يتزايد الارتباك داخل شركة أرامكو النفطية السعودية، بسبب تصاعد القلق من عدم القدرة على الوفاء بتعاقداتها مع زبائنها، في الوقت الذي تتوالى فيه التقارير الدولية، التي تشير إلى إبلاغ أرامكو عملاءها بتغييرات في تصدير الخام، وكذلك لجوئها إلى استيراد بعض المشتقات النفطية من أوروبا من أجل الوفاء بتعاقداتها مع المصافي الآسيوية في إجراء غير مسبوق.
وأبلغت أرامكو أكبر مصفاة نفطية في اليابان عن تغيير محتمل في شحناتها من النفط الخفيف إلى الخام الثقيل والمتوسط، مما يثير مخاوف بشأن قدرة الشركة على توريد النفط الخام بعد أسبوع من الهجمات التي تعرض لها معملان رئيسيان لمعالجة النفط.
ونقلت صحيفة "نيكي ايشن ريفيو" اليابانية عن مسؤولي شركة "جيه.إكس.تي.جي" قولهم إن أرامكو لم تحدد سبباً للتغيير في درجة النفط الذي تورده ابتداء من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
وقالت عدة مصادر مطلعة، في وقت سابق، إن حالات التأخير في تحميل النفط الخام السعودي منتشرة على نطاق واسع، إذ تلقى معظم المشترين طلباً من أرامكو لإرجاء شحنات من المقرر تسليمها في أكتوبر/ تشرين الأول بما يتراوح بين 7 إلى 10 أيام.
ونقلت وكالة رويترز، الأحد، عن مصادر وبيانات من شركتي "ريفينتف" و"كبلر" المتخصصتين في تتبع ناقلات النفط، أن ما لا يقل عن ثلاث ناقلات نفط عملاقة حملت نفطاً خاماً في السعودية لحساب الصين والهند، وتم تحويل درجة نفطها الخام من الخفيف إلى الثقيل، في الوقت الذي طُلب فيه من عدد أكبر من المشترين في آسيا تأجيل الشحنات، وتغيير درجة النفط في سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول.
وفي الأسبوع الماضي، عرضت أرامكو على مؤسسة النفط الهندية الخام الثقيل بدلاً من الخام العربي الخفيف، فيما أعلن وزير النفط الهندي دارمندرا برادان، في وقت متزامن مع العرض، أن الهند تدرس زيادة واردات النفط من روسيا، مشيراً وفقاً لما نقلته وكالة "إيه.إن.آي" شريك وكالة رويترز على تويتر، إلى أن أربع شركات هندية أيضاً تخطط لزيادة الاستثمار في حقول نفط روسية.
وفي حين تملك معظم الدول مخزوناً وفيراً يسمح بتلبية المتطلبات الفورية، فإن الشركات تضع بالفعل خطط الشحنات لأسابيع وأشهر مقبلة من أجل تعويض نقص في الخام الخفيف والمنتجات المكررة، حسبما قال متعاملون في السوق.
وتسببت الهجمات التي وقعت في 14 سبتمبر/ أيلول الجاري على منشأتي بقيق وخريص، وهما من أكبر معامل معالجة النفط في المملكة، في اشتعال حرائق كبيرة ووقوع أضرار جسيمة، مما أدى إلى توقف نصف إنتاج أكبر مصدر للنفط في العالم بما يعادل 5.7 ملايين برميل يومياً تمثل نحو 6 في المائة من إجمالي صادرات النفط عالمياً.
وكشفت الهجمات عن محدودية قدرة الإدارة السعودية في تدبير احتياجات الأسواق، الأمر الذي وضع علامات استفهام كبيرة حول الرقم الحقيقي للمخزون النفطي، حيث كشفت بيانات دولية عن رقم لا يتجاوز 39 في المائة من الذي أعلنته المملكة أخيراً.
وأظهرت بيانات تتبع السفن خلال الأيام الماضية أن ناقلات نفط عملاقة تتكدس في الموانئ السعودية انتظاراً لتحميل الخام، الأمر الذي يعكس أزمة حقيقية.
ووفق بيانات أوردتها شركة "أورسا سبيس سيستمز" لبيانات الأقمار الصناعية والتحليلات، الثلاثاء الماضي، فإن مخزون النفط الخام في السعودية الذي جرى رصده أوائل سبتمبر/ أيلول الجاري بلغ 73.1 مليون برميل موزعة بين ثلاثة مواقع تخزين رئيسية، في حين أعلنت السعودية أخيراً أن مخزونها يبلغ 188 مليون برميل.
ولم تقتصر تداعيات الهجمات على منشآت أرامكو، على تغيير نوع الخام الذي تصدره المملكة إلى عملائها والذي يتسبب في ارتفاع التكاليف التي تتحملها المصافي، وإنما اضطرت الشركة السعودية إلى اتخاذ تدابير نادرة، من خلال حجز ما لا يقل عن 120 ألف طن من النافتا للتحميل من أوروبا في سبتمبر/ أيلول، وفق ما نقلت رويترز عن مصادر يوم الجمعة الماضي.
وقامت أرامكو بهذه الخطوة مع سعيها لسد فجوة في الإمدادات عقب الهجمات التي تتعرض لها، لتتحول إلى ما يشبه الوسيط بعد أن كانت أكبر مصدر للنفط في العالم.
ويأتي هذا الإجراء إلى جانب مجموعة تدابير كشفتها صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية قبل أيام، موضحة أن الشركة طلبت من العراق ومصادر أُخرى عشرات ملايين براميل النفط، قبل أن ينفي الجانب العراقي هذا الطلب، رغم تأكيد مصادر طلبات من هذا النوع. وكانت شركة "إنرجي أسبكتس" للاستشارات، التي تتخذ من سنغافورة مقراً لها، قد ذكرت في مذكرة لها، يوم الأحد الماضي، أن من المرجح أن تشتري أرامكو، كميات كبيرة من البنزين والديزل، وربما زيت الوقود، وتخفض صادراتها من غاز البترول المسال.
ورغم الاضطرابات التي تسيطر على تصدير النفط، قال أمين الناصر رئيس أرامكو في رسالة لموظفي الشركة، يوم السبت الماضي، إن الشركة باتت بعد الهجمات على معاملها في بقيق وخريص "أقوى من ذي قبل".
وتوقع الناصر عودة الإنتاج إلى مستوياته السابقة بنهاية سبتمبر/ أيلول الجاري، لكن مصادر مطلعة توقعت أن يستغرق الأمر أسابيع وربما أشهراً لعودة الإنتاج بالكامل.
وأضاف: "لم تتخلف المملكة ممثلة في أرامكو عن الوفاء بأي التزام عليها لأي عميل من عملائها الدوليين"، مشيرا إلى أن الشركة ستستمر في الوفاء بمهمتها بتوفير الطاقة التي تحتاجها الأسواق العالمية.
كما قال وزير الطاقة الأمير عبد العزيز بن سلمان، يوم الثلاثاء الماضي، إن السعودية استعانت بمخزوناتها للحفاظ على تدفق الإمدادات لعملائها داخل وخارج المملكة.
وقالت يكاتيرينا غروشيفينكو، الخبيرة في مركز الطاقة التابع لمدرسة "سكولكوفو" لإدارة الأعمال في موسكو، في تصريح لـ"العربي الجديد" إن هناك 3 سيناريوهات تتعلق بوتيرة استعادة السعودية إنتاج النفط، مشيرة إلى أن أحدها يشير إلى امتداد الأعطال لمدة 3 أشهر.
ولفتت إلى أن السيناريو المتفائل يعتمد على رواية السعوديين في قدرتهم على صيانة المنشآت في أقرب وقت، بينما السيناريو الثاني يتوقع إطالة أمد الصيانة إلى ما بين شهر وشهرين، وفي هذه الحالة، يمكن الجزم بأن الاحتياطات السعودية لن تكفي لتلبية الطلب في السوق، مما سيترجم إلى اعتماد المستوردين على احتياطاتهم، ثم تجميعها مرة أخرى.
أما السيناريو الأكثر تشاؤماً، فتلخصه الخبيرة الروسية في إطالة أمد أعمال الصيانة إلى أكثر من ثلاثة أشهر أو تجدد الهجمات في حال استمرار التوترات في المنطقة.