغاز الصخري، الذي يلوث التربة والماء بـ750 عنصراً ومادة كيميائية سامة ومسببة للسرطان في منطقة تعاني من الآثار الصحية والبيئية للتجارب النووية الفرنسية المعروفة باليربوع الأزرق.
"العربي الجديد" تنقب في خبايا موضوع الغاز الصخري، وتعرض مختلف الآراء عن القضية في التحقيق التالي..

في مراكز صنع القرار في الجمهورية الجزائرية، يظهر بوضوح إصرار السلطة على مشروع استخراج الغاز الصخري رغم تنبيهات المختصين بخطورة الأمر بيئياً بسبب ضخ 750 عنصراص ساماً خلال عمليات التنقيب في التربة تتسبب جميعها في مرض السرطان، وهو ما أثار حفيظة الحركات الاحتجاجية الجزائرية التي انتقدت التصميم الحكومي على الأمر وتساءلت عن الدوافع من ورائه.

"الشركات الفرنسية هي المستفيد الأول من حق الامتياز في التنقيب عن الغاز الصخري، ببساطة ابحث عن الفرنسيين" يقول النائب في البرلمان الجزائري عن حركة مجتمع السلم ذات التوجه المحافظ، ناصر حمدادوش، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد".

وطبقاً لما قاله النائب حمدادوش -الرافض لاستخراج الغاز الصخري- فالنّفوذ الفرنسيّ في الجزائر واضح، والامتيازات الاستثنائيّة صارخة، والتدخّل في الشّأن السياسيّ جلي، ابتداءً من التكفّل بعلاج الرّئيس، وانفراد فرنسا بملفّه الصحيّ، وصولاً الى تدخّل "هولاند" الرئيس الفرنسي في وجه من طالبوا بتفعيل المادّة 88 من الدستور التي تنص على الدّعوة الى انتخابات رئاسيّة مسبقة في حال مرض الرئيس، وبالتالي فدعم الشركات الفرنسية مراكز صنع القرار المروجة لعدم خطورة استخراج الغاز الصخري طبيعي، ويعتمد على حملات دعائية تقلل من المخاطر المرتبطة بالموضوع الذي عدته دولٌ متقدمة كارثة بيئية، وعدلت عنه لتهديده بتدمير حياة السكان ونشر الأمراض بينهم.

"مسألة الحصول على العقود والمشاريع قديمة من وقت النّفوذ الفرنسيّ في الجزائر، أي منذ اتفاقيّات "إيفيان" وملحقاتها السريّة"، يعود حمدادوش متهماً السلطة بالهرولة نحو الغاز الصخري، قصد تقديمه عربون وفاء وثمناً للاستمرار في الحكم، ولو على حساب الشّعب والوطن والمستقبل وحقّ الأجيال المقبلة في بيئة غير ملوثة، مؤكدا أن تبريرات السلطة التي تتحدث عن قرب نفاذ النفط غير منطقية بتاتاً.

تكتل الرافضين لاستخراج الغاز الصخري، يشهد نمواً بين أعضاء البرلمان ممن يعملون على زيادة الوعي، وتفعيل قوة معارضة حقيقية، تدعم تصويت نواب حركة حمس والتكتل الأخضر ضد قرار الحكومة.

"حتى لو لم يساهم ذلك في منع المشروع، إلا أننا سنحرج السلطة وندفعها الى التراجع ومراجعة حساباتها" يقول حمدادوش.

وتأتي الجزائر في المركز الثالث عالميّاً في احتياطيات الغاز الصخري (الشيست) برصيد يبلغ 707 تريليونات قدم مكعب، فيما تسبقها الصين التي تقع في المركز الأول وتليها الأرجنتين، وكلا البلدين رفضا بدء عمليات الاستخراج لخطورة العمليات على البيئة والسكان والحيوان في مناطق وجود الغاز الصخري.

مفاجأة

أثناء بحثنا وراء قصة الغاز الصخري اكتشفنا أن السلطات الجزائرية، جهزت لمشروع الغاز الصخري في سرية تامة قبل عامين، نقبت عنه فعلياً في مناطق عدة في الجنوب، وقامت باستخراجه، "لكنها أغلقت الآبار مؤقتاً" يقول نذير بوخطة الناطق الرسمي باسم "حركة حماة الوطن" التي أنشئت بولاية ورقلة جنوب الجزائر لرفض استخراج الغاز الصخري لخطورته على صحة سكان الولاية.

"نمتلك معلومات تشير إلى أن الدولة، قامت منذ سنتين بعمليات استخراج سرية للغاز الصخري قبل الحصول على مصادقة البرلمان أو مجلس الوزراء في أماكن عدة في الجنوب، تم حفر الآبار وتشميعها بعد التأكد من وجوده فيها، ما يعتبر خرقاً للقوانين المعمول بها"، يقول بوخطة لـ"العربي الجديد" واصفاً الأمر بالكارثة على البيئة والإنسان.

