احتجاجات الكاف: مدينة تونسية ترفض التهميش والقمع

22 ابريل 2016
من المتوقع تطوّر الاحتجاجات (ياسين القائدي/فرانس برس)
+ الخط -

لم تمرّ التحركات الاحتجاجية في محافظة الكاف التونسية، يوم الثلاثاء، بسلام، بعد أن استخدمت قوات الأمن التونسية الغاز المسيّل للدموع بكثافة لتفريق تظاهرة احتجاجية نُظّمت تنديداً بالتهميش والإقصاء التي تتعرّض لها محافظتهم الواقعة في غرب البلاد.

في هذا السياق، أبدت القوى المجتمعية داخل منطقة الكاف، نيّتها في تصعيد الاحتجاجات ضد الإجراءات التي أعلن عنها رئيس الحكومة الحبيب الصيد في 15 أبريل/نيسان الحالي. واعتبرت أن "إجراءات الصيد جاءت ذرّاً للرماد في العيون، وإخماداً لانتفاضة مرتقبة للمنطقة التي تعيش التهميش والنقص في المشاريع التنموية".

وكان رئيس الحكومة قد قرّر إثر زيارته للكاف، تسوية بعض الأوضاع الهشة، وزيادة مساحات المزروعات ومقاومة الانجراف والتصحّر، واستكمال المستشفى الجهوي، والعمل على إنشاء مستشفيات محلية، وتكوين لجنة للنظر في تأسيس كلية طب (وهو مقترح قديم لوزير الصحة في حكومة الترويكا وابن الجهة عبد اللطيف المكي)، وإحداث ثلاثة سدود ومنطقتي تبادل حر مع الجزائر بمنطقتي قلعة سنان وساقية سيدي يوسف من المحافظة.

يُذكر أن الاحتجاجات على هذه الإجراءات قد انطلقت مباشرة إثر الإعلان عنها يوم الجمعة، وتجمّع المتظاهرون أمام مقرّ المحافظة قبل مغادرة رئيس الحكومة وطاقمه الوزاري، للتعبير عن خيبتهم من الإجراءات التي اعتبروها "هزيلة"، لتتواصل حالة الاحتقان وتتطور إلى استعمال مفرط للقوة، يوم الثلاثاء، إثر تجمّع قيادات الاتحاد العