احتفالات 14 يوليو الفرنسية تعمّق الأزمة في الجزائر

06 يوليو 2014
الجزائريون لم ينسوا الاستعمار الفرنسي (فاليري هاش/فرانس برس/Getty)
+ الخط -
تجاهلت الحكومة الجزائرية الانتقادات التي وجّهتها الأحزاب السياسية والتنظيمات المدنية، وقررت المشاركة في العرض العسكري والاحتفالات التي تُخلّد ذكرى تحرير فرنسا من الاحتلال النازي في 14 يوليو/ تموز الحالي، بعد دعوة وجّهتها السلطات الفرنسية إلى ثلاثة من ضباط الجيش الجزائري.

وتمسّكت الحكومة الجزائرية بالمشاركة في الاحتفالات الفرنسية، وبموقفها المستند إلى مبدأ التعامل من دولة الى دولة، غير أن كثراً لا يعتبرون أن هذا المبدأ ممكن اعتماده، في ما يخصّ العلاقات مع فرنسا. إذ لا تزال جراح الحرب الأليمة ماثلة أمام الشعب الجزائري.

وأعلن وزير الخارجية الجزائري، رمضان لعمامرة، في تصريح صحافي على هامش تفقده ميناء الجزائر، وظروف استقبال الجالية المهاجرة، يوم الأحد، أن "الجزائر ستلبي الدعوة الفرنسية وتشارك في احتفالات 14 يوليو، وسنكون من بين 50 دولة مدعوة، وليس هناك أي مانع في المشاركة".

وأضاف لعمامرة: "لدينا جزائريون ضحّوا بأنفسهم في الحرب العالمية الثانية، ومن حقنا تكريمهم، ولدينا جالية ومصالح في فرنسا يجب الحفاظ عليها".

لكن هذا الموقف الحكومي خلّف انتقادات كبيرة لدى الطبقة السياسية في الجزائر، إذ رأى رئيس حزب "جيل جديد"، جيلالي سفيان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "السلطة في الجزائر لا تملك القوة السياسية لترفض طلباً أو دعوة فرنسية، وليس هناك مبرر للمشاركة في احتفالات فرنسية لا تهم الجزائريين".

غير أن حركة "النهضة" كانت أكثر تشدداً إزاء مسألة المشاركة، فأشار الأمين العام للحركة، محمد ذويبي، لـ"العربي الجديد"، الى أنه "من العار السياسي أن تشارك الجزائر في احتفالات تخلد ذكرى تحرير فرنسا في يوليو/ تموز 1944، وهي التي استغلت تلك الحادثة للإجهاز على الشعب الجزائري وقتل 45 ألف جزائري في العام 1945".

وأضاف أن "الحكومة الجزائرية اعتادت عدم الانصات للشعب، ولا الى الطبقة السياسية التي تجد في المشاركة الجزائرية طعناً للتاريخ ولشهداء ثورة التحرير".

فيما قال المتحدث باسم "هيئة الذاكرة والسيادة الوطنية"، التي تضم 14 حزباً سياسياً، أحمد لخضر بن سعيد، إن "هناك مَن يحاول أن يشعرنا في الجزائر أننا ما زلنا طرفاً تابعاً الى فرنسا". وأضاف: "أعتقد أن المشاركة في احتفالات تخص الفرنسيين أمر لا يعنينا كجزائريين، كما أن هذه الذكرى مرتبطة بذكرى أليمة في الجزائر".

واعتبر رئيس حركة "مجتمع السلم"، كبرى الأحزاب الإسلامية، عبد الرزاق مقري، أن "احتفالات 14 يوليو في فرنسا تمثّل ذكرى أليمة بالنسبة للجزائريين".

ولم تقتصر الاحتجاجات على قرار المشاركة في الاحتفالات الفرنسية على الأحزاب، فقد انتقدت الصحف الجزائرية ما وصفته بتجاوز الشعور الجماعي والقفز على الذاكرة من أجل المصالح السياسية والاقتصادية. وعلّقت صحيفة "الخبر" بالقول: "إن السلطة الجزائرية تتعاطى مع ملف الذاكرة وتحاول إخراجه من سياق العلاقات الجزائرية ـ الفرنسية"، فيما رأت صحيفة "الشروق" أن "المشاركة الجزائرية هذه المرة، تطرح "مشكلة رمزية" بحكم الماضي الاستعماري المثخن بالجروح والآلام، لأن الطرف الفرنسي يعمل من أجل توظيف هذه المشاركة، كدليل على تحسّن العلاقات الثنائية، التي ظلت رهينة تراكمات الماضي".

لا تبعث هذه الحادثة في نفوس الجزائريين الذكريات الأليمة فقط، عشية عيد الاستقلال، وذكرى مجازر الثامن من مايو/ أيار 1945، لكنها تعيد تحريك المياه الراكدة في العلاقات الفرنسية ـ الجزائرية. فقد أثبتت أن الفشل كان نتيجة كل محاولات البلدين من أجل تجاوز ملف الذاكرة، ومعالجة القضايا السياسية والاقتصادية، وتسوية المصالح الحالية فوق اعتبارات الماضي وحرب التحرير والآثار الوخيمة التي خلّفها الاستعمار الفرنسي".

بين الجزائر وفرنسا، وبعد 52 سنة من الاستقلال، ملف تاريخي معقّد لم تُثمر محاولات فك عقده، رغم توقيع اتفاق سياسي خلال زيارة الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، الى الجزائر في ديسمبر/ كانون الأول 2012، على ضرورة إبقاء ملف التاريخ في يد المؤرخين، وخارج الإطار الاقتصادي والسياسي للعلاقات الثنائية.

ورغم تقديم هولاند اعترافاً رسمياً بـ"الظلم الاستعماري الذي مارسته فرنسا على الجزائريين"، غير أن الطرف الفرنسي فشل أيضاً، في كل مرة، في كبح انفجار ذاكرته الاستعمارية. ففي العام 2005 صادق البرلمان الفرنسي على قانون يمجّد الاستعمار الفرنسي للجزائر، وسبّب ذلك أزمة سياسية كبيرة بين البلدين.

كما كان اعتقال الدبلوماسي الجزائري، محمد زيان حسامني، في باريس في العام 2009، سبباً إضافياً لازدياد الانتقادات، وصولاً إلى التصريحات العنصرية والسياسات المضادة للمهاجرين التي كان يتبناها الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي، والاستفزازات السياسية لوزير الخارجية السابق، برنار كوشنير.

وفي هذه العجالة، لا يُمكن نسيان النكتة السمجة التي أطلقها هولاند في يناير/ كانون الثاني الماضي، عندما قال إن "وزير الداخلية الفرنسي (رئيس الحكومة الحالي)، مانويل فالس، عليه أن يحمد الله على عودته سالماً معافى من الجزائر"، وهو التصريح الذي استدعى اعتذاراً رسمياً من الاليزيه.

المساهمون