أدت الحرب في اليمن إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود إلى مستويات قياسية تفاقمت معها معاناة اليمنيين، وسجلت معدلات البطالة الفقر أعلى نسبها على الإطلاق، في ظل عدم تمكن أغلب المواطنين من ممارسة أعمالهم تحت سماء العنف الدائر بين جماعة أنصار الله (الحوثيين) وقوات المقاومة الشعبية المدعومة من تحالف دولي تقوده الرياض.
وذكر تقرير خاص لـ"العربي الجديد"، صادر عن دائرة التوقعات الاقتصادية بوزارة التخطيط
اليمنية، أن هناك ارتفاعاً في أسعار السلع الأساسية للمستهلك اليمني بنسب متفاوتة في أبريل ومايو 2015 وسط اختفاء شبه كامل لمادتي القمح والدقيق من الأسواق.
وارتفعت أسعار القمح والدقيق، بنسب متفاوتة بين المحافظات تراوحت بين 90% و250%.
وانتقل سعر جوال القمح (50 كغم) من متوسط 5300 ريال يمني (24.6 دولاراً) في عموم اليمن خلال عام 2014، إلى حدود 13 ألف ريال في تعز خلال الشهرين الماضيين، بزيادة تقترب من ضعفين ونصف، و8 آلاف ريال في صنعاء، 10 آلاف ريال في عدن، و12 ألف ريال في محافظة الحديدة.
وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن المواطن اليمني يستهلك 300 غرام من الخبز يومياً؛ لأنه المصدر الرئيسي للغذاء في البلاد، وتعتمد صناعة الخبز بأنواعه المختلفة في اليمن على استيراد القمح، الذي تضاعف خلال السنوات الأخيرة، ويشكل دقيق القمح المدخل الرئيس لصناعة الخبز في اليمن، وتستورد البلاد 94% من احتياجات صناعة الخبز. ويستهلك اليمنيون سنوياً ما يقارب 3 ملايين طن من القمح.
وارتفع سعر الدقيق في المتوسط بحوالي 60% في 5 محافظات (صنعاء، عدن، صعدة، حجة، عمران) في الأسبوع الأول من مايو/أيار، وبمعدل بلغ 517% في النصف الأول من العام، بينما ارتفع سعر ليتر الديزل بحدود 461% في المتوسط، وذلك في محافظات صنعاء وعدن وتعز التي تشتعل بالأحداث.
ويواجه المواطنون اليمنيون مشكلة كبيرة فيما يتعلق بطحن الحبوب وتحويلها إلى دقيق، بسبب إغلاق أغلب مطاحن الحبوب، في ظل انعدام الوقود والطاقة الكهربائية المولدة لأجهزة الطحن، فضلاً عن ارتفاع قيمة الطحن أكثر من 500% في صنعاء.
ويقول التقرير: "منذ مارس/آذار 2015، شهد الاقتصاد اليمني أزمة حادة في الوقود والغذاء، بدأت باختفاء البنزين والديزل والمواد الغذائية، وفي مقدمتها الدقيق بصورة مفاجئة من الأسواق المحلية، وارتفعت أسعار هذه السلع (في حال توفرها) بصورة قياسية، حيث زاد سعر البنزين سعة (20 ليتراً) من 3000 ريال (15 دولاراً) إلى 30 ألف ريال في تعز وعدن (150 دولاراً)، وفي صنعاء سجل 40 ألف ريال (200 دولار)".
وللحد من أزمة الوقود، اتجه السكان نحو تحويل المولدات والسيارات للعمل بالغاز المنزلي بدلاً عن البنزين، ما أدى إلى زيادة الطلب على غاز الطهي ومن ثم شح في الأسواق المحلية.
وارتفع سعر أسطوانة الغاز إلى 8 آلاف ريال (40 دولاراً) في النصف الأول من العام الجاري، مقارنة مع 1500 ريال (15 دولاراً) في نهاية العام الماضي 2015.
اقرأ أيضاً: قطاع التأمين في اليمن على حافة الإفلاس
وارتفعت أسعار المواصلات والنقل بين المحافظات إلى أكثر من 300%، وداخل المحافظات
100%، مع ندرة حركة وسائل المواصلات بسبب انعدام المشتقات النفطية.
ويتفاوت مستوى الزيادة في أسعار السلع والخدمات من منطقة إلى أخرى، حيث ارتفعت الأسعار بنسب أعلى في المناطق الريفية البعيدة التي يتركز فيها 84% من الفقراء، وكذلك في المناطق الأكثر تأثراً بالضربات الجوية والمواجهات المسلحة (عدن، تعز، صعدة، لحج، الضالع وصنعاء).
ويشير التقرير إلى أن الصراع أدى إلى تدهور الوضع المعيشي لشريحة واسعة في المجتمع واجهت صعوبة في توفير احتياجاتها من المواد الغذائية الضرورية.
ويقول محللون اقتصاديون إن أسعار المواد الغذائية في اليمن قبيل وخلال شهر رمضان المقبل، قد تسجل موجة جديدة من الارتفاعات نتيجة شح المواد. وتوقع الخبير الاقتصادي عبدالمجيد البطلي، ارتفاع الأسعار بصورة قياسية إلى عشرة أضعافها نتيجة زيادة الإقبال على شراء المواد الاستهلاكية.
وقال البطلي لـ"العربي الجديد": "أتوقع ارتفاع الأسعار لعشرة أضعاف ما هي عليه، وأتوقع أيضاً استمرار حالة النمو السالب عام 2015، وتدهور دخل الفرد بسبب الحرب الطاحنة وما نجم عنها من تدمير للبنى التحتي".
وقال خبراء يمنيون في قطاع التأمين لـ"العربي الجديد": "إن ارتفاع أجور الشحن على السفن من الطبيعي أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار كل السلع المستوردة ومنها المواد الغذائية".
ويشير تقرير حديث صادر عن مركز بحوث التنمية الاقتصادية في اليمن إلى أن هناك انعداماً كاملاً للمشتقات النفطية من السوق وإغلاق جميع محطات بيع الوقود، وإن وجدت فهي تباع بأسعار عالية جداً من خلال السوق السوداء، لتصل نسبة الزيادة إلى أكثر من 600% للبنزين والديزل. بينما بلغت نسبة الزيادة السعرية للسجائر 67% والذرة الصفراء 80% والسكر 6% والأرز (تايلاندي) 23% والسمن 12% وزيت الطعام 8%.
وارتفعت أسعار الألبان ومشتقاتها بنسب مختلفة، فزادت أسعار الجبن بنسبة 40%، والحليب 7%، بينما لم تسجل أسعار اللحوم الحمراء أي زيادة، باستثناء اللحم البقري 7%، وارتفعت أسعار الدواجن بمعدل 25%، والأسماك 42%. وارتفعت أسعار المياه 400%.
وذكرت منظمة أوكسفام، مؤخراً، أن التصعيد الحالي في وتيرة العنف يزيد الضغط على حياة أكثر من 16 مليون يمني يحتاجون بالفعل إلى المساعدات، إذ بات وصول المساعدات الإنسانية
إلى المحتاجين صعبا جدا بسبب الصراع.
وقال ممثل برنامج الغذاء العالمي في اليمن، محمد الكوهين، إن الأشهر الثلاثة الماضية شهدت انحدار عدد جديد من اليمنيين، يقدر بحوالي 6% من الشعب، إلى ما دون خط الفقر جراء الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية.
وأضاف في تصريحات لـ"العربي الجديد" أنه "من الصعب إعطاء أرقام دقيقة، ولكن الأوضاع حتماً أسوأ مما كانت عليه قبل ثلاثة أشهر، وذلك يرجع إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وخصوصاً في المناطق الريفية".
وأكد أن اليمن يعتبر أكثر تأثراً بالارتفاع الذي تشهده أسعار الغذاء على المستوى العالمي. وأفاد الكوهين بأن الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية أعاد اليمن سبع سنوات إلى الوراء تنموياً.
وقال الكوهين إن ارتفاع أسعار المواد الغذائية أثر بشكل سلبي وكبير على مستويات سوء التغذية التي يعاني منها 40 % من سكان البلاد.
اقرأ أيضاً:
الحرب تكبّد اليمن الفقير 10 مليارات دولار
اليمن: الحوثيون يحاصرون عدن اقتصادياً
الحرب تغلق مخابز اليمن.. تفاقم الجوع