في ظل تطورات سياسية وميدانية يبدو بعضها مفصلياً للمسألة السورية، شهد صباح أمس الاثنين، تطبيق أحد بنود اتفاقية "كفريا، الفوعة – الزبداني، مضايا"، التي كانت أبرمت في الرابع والعشرين من سبتمبر/أيلول.
اقرأ ايضاً: بدء تنفيذ إجلاء الجرحى وفق هدنة الزبداني والفوعة وكفريا
ويطرح توقيت إنجاز عملية إخلاء الجرحى بعدما تعثرت عدة مرات، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، إشارات استفهام عديدة، خصوصاً أن محيط العاصمة السورية دمشق، يشهد هذه الأيام تصعيداً للنظام وحلفائه على جبهات الغوطة، وفي مناطق أخرى كانت هادئة بهدنٍ واتفاقياتٍ طوال سنتين مضت.
وجرت، يوم الإثنين، عملية خروج مئات الجرحى والمدنيين من مناطق محاصرة، في ريفي دمشق وإدلب برعاية أممية، ضمن تسويةٍ توصل إليها مفاوضون من "حركة أحرار الشام الإسلامية" ومسؤولون إيرانيون، أنهت في سبتمبر/أيلول الماضي، استعصاء الوضع الميداني والإنساني في مدينة الزبداني التي تسيطر عليها المعارضة السورية، وبلدتي كفريا والفوعة المواليتين للنظام السوري.
وأفادت مصادر محلية في الزبداني ومضايا، لـ"العربي الجديد"، أن "سيارات الهلال الأحمر وسيارات الأمم المتحدة وممثلاً عن مكتب المبعوث الأممي الخاص في سورية، وصلوا إلى البلدتين، صباح الاثنين، وتم تنظيم بطاقات خاصة بالجرحى، ووضعهم في سيارات إسعاف، على أن يتوجهوا إلى مطار بيروت، بإشراف الأمم المتحدة".
وتوقعت المصادر نفسها "إدخال كمية من المساعدات الإنسانية، الأربعاء المقبل، (غداً)، على أن يتم استكمال بنود اتفاقية الهدنة، عبر تسوية أوضاع المقاتلين القابلين بالاتفاق، وإجلاء الرافضين له إلى مدينة إدلب مع عائلاتهم، والذين يقدر عددهم في مضايا بـ400 شخص، إضافة إلى عدد من المقاتلين الموجودين في مدينة الزبداني، خصوصاً المنتمين إلى حركة "أحرار الشام"، بينهم منشقون وعائلات مدنية، ومنهم من رفض النظام بقاءهم أو إجراء أي مصالحة معهم".
من جهته، أكّد عامر برهان وهو عضو "المجلس المحلي في الزبداني" يتواجد في المدينة، أنه "تم إجلاء 123 جريحاً مدنياً من مدينة الزبداني، موزّعة على ثماني سيارات إسعاف للحالات الحرجة، وأربع حافلات محملة بباقي الجرحى والنساء والأطفال"، إذ غادروا نحو الأراضي اللبنانية، ومن هناك سيتم نقلهم لتركيا، على أن يتم علاجهم ويخيروا بين البقاء فيها أو المغادرة إلى الشمال السوري.
من جهة ثانية، أكدت مصادر مطلعة في المعارضة لـ"العربي الجديد"، أنه و"بالتزامن مع خروج الجرحى من الزبداني، خرج موكبٌ من الفوعة إلى معبر باب الهوى الحدودي، مؤلف من 9 حافلات و8 سيارات إسعاف، ومن تركيا سيتم نقلهم جواً إلى دمشق واللاذقية".
النظام يصعد بمعضمية الشام
وفيما لم يعرف سبب تأخير هذه الاتفاقية، على مدار أكثر من عشرة أسابيع مضت، جاء التنفيذ بالتزامن مع تصعيد لافت، فتح أبوابه النظام السوري في ريف دمشق الجنوبي الغربي، وتحديداً في مدينة معضمية الشام التي تسيطر عليها المعارضة، والتي كانت أبرمت اتفاق هدنة مع النظام في نهاية ديسمبر/كانون الأول عام 2013.
وفتحت قوات النظام منذ نحو أسبوع، تلك الجبهة التي بقيت شبه هادئة تماماً خلال السنتين الماضيتين، وحشدت تعزيزات عسكرية على تخوم المعضمية الجنوبية، التي تتعرّض منذ أيام للقصف، قبل أن يهدّد النظام الفصائل المتواجدة فيها بهجومٍ واسع هناك، خلال الساعات المقبلة إن لم يذعنوا لشروطٍ جديدة فرضها.
وأكّد الناشط في "مركز المعضمية الإعلامي" محمد نور لـ"العربي الجديد"، أنّ "النظام أغلق، قبل يومين، المعبر الوحيد للمدينة، ومنع دخول وخروج أي شخص حتى الحالات الإنسانية، ثم تبعها قدوم وفد من ضباط القصر الجمهوري والتقوا بلجنة المفاوضات عن المدينة، واستمر اللقاء لأكثر من أربع ساعات، وهدّد النظام المدينة التي تضم نحو 45000 نسمة، بالاقتحام أو أن ترمي الفصائل المتواجدة فيها السلاح".
وتضم معضمية الشام ثلاثة فصائل رئيسية، هي ألوية الفجر وسيف الشام، والفتح التابع لـ" الاتحاد الاسلامي لأجناد الشام"، وجميعهم التزموا بالهدنة بعد مرور أربعة وعشرين شهراً على إبرامها.
وأضاف الناشط أن "الأهالي طلبوا من لجنة المفاوضات التي تمثلهم عدم الخروج مجدداً للقاء وفد النظام قبل أن يتم فتح الطريق والسماح للمدنيين وللحالات الإنسانية بالخروج والعودة وعدم التعرض والإساءة للمدنيين على الحواجز المنتشرة"، في ظل حالة ترقب تشهدها البلدة التي تبعد عن ساحة الأمويين وسط العاصمة دمشق أقل من خمسة كيلو مترات.
ويأتي تصعيد النظام، بحسب مصادر في المعارضة السورية، كمحاولة لعزل المعضمية عن جارتها داريا، ولإنهاء حالة الهدنة التي كان فرضها بعدما حاصر المدينة أشهراً، واستفاد حينها بشكل كبير من تحييد المعضمية، في وقتٍ كان منشغلاً بعدة جبهات على تخوم دمشق، في حين يعود اليوم ليفتح الجبهة، ضمن سلسلة تحركاته الجديدة بمحيط دمشق.
اتفاقية النظام و"داعش"
من جهة ثانية، تشهد أطراف دمشق هذه الأيام، بالإضافة للتحركات المتسارعة في الزبداني ومضعمية الشام، تطوراً لافتاً، كثر الحديث عنه، أخيراً، يتمثل في اتفاقية مُبهمة بين النظام و"داعش"، يخرج بمقتضاها المئات من مسلحي التنظيم من مناطق تواجدهم جنوبي دمشق، إلى مناطق البادية والرقة.
وكانت مصادر محلية أكدت لـ"العربي الجديد" أن "الاتفاقية تأخر تنفيذها ولم تتوقف"، مضيفة أن "التأخير يعود لأسباب عدم اكتمال التحضيرات اللوجستية، إذ يحاول التنظيم الخروج عبر دفعات متلاحقة في يوم واحد، تبدأ بخروج الجرحى والعائلات، ثم المسلحين"، وأن "تحضيرات الانسحاب لا تزال مستمرة، بحيث يقوم عناصر التنظيم ببيع السيارات القديمة والدراجات النارية ومولدات الكهرباء والمدخرات الكهربائية والمواد الغذائية تحضيراً لخروجهم".
يضاف إلى كل هذه التطورات، التسوية التي أبرمها النظام مع مقاتلي المعارضة في قدسيا، إذ خرج العشرات منهم إلى إدلب شمالي البلاد، كما أن الأحداث المتسارعة هذه، تأتي بالتزامن مع هجوم النظام الشرس على منطقة المرج في الغوطة الشرقية، في ظل تكثيفه مع الطيران الروسي، قصف الأحياء السكنية في الغوطة الشرقية لدمشق.
واللافت في كل هذه المُجريات الميدانية بمحيط دمشق تحديداً، أنها تأتي في فترةٍ تكثف فيها الأطراف الدولية والإقليمية اجتماعاتها وتحركاتها، تمهيداً لبدء المفاوضات بين النظام والمعارضة التي أقرت بقرار مجلس الأمن 2254، الذي تحفظ عليه "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" وأطرافٌ أخرى بالمعارضة.
كما أن اغتيال قائد "جيش الإسلام" زهران علوش، يوم الجمعة الماضي، بعدما شارك فصيله (الأقوى عسكرياً بمحيط دمشق) في مؤتمر الرياض، الذي رشح عنه تشكيل الهيئة العليا للتفاوض، جاء كمؤشر حاسم حول نوايا النظام ومن خلفه روسيا، للدخول في مباحثات الحل السياسي.
اقرأ أيضاً: اغتيال علوش: محاولة روسية لتقوية النظام و"داعش" ونسف المفاوضات