ويشرح بوخطة خطورة عمليات الاستخراج على حياة السكان "أكثر من 750 مادة كيميائية سامة مسببة للسرطان، تستعمل مع الماء خلال عمليات التنقيب، وهو ما يهدد بتلويث أكبر خزان مائي للمياه الجوفية في العالم والذي يوجد في الجنوب الشرقي للبلاد ويعتمد عليه السكان في أمور الفلاحة والشرب".

بوخطة وزملاؤه في الحركة الاحتجاجية تظاهروا عشرات المرات لتوصيل صوتهم الى النظام، بعد أن سدت في وجوههم كل الأبواب، يقول بأسى"رفعنا عريضة توقيعات كحركة تطالب بحماية الوطن، أقمنا ندوات متخصصة نشطها خبراء ودكاترة، نشرنا فيديوهات وأشرطة وثائقية أعدها مختصون، توضح تجارب سابقة في مجال استخراج الغاز الصخري وانعكاسات ذلك على البيئة والماء والحيوان، لكن لا استجابة تذكر، لا نريد الكنز المسموم".

كلام الناشط السياسي من الجنوب يحيل إلى معرفة حالة قاطنيه، تجوّلنا في مدن وادي سوف الحدودية مع تونس، ورقلة وأدرار لتصوير الوضع، لاحظنا ترقباً وسخطاً في أوساط السكان، أيد موضوعة على قلوب تزيدها خفقاناً، تحذيرات أطلقها ناشطون ومختصون من مغبة الاستمرار في مشروع يراه حسين ملطي، نائب الرئيس المدير العام السابق لمجمع سوناطراك البترولي، "كارثة بيئية تقرب سيناريو ما حصل في رقان في الصحراء الجزائرية من تجارب نووية قامت بها فرنسا حد التطابق".

ويضيف ملطي في رسالة مطوّلة خطّها إلى رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة :سمحتم للتو باستغلال الغاز الصخري في جزائر تعنينا كلّنا، هل استشرتمونا نحن ـ المواطنين ـ قبل أن تتخذوا مثل هذا القرار الخطير؟ اعلم سيدي الرّئيس أنك إن استمرّيت في قرارك، فإن التاريخ سيسجّل حكمك بالموت على كل المناطق التي ستستغل فيها الشركات الفرنسية الغاز الصخري.

ويحدد خبير الجيولوجيا في المؤسسة الوطنية للتنقيب سمير هادف (إينافور)، مخاطر الحفر لاستخراج الغاز الصخري، بأنها تؤدي إلى تلويث المياه والإضرار بمخزون المياه الجوفية للجزائر، زيادة على تلويث سطح الأرض بالمياه المرتجعة، بحيث ينتج عن عملية التنقيب والاستخراج، مياه صناعية ملوثة بكيماويات مذابة، ما يجعلها غير قابلة لإعادة التدوير، كما أن الاستهلاك الواسع للمياه المستعملة واستنزافها، يشكل خطراً داهماً إذ أن حفر بئر واحدة يحتاج 11 مليون متر مكعب من المياه، ما يكفي 8000 مواطن خلال سنة كاملة، الأمر الذي يؤدي إلى إخلال  بالتوازن البيئي في مناطق الحفر، ويمهد لظهور نشاط زلزالي متزايد، نتيجة المساس بالصفائح الصخرية الكبرى التي يرتكز عليها سطح الأرض.

يربوع أزرق جديد

يشعر سكان الجنوب الجزائري بأن ممارسات الحقبة الاستعمارية عادت وتحديداً ما عرف وقتها بـ "اليربوع الأزرق"، إذ قامت فرنسا في عام 1960 بإجراء تجارب عدة لتفجير قنابل نووية في منطقة رقان أقصى جنوبي الجزائر، حيث تسببت آثار التفجيرات الإشعاعية في ولادة أطفال مشوهين وانتشار أمراض السرطان في المنطقة، التي تلوثت بأكملها بفعل الإشعاعات النووية، ويربط سكان تلك المناطق بين تجربة رقان وعودة الشركات الفرنسية الى الاستثمار في التنقيب عن الغاز الصخري. إذ يقول الهاشمي عبد الودود، مواطن من محافظة أدرار جنوب الجزائر - تضم منطقة رقان ضمن خريطتها الجغرافية - "فرنسا تحاول إحياء عمليات اليربوع الأزرق، للقضاء على ما تبقى من حياة في الصحراء ومن ثمة سلب ثرواتها".

وتتطابق دراسات أجراها مختصون مع ما قاله الهاشمي في خطورة الغاز الصخري لوجوده داخل الصخور، وانتشاره داخل الأحواض الرسوبية، مما يجعل استكشافه واستخراجه صعباً ومكلفاً، حيث تصل مسافة الحفر فيه من  4 : 5 كلم تحت الأرض، وتجمع بين الحفر أفقيا وتكسير تلك الصخور هيدروليكيا، بواسطة ضخِّ كمياتٍ ضخمة من الماء والرمل والمواد الكيمائية ( تصل إلى750 مادة سامة).

اللافت للنظر أن البرلمان الفرنسي رفض مشروعاً حكوميّاً بإجراء تجارب حول استخراج الغاز الصخري من الأراضي الفرنسية، مثلما رفض في السابق إجراء التجارب النووية على أراضي فرنسا، وفقاً لما قاله زعيم اليسار الفرنسي، جون لوك ميلونشون، الذي طالب الجزائريين بعدم السماح لباريس باستغلال غازهم الصخري، وتحدث في محاضرة ألقاها في المركز الثقافي الفرنسي في الجزائر العاصمة عن اتفاق بين البلدين يقضي بالسماح للشركات الفرنسية بإجراء بحوث وتجارب الاستكشاف داخل الأراضي الجزائرية، بعد رفض البرلمان الفرنسي مشروعاً للحكومة يقضي بإجراء التجارب في الأراضي الفرنسية.


الناطق باسم حركة حماة الوطن، نذير بوخطة، عاد وأكد لـ"العربي الجديد" أن مناقصة دولية أجريت من شركة سوناطراك الجزائرية لاستغلال الموارد البترولية في الجزائر والتي تسلمت 72 ملفاً لشركات أمريكية وفرنسية لها رغبة جادة في التنقيب عن الغاز الأحفوري بما أدى إلى اختيار أكثر من 11 بئراً لاستغلال الغاز الصخري كمرحلة أولى في العمل، على الرغم من عدم مصادقة البرلمان على المشروع بعد.

خبراء في مجال المحروقات، من جهتهم، أكدوا أن القرار متسرّع جدّاً، فلم تأخذ الحكومة في حسبانها المخاطر المنجرّة عنه، وقال رشيد محمد، أستاذ في معهد المحروقات بورقلة، إن التّصريحات الرسميّة على لسان الوزير الأولّ "عبد المالك سلال" ليست مطمئنة على الإطلاق" بعد  أن قال إن استغلال الغاز الصخري أمر لا مفر منه، بسبب أنّ الغاز التقليديّ زائل بعد 15 سنة كأقصى حد، وهو ما يخالف تصريحات، كان قد أطلقها في 2012، تشير إلى أن الثروة الباطنية في الجزائر لن تنضب قبل 50 سنة.

تطمينات السلطة

يتشبث الموقف الرسمي للنظام الجزائري في قضية الغاز الصخري بما يسميه "الأمن الطاقوي للجزائر" والذي يبقى مرتبطاً بتطوير صناعات الغازات غير التقليدية والطاقات المتجددة، حسب وزير الطاقة يوسف يوسفي، في مواجهة تعالي أصوات جمعيات وشخصيات داعية الى وقف استغلال الغاز الصخري في المناطق الجنوبية.

اليوسفي أوضح أن مخاطر استغلال الغاز التقليدي ليست أقل درجة في خطورتها من مخاطر استغلال الغاز غير التقليدي (الصخري) مستدلاً بالتجربة الأميركية في مجال استغلال الغاز الطبيعي، التي جعلت من الولايات المتحدة أكبر منتج للغاز في العالم، في الوقت الذي لم تتعرض فيه لأي مخاطر بيئية.
وكان الوزير الأول، عبد المالك سلال، دافع لدى عرض مخطط الحكومة أمام النواب الشهر المنصرم، عن قرار استغلال الشيست (الغاز الصخري)، بدعوى أن الإنتاج البترولي لن يستطيع تغطية الطلب الداخلي في 2030، وهو ما اعتبره محللون مدخلاً سلساً لفرض السلطة افكارها الرامية الى إقناع الشعب أنه "لا مفر من استغلاله على المدى الطويل".

وبرغم كل المخاوف المطروحة تسعى الحكومة الجزائرية إلى طمأنة شعبها عبر القول بأنها أعدت مخططاً محكماص، أساسه العمل على التحكم في التكنولوجيا وتكوين اليد العاملة المؤهلة، وجلب الخبرة من الخارج للتمكن من الاستخراج السليم للغاز الصخري، لاسيما وأنّ معدل حياة الآبار المخصصة لاستخراج الغاز وفق المختصين هو 5 سنوات فقط، مما يقلل من المخاطر بعد غلق الآبار المستعملة.