تعاني بعض الجهات في تونس طيلة السنوات الماضية، من الانقطاع المتواصل للماء الصالح للشرب، بحجج عديدة، منها نضوب مدّخرات البلاد من هذه الثروة، أو لعدم صيانة الخزانات.
وأكد المرصد التونسي للمياه، في بيان له، اليوم الخميس، أنه من خلال متابعتهم اليومية لتبريرات الشركة التونسية لاستغلال وسوء توزيع المياه، تبيّن "تهرّب الأخيرة من مسؤولياتها، منتهجة سياسة إعلامية تحمل المسؤولية للمواطن وسوء تصرّفه، كما تصدر البلاغات عن الانقطاعات بعد حدوثها، متجاهلة المشاكل الناجمة عن حرمان المواطن من حقّ دستوري"، بحسب ما جاء في نفس البيان.
والشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه، هي المسؤول الأوّل عن توزيع الماء الصالح للشرب في تونس. وترتب عن تواصل انقطاعه احتجاجات اجتماعية مختلفة في عدة مناطق.
وتعاني قرابة 370 عائلة من انقطاع مياه الشرب منذ شهر رمضان الماضي في غار الدماء بجندوبة بالشمال الغربي لتونس، حسب ما صرّح به المواطن سالم العسكري، من معتمدية غار الدماء لـ"العربي الجديد".
وأفاد بأنّ أهالي الجهة التي يقطنها أصبحوا يستخدمون ماءً غير صالح للشرب، والذي تسبّب بتفشي أمراض، أهمها التهاب الكبد.
وأشار سالم (40 عاماً) إلى أنّ استمرار الانقطاع المياه أدى إلى حالة من الاحتقان والاحتجاج من قبل الأهالي بحثاً عن حلّ جذري لهذه المشكلة.
ورصد المرصد التونسي للمياه 419 بلاغا من المواطنين منذ مارس/آذار 2016 بشأن انقطاع الماء، مضيفا أنه بقدر دفاعهم عن الشركة التونسية كمكسب عمومي وجب المحافظة عليه وتدعيمه، فإنها تتحمل المسؤولية كاملة، وكلّ الأعذار التي تقدّمها لا تعني المواطن، وإن المشكلة تفاقمت نتيجة إخلال الشركة بالتزاماتها وعدم إنجاز الدراسات والتدخلات في وقتها اللّازم، للحيلولة دون وصول الوضع لما هو عليه، وفق البيان.
كما حمّل المرصد المسؤولية لوزارة الفلاحة المتغاضية عن تقصير الشركة، منبهاً في نفس الوقت إلى تفاقم الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة في مختلف جهات البلاد.
ودعا المرصد نوّاب الشعب في البرلمان إلى تحمل مسؤولياتهم، وممارسة حقهم في مساءلة الشركة والوزارة المعنية، مطالبين بحلّ عاجل وفوري لمشكلة انقطاع الماء الصالح للشرب كحقّ يضمنه الدستور، ما دام المواطن يؤدّي فاتورته للشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه.
ودعا البيان، الشركة إلى عقد لقاء مع جميع الأطراف المعنيّة، خاصّة المجتمع المدني، للوقوف على حقيقة المشكلة والتّدابير التي يجب اعتمادها لحلّ الأزمة.
وحذر الخبير في علوم الأرض، شكري يعيش، في تصريح لـ"العربي الجديد"، من "الخطر الذي قد يهدد تونس في السنوات القادمة، ما لم تتبع الدولة التونسية استراتيجيات قصيرة ومتوسطة المدى، في انتظار إيجاد حلول جذرية لهذه المشكلة".
ولخص يعيش الحلول في "ضرورة ترشيد الاستهلاك، إضافة إلى صيانة القنوات المائية وحفر آبار عميقة وبناء سدود جديدة، في انتظار تركيز أكبر عدد ممكن من وحدات تحلية المياه"، التي اعتبرها الحل الأمثل للتصدي للأزمة.
وذكرت الشركة في بلاغ "أن اضطراب توزيع المياه المسجل خلال هذه الفترة، ناتج عن ارتفاع الطلب على المياه في أوقات الذروة من ناحية، وتقلص الموارد المائية نتيجة الجفاف الذي تشهده البلاد من ناحية أخرى". وأفاد البلاغ بأن الانقطاعات شملت كلا من ولايات نابل وسوسة والمنستير والمهدية وصفاقس المزودة أساسا من منظومة مياه الشمال، والتي تشهد حاليا عجزا في الموارد المائية السطحية.
ولفتت الشركة إلى أن انقطاع المياه في ولايات الكاف وسليانة وباجة والقصرين وقفصة وسيدي بوزيد غرب تونس، ناتج عن انخفاض منسوب الآبار العميقة، مع تدني مخزون المياه الجوفية.
وتعود الاضطرابات المسجلة في توزيع مياه الشرب بولايات قابس ومدنين وتطاوين بالجنوب الشرقي إلى قلة الموارد المائية المتاحة، الذي سيتم تجاوزه مع إنجاز محطتي تحلية مياه البحر بجربة والزارات.
وتجدر الإشارة إلى أن بعض الدراسات تتوقع أن يتفاقم نقص المياه في تونس مع حلول عام 2030 نتيجة ارتفاع نسق الاستهلاك مقابل تراجع منسوب المنابع.