اختلال رهيب في الخريطة السكانية المصرية... أين التنمية؟

21 مارس 2016
أين العدالة التي رفعها المصريون في ثورتهم؟(جون مور/فرانس برس)
+ الخط -
في ميدان المطرية شرق القاهرة، يقف عامل البناء محمد، وهو من محافظة قنا التي تعد من المحافظات الطاردة للسكان، ينتظر قدوم راغب إليه للقيام بأعمال تشطيب شقة سكنية. يقول حمدي إنه ترك زوجته وأولاده الثلاثة، متوجهاً نحو القاهرة بحثاً عن فرصة عمل، حتى لو كان هذا العمل يأتي مرة ويتأخر مرات. ويشير حمدي إلى أنه لا يملك أرضاً ليزرعها، ولا يمتلك أي مؤهلات، ناهيك عن غياب فرص العمل في بلدته. فلا يوجد أمام سكان تلك المنطقة سوى الانتقال للعيش في القاهرة أو القليوبية أو الجيزة، كون هذه المناطق مراكز صناعية وتجارية.
يقول حمدي: "تتحدث الحكومات المتتالية عن تنمية الصعيد، وتوفير فرص عمل من خلال مصانع ومشاريع عملاقة، إلا أن ذلك لا يتعدى كونه كلاما، فتبقى أحوالنا كما هي. نعاني من الموت والفقر وغياب التعليم والبنية الأساسية، بل غياب أي منفذ من منافذ الحياة التي تمكننا من تعليم وتربية أبنائنا". كما يؤكد غياب أي مستشفى في قريته وخمس قرى إضافية بقربها، مما يضطر السكان إلى اللجوء نحو مركز المحافظة لتلقي العلاج. ويأمل حمدي في الحصول على سكن في أقرب وقت، حتى يتمكن من نقل أسرته للعيش في إحدى المناطق العشوائية في القاهرة.

تنمية كاذبة

إذ يتمركز 99.3 % من سكان مصر في 5.5 % من مساحة البلد الكلية، وتزداد نسبة النزوح من الريف إلى المدينة، رغم وعود الحكومات المتعاقبة في تنمية الصعيد والريف.
وقد أظهرت دراسة حديثة صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، أن عدد سكان مصر بلغ حتى نهاية 2015 نحو 90 مليون نسمة، يتمركز 42.4% منهم في محافظات الدلتا، و34.6% في الوادي، ونحو 22.3% من السكان في القاهرة والإسكندرية.

يقول أستاذ الجغرافيا وتوزيع السكان في كلية الآداب في جامعة عين شمس، علي عبد اللطيف في تصريحات: "بدأت الهجرة الداخلية في مصر منذ بدايات القرن العشرين، حيث ارتكبت الحكومات المتعاقبة أخطاء رهيبة، أدت إلى نزوح أبناء الريف. فقد تمركزت المصانع والشركات الكبرى والخدمات الصحية والتعليمية في القاهرة وضواحيها، في حين غابت التنمية المتكاملة والعادلة تماماً عن عشرات المحافظات الأخرى التي عانت وتعاني من الفقر، وغياب فرص العمل والتعليم والخدمات الأساسية. فتحولت الأخيرة إلى أماكن طاردة للسكان، في حين اكتظت القاهرة والقليوبية والجيزة والإسكندرية بملايين السكان النازحين من مناطقهم الأصلية".
ويضيف عبد اللطيف: "أدت هذه السياسة، إلى انتشار العشوائيات خاصة في القاهرة، وتكدس السكان في شريط ضيق ما يؤثر على الخدمات الأساسية التي يتلقاها المواطنون في تلك المناطق. فقد انهارت خدمات التعليم والإسكان والمواصلات والصحة، وانتشرت الجريمة، وظاهرة التشرد".
ويوضح عبد اللطيف أن المناطق المتروكة، تتأثر بالهجرة الداخلية، حيث يترك الشباب الأراضي الزراعية والمشروعات الصغيرة والمتوسطة في محافظاتهم، مما يؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد المصري. ومن أبرز المظاهر السلبية، ظاهرة البناء على الأراضي الزراعية، وانهيار الرقعة الزراعية، وغياب الأيدي العاملة في محافظات الصعيد وبعض محافظات الوجه البحري مثل محافظتي المنوفية، والشرقية.
منذ الثورة، أعلنت الحكومات المتتالية تنمية الصعيد، ووقف الهجرة الداخلية التي تؤثر على الاقتصاد، والتي تؤدي إلى حالة من التشوه الفعلي في توزيع السكان. يرى خبير التنمية وأستاذ الاقتصاد في جامعة المنيا خالد فتحي في تصريحات "أن أهالي الصعيد باتوا على يقين تام بأن كل من يتحدث عن التنمية، فهو إما راغب في خوض الانتخابات أو كاذب بطبعه". ويدلل على ذلك بإطلاق خمسة مشروعات قومية خلال الفترة الماضية تحت مسمى تنمية الصعيد، إلا أن هذه المشاريع ما زالت حبراً على ورق، "فلا يزال أبناء الصعيد يهجرون الأرض التي ولدوا فيها، ويتجهون بحثاً عن لقمة العيش في القاهرة وضواحيها".
ويتساءل فتحي عن أي تنمية تقصدها الدولة، وهي تصر على بيع الشركات القليلة التي يمتلكها الصعيد، حيث تبيع مجمع الألومنيوم في نجع حمادي‬‎، وتصر على خصخصة شركات إسمنت أسيوط.

اقرأ أيضاً:المصريون ضاقوا ذرعاً بالمحسوبية والمحاباة
المساهمون