ضاقت دول الجوار بالسوريين، بعد أن هجّر نظام بشار الأسد أكثر من ثلاثة ملايين إلى خارج الحدود ونزح أكثر من سبعة ملايين عن بيوتهم في الداخل، هرباً من الموت قصفاً وجوعاً، ففي واقع خيبة التوقعات بانتهاء الأزمة السورية وانتصار الثورة سريعاً، كما حصل في تونس وهروب بن علي أو انتصار جزئي قبل إعلان الثورات المضادة.
كما في مصر و ليبيا، انقلبت المواقف تدريجياً في سورية، وانقلبت تدريجياً عن تبنّي ثورة السوريين في الكرامة والحرية وعن مساعدة المهجرين والنازحين، لتتعرى هذه المواقف عبر أسوأ حالات إنسانية خلال العصر الحديث، توزع خلالها السوريون بين لاجئين مرفوضين أو موتى في عرض البحار.
مطلع عام 2015 شهد تبدلات ربما غير متوقعة، إن من الأردن التي بدأت بطلب فيزا وملاحقة السوريين لأخذ بصمات حتى لعيونهم، أو من تركيا التي احتضنت دونما منّة وتذمر أكثر من مليون وأربعمئة ألف سوري، فبدأ العام الجديد بحصار السوريين وملاحقتهم لأجل استصدار إقامات على الأراضي التركية، وفرض غرامات على كل مغادر باتجاه الأراضي السورية المحررة، مضى على وجوده بتركيا أكثر من ثلاثة أشهر نحو 500 ليرة تركية "230 دولاراً".
بيد أن المفاجأة أو الفاجعة أتت من الجار الشقيق لبنان، الذي أعلن مسؤولوه أن "لا لاجئين سوريين بعد اليوم" وضيّقوا الخناق على السوريين الهاربين باتجاه "سوا رينا" من خلال قرار يسمح للسوريين بدخول لبنان بقصد زيارة عمل، مالك عقار، دراسة، سفر، علاج طبي، مراجعة سفارة أجنبية، وقادمون بموجب تعهد مسبق بالمسؤولية.
نهاية القول: خطى لبنان، أو يكاد، مسيرة الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي للتعامل مع السوري، وإن لم يطلب كفيلاً اليوم للعامل الداخل أراضيه، فعلى الأرجح أن يطلبه غداً.
إذاً، وبعيداً عن محاولات تجميل القرارات التي تعتمدها دول جوار سورية، من إرهاق السوريين اللاجئين بتكاليف إقامات، ما كانوا ليهاجروا لو أنهم يمتلكونها، تزيد السياحية منها عن ألفي ليرة تركية "نحو ألف دولار" في تركيا، تبقى خطوة لبنان المتلخصة "لا دخول للسوريين إلا بتأشيرة دخول ولا عمل لهم إلا بعد الحصول على كفلاء" هي الأكثر إيلاماً، ليس لأنها تطبق أول مرة في تاريخ العلاقات بين سورية ولبنان وحسب، بل وأيضاً لأنها في وقت فقد خلاله السوريون من يجيرهم من رمضاء الجوع ونار الموت بحمم صواريخ وطائرات الأسد، وهم في أخطر مراحلهم وأكثرها فقراً وقهراً وتعقيداً.