أثار رفع البنك المركزي التونسي سعر الفائدة الرئيسية مجددا، استياء البرلمان واتحاد الشغل (اتحاد العمال) في البلاد، باعتبار أن هذه الزيادة ستتسبب في التهام أي زيادات في الأجور، خاصة أن نسبة كبيرة من الأسر التونسية مدينة للبنوك.
ورفع البنك المركزي سعر الفائدة بواقع 1% لتصل إلى 7.75%، لمواجهة التضخم المرتفع، فيما تشير البيانات الرسمية إلى أن المركزي رفع الفائدة بما يقارب الضعف خلال 9 سنوات، حيث كانت 4% في يناير/كانون الثاني 2011.
وخلال تلك السنوات، أصدر المركزي التونسي 9 قرارات بزيادة سعر الفائدة، مقابل قرارين فقط بخفضها. وقبل الزيادة الأخيرة، رفع المركزي سعر الفائدة الرئيسية في مناسبتين خلال العام الماضي، الأولى يوم 5 مارس/آذار 2018 لتصل إلى 5.75%، والثانية يوم 5 يونيو/حزيران 2018 إلى 6.75%.
وخلّف قرار زيادة أسعار الفائدة الأخير، انتقادات واسعة، باعتبار أن ذلك يزيد من مصاعب البلاد الاقتصادية وينهك التونسيين.
عجّل البرلمان بدعوة محافظ البنك المركزي مروان العباسي، من أجل مساءلته حول السياسة النقدية التي يعتمدها منذ توليه هذا المنصب قبل نحو عام. وقال مكتب البرلمان، قبل ثلاثة أيام، إن مجلس نواب الشعب سيطلب من العباسي توضيحات حول جدوى زيادة الفائدة وخطته للحد من انزلاق العملة المحلية، الدينار.
كما اعتبر الاتحاد العام التونسي للشغل أن زيادة الفائدة ستبدد ما حصل عليه العمال من زيادات في الأجور، داعيا إلى قرار عاجل بوقف تداعيات هذه الزيادة على القروض المصرفية.
وقال الأمين العام لاتحاد الشغل، نور الدين الطبوبي، إنه طلب رسمياً من الحكومة ومن العباسي بحث إمكان اتخاذ إجراء يستثني قروض السكن والبناء من تداعيات هذا القرار، مضيفاً أن "الزيادة التي حصل عليها العمال في القطاعين الخاص والحكومي، بعد عناء طويل، ستتبخر بفعل زيادة قيمة أقساط القروض، حيث إن 60% من الأسر التونسية تدفع شهرياً شرائح قروض مصرفية".
في السياق، اعتبر الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (منظمة رجال الأعمال) أن قرار البنك المركزي ''ستكون له انعكاسات سلبية جداً على الاستثمار، وسيزيد من ارتفاع كلفة التمويل بالنسبة للمؤسسات، باعتبار أنه سيؤدي إلى زيادة بنحو 15% في كلفة القروض، تضاف إلى الزيادات المتتالية السابقة''.
وقال حمادي الكعلي، عضو الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، لـ"العربي الجديد"، إن زيادة سعر الفائدة تفاقم الصعوبات المالية التي تواجهها المؤسسات الاقتصادية، وتزيد صعوبة الحصول على القروض، وعدم إقامة استثمارات جديدة.
وأضاف الكعلي أن المؤسسات الاقتصادية لم تعد قادرة، بفعل الزيادات المتواترة في سعر الفائدة، على الإيفاء بالتزاماتها إزاء المؤسسات المصرفية والمالية.
وكان الاتحاد قد ذكر في بيان، يوم الأربعاء الماضي، أن زيادة سعر الفائدة لا يمثل حلا للمشاكل التي يواجهها الاقتصاد الوطني، وهو بمثابة مواصلة الهروب إلى الأمام، بدلا من البحث عن حلول جدية لهذه المشاكل، ومنها بالخصوص العمل على وقف انهيار قيمة الدينار والتحكم في نسبة التضخم، التي تضررت منها المؤسسة الاقتصادية، فضلا عن وجوب التصدي لتفشّي التجارة الموازية والتهريب.
ورفضت منظمة رجال الأعمال "القرارات الأحادية التي لا تراعي أوضاع المؤسسات الاقتصادية"، مشيرة إلى أن هناك مخاطر ستنجم عن ذلك على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى الاستقرار، وإلى تعزيز القدرات التنافسية للمؤسسات الاقتصادية، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بدفع الاستثمار، وتشجيع إنشاء المشاريع وخلق فرص العمل.
لكن محافظ البنك المركزي دافع عن قرار زيادة سعر الفائدة، مشيراً إلى أن الزيادات المتواترة في سعر القائدة ساهمت في كبح التضخم خلال يناير/كانون الثاني، ليتراجع إلى حدود 7.1%، بعد أن بلغ 7.3% بنهاية 2018، وتوقع أن ينحصر التضخم في حدود 6.8% العام الحالي.
أما الخبير المالي محسن حسن، فقال إن رفع الفائدة سيزيد من إنهاك الأفراد والمؤسسات، بسبب الزيادة التي سيتحملها الحاصلون على قروض بنكية. وانتقد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، السياسة النقدية، معتبراً وصفة معالجة نسب التضخم المرتفعة بالزيادة في الفائدة المديرية خاطئة. وأكد أن أسباب التضخم في تونس ليست نقدية، بل متأتية أساسا من التضخم المستورد، داعياً إلى ضرورة تحجيم الواردات للعودة بالتضخم إلى نسب معقولة.
ويتذمر التونسيون من ارتفاع غير مسبوق في أقساط القروض، ما يضع المقترضين في دائرة الصعوبات المالية، رغم أن القانون لا يجيز اقتراض مبلغ يزيد على 40% من الدخل.
وبات الاقتراض تقليداً راسخاً لدى الأسر التونسية، إذ كشفت بيانات رسمية حديثة عن ارتفاع نسبة الاستدانة لدى الأسر بنسبة 117% منذ عام 2010 وحتى منتصف العام الماضي 2018، وأصبح ربع العائلات يدفع أقساطاً شهرية للمصارف.
وبحسب دراسة للمعهد الوطني للاستهلاك الحكومي نُشرت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فإن 36.5% من التونسيين لديهم فرد على الأقل في العائلة بصدد سداد قرض بنكي، و10.3% لديهم فردان في حالة سداد، فيما يلجأ 19.6% منهم بصفة مستمرة إلى قضاء حاجاتهم عبر الاقتراض، وهم في حالة سداد دائمة للديون.
وسجّل إجمالي القروض التي حصلت عليها الأسر، من ديسمبر/كانون الأول 2010، إلى يونيو/حزيران 2018، زيادة بـ117%، لتبلغ 23.1 مليار دينار (8.5 مليارات دولار).
وأصبحت البنوك تتشدد في منح القروض الاستهلاكية للمواطنين، خوفاً من تزايد حالات التعثر، في ظل تراجع مستويات المعيشة في الدولة، ما أدى إلى انتشار ظاهرة "شبكات إقراض موازية في الدولة"، تمنح المواطنين قروضا بفائدة غير مسبوقة، وتصل في بعض الحالات إلى 50%، وهو ما كشف عنه تحقيق لـ"العربي الجديد"، في وقت سابق من فبراير/شباط الجاري.
وتتبع شبكات الإقراض الموازي طرقاً للتحايل على القانون، إذ تقدم الأموال بشكل مباشر للمقترضين، بينما يجري تدوين الديون تحت بند مشتريات أجهزة منزلية وكهربائية بالتقسيط، فيما أصبح تمدد هذه الأعمال ينذر بتعرّض القطاع المصرفي لمخاطر مرتفعة، في ظل عزوف المواطنين، مع مرور الوقت، عن التعاملات المصرفية واستبدال البنوك بمنشآت موازية.