اذهبوا الآن إلى أوروبا

20 مايو 2015
قترة استغلال الفرص الاقتصادية في أوروبا (فرانس برس)
+ الخط -
"لعلّه لا يوجد أفضل من هذه الفترة للتوجّه إلى أوروبا"، تحت هذا العنوان، كتبت صحيفة "واشنطن بوست" تقريراً في نهاية الأسبوع الماضي، داعية إلى الذهاب في إجازة نحو أوروبا والإفادة من الأسعار المنخفضة خلال الشهر الحالي.

ويقول التقرير إنه، في قديم الزمان، في مجرّة مالية نائية، متباعدة، بدا وكأنّ الدولار الأميركي سيفوق اليورو قيمة. وقد سمّيت هذه المجرّة "مارس".


في المقابل، يبدو الدولار، منذ ذاك الحين، وكأنّه قد أضرّ الاقتصاد بما يكفي إلى حدّ أن الاحتياط الفدرالي سيرجئ على الأرجح رفع معدلاته وفقاً لما كان قد ألمح إليه في شهر حزيران/يونيو الفائت. وقد أدّى ذلك، مصحوباً بتعافي أوروبا بصورة فاقت التوقعات، إلى تساؤل الأسواق كم ستفوق معدلات الفائدة هنا تلك السائدة هناك.

بالتالي، لو أمكنكم، اذهبوا الآن إلى تلك العطلة الأوروبية التي كانت تشغل بالكم، فيما لا تزال الأسعار في أوروبا منخفضة، لكن ربما ليس لفترة طويلة.

حتى اليوم، ومنذ بضعة أشهر، كانت القصّة بسيطة. فكان أداء الاقتصاد الأميركي جيداً بما يكفي، في حين أنّ أداء بلدان العالم الأخرى كان يتباطأ. وفي الواقع، كانت أوروبا قد تخطّت ذلك أخيراً، ليس من خلال خفض معدلات الفائدة إلى مستويات سلبيّة فحسب، بل أيضاً من خلال شراء السندات المالية بأموال حديثة الطباعة. وقد أفضى ذلك إلى تعزيز قدرة المستثمرين بتحقيق مزيد من الأرباح من خلال الإبقاء على أموالهم بالدولار لتنتج على الأرجح فوائد بالدولار بدلاً من اليورو الذي لم يكن مقترناً بفوائد. وهذا كان التوجّه الذي اختاره الناس ما أدى إلى زيادة قيمة الدولار بنسبة وصلت إلى 14%.


إلا أنّ الواقع هذا كان سائداً قبل وابل المعطيات المحبطة الذي أدّى إلى زرع الشكوك حول قدرة الاقتصاد الأميركي على التعافي. وقد عُزي جزء كبير من ذلك إلى أنّ الدولار القوي قد صعّب على الشركات الأميركية بيع صادراتها إلى الخارج أو مواجهة منافسة الواردات داخل البلاد. سبب آخر هو أنّه نظراً إلى المرور بشتاء حزين بفعل هبوب العواصف الثلجيّة المتكرّرة، بات من الأصعب على المتسوّقين الخروج من منازلهم أو على عمّال البناء مواصلة أعمالهم. والسبب الأخير هو أنّ انخفاض أسعار النفط يبدو أنّه قد أضرّ باستثمارات الشركات أكثر من مساعدته في زيادة الإنفاق الاستهلاكي. بالطبع، أسعار البيع بالتجزئة كانت مستقرّة في شهر نيسان/أبريل. وبالنظر إلى هذه الأسباب مجموعة إلى جانب انكماش الاقتصاد على الأرجح في بداية العام، لن يستعيد الاقتصاد مسار النمو السريع – الذي يقدّره بنك الاحتياطي الفدرالي بـ 0.9% في الوقت الراهن على الأرجح.

انطلاقاً من ذلك، ووفقًا لتصريحات نائب رئيس الاحتياطي الفدرالي السابق دونالد كون، يبدو أنّ مباشرة الاحتياطي الفدرالي في رفع معدلات الفائدة قبل شهر أيلول/سبتمبر أو كانون الأول/ديسمبر أبعد ما يكون عن الخبر اليقين. لكن، ما أهميّة ذلك؟ في الواقع، ليست الأهميّة في التوقيت بحدّ ذاته بقدر ما يكشف هذا التوقيت عن الاحتياطي الفدرالي. فها هو البنك الفدرالي مستعدٌ للتريّث إلى نهاية العام لرفع معدلاته، ما ينذر بأنّ الزيادة قد تتواصل ببطء ما إن تطرأ. بصياغة أخرى، يمكن القول إنّ معدلات الفائدة قد لا ترتفع بقدر ما توقعت الأسواق منذ بضعة أشهر خلت. وفي الوقت نفسه، أدّى تراجع سعر النفط وشراء البنك المركزي الأوروبي للسندات المالية إلى تعزيز نمو الاقتصاد الأوروبي ولو بقدر قليل. والنتيجة، هي أنّ الدولار قد وصل إلى أدنى مستوياته في أربعة أشهر مقابل اليورو. وبشكل عام، تراجعت قيمة الدولار 7% مقارنة مع الذروة التي بلغها في مطلع شهر آذار/مارس.


ومع ذلك، حريّ بالمراقب الاحتفاظ بمسافة المحلل الحكيم. إذ على الرغم من انحداره الأخير، يبقى الدولار أقوى بكثير من أي وقت مضى خلال السنوات الأربع الماضية. في المقابل، يعتمد ذلك على الاحتياطي الفدرالي، وإن كان يرى في ضعف أرقام إجمالي الناتج المحلي أو الأرقام الجيّدة عن حالة الوظائف مقياساً أفضل من قوّة الاقتصاد.

بالتالي، في حال قرّر الاحتياطي الفدرالي أنّ الأرقام الخاصة بوضع الوظائف تعكس الصورة الحقيقيّة للتعافي الاقتصادي، بدلاً من أرقام إجمالي الناتج المحلي الصارخة، قد يفاجئنا إذاً برفع المعدلات في وقت أبكر وبسرعة أكبر من المتوقع. ويبدو ارتفاع الدولار حتمياً أيضاً في حال قرّر البنك المركزي الأوروبي بالفعل مواصلة شراء السندات المالية، وفقاً لما يقول رئيسه ماريو دراغي، إلى أن يتجلّى التعافي كواقع حتمي لا يحتمل الشك. ومع ذلك، وحتى لو حصل ذلك، لن يكون على الدولار أن يرتفع أكثر بكثير. فقد بلغ من الارتفاع حداً ليس بقليل.
بالتالي، في حال كنتم تفكرون في اجتياز المحيط إلى أوروبا، هذه هي اللحظة مؤاتية، وقد لا تصبح الأوضاع أفضل ممّا هي اليوم.

إقرأ أيضا: الأدوات الاستثمارية الإسلامية الحديثة
المساهمون