لم يترك نظام بشار الأسد من محرمات على البيع والاستثمار، عله يحصّل تمويلا لحربه على ثورة السوريين، ويبقى على قيد السلطة ويدفع أجور من أبقاهم في القطاع الحكومي ورشى من استمالهم، من سورية وخارجها، ليساهموا إلى جانب عصابته، بقتل وتهجير السوريين.
فما كان محرماً على القطاع الخاص استثماره أو المساهمة فيه قبل الثورة، فتحت حكومة الأسد أبواب قطاعاته على مصراعيّها، للسوريين وغير السوريين، مع مزيد من التسهيلات والمزايا، لربما يأتي رأسمال طامع بكعكة خراب سورية ويرفد الخزينة بثمن سلاح أو يموّل إطالة عمر النظام. ولعل في فتح باب الاستثمار في قطاعات المياه والنفط والكهرباء أدلة على الغاء الخطوط الحمراء، وما كان يتشدق به الممانعون قبل الثورة، من مال السوريين وحق الأجيال بثرواتهم الوطنية.
وترافقت الاغراءات مع كوميديا الاجتماعات وشائعات جذب الرساميل والمستثمرين، فما كاد يخلو أسبوع من اجتماع لهيئة الاستثمار أو إعلان وزارة عن تشميل مشاريع والوعود بأن الفرج آت.
وقرأنا أن هيئة الاستثمار السورية استقبلت عددا من الوفود الأجنبية تضم مستثمرين ورجال أعمال وأصحاب شركات الراغبين بالاستثمار في سورية من دول فنزويلا وبولندا ووفد مجلس الأعمال السوري الروسي وقدمت لهم شرحا عن الفرص الاستثمارية في سورية.
ولتكتمل مسرحية الوفود الأجنبية ورجال الأعمال والمستثمرين، قالت هيئة الاستثمار إنها شملت خلال عام 2014 نحو 58 مشروعاً بتكلفة استثمارية قدرها 50 مليار ليرة سورية، طاولت قطاعات الزراعة والصناعة والتعليم، وإن رأس المال المهاجر بدأ يعود إلى حضن الوطن وإن المناخ السوري يجذب المستثمرين، للحد الذي يضع أي اقتصادي في موقع الدهشة والسؤال، إن سلمنا أن رأس المال جبان فهل يعقل أن يكون غبياً ويدخل بالاستثمار في بلد أشعله قادته وأدخلوه في أتون حرب لن تهدأ أوارها لعقود.
بيد أن نتائج نهاية العام فضحت ادعاءات حكومة الأسد وأكدت أن تلك المشروعات والرساميل المساهمة في "بناء الوطن" كانت أماني وأحلاماً.. أو استثمارات على الورق، ليس إلا، إذ من أصل 58 مشروعاً ادعت هيئة الاستثمار السورية أنها شملتها وهي في طور التنفيذ والانتاج، لم ير النور منها سوى 4 مشاريع وفي قطاع الزراعة حصراً بكلفة لم تصل 175 مليون ليرة.
نهاية القول: لم يترك نظام الأسد من طريقة تدر عليه أموالاً إلا وجربها، فمن منح الإيرانيين مشروعات كهرباء وماء ومطاحن إلى فتح قطاع النفط والتنقيب أمام الروس، بل وصل الأمر لموافقة رئاسة الوزراء على قيام الشركات الحكومية "بالتشغيل للغير" ولكن دونما أي جدوى وعائد، وذهبت كل مسوّدات عقود بيع سورية أدراج الرياح، ما دفع الحكومة الممانعة للتلويح بورقة إعادة الإعمار، علها تأتي ببعض إكسير البقاء، ريثما تمر مسرحية "مؤتمر موسكو" وتطيل في عمر الأسد وإن إلى أجل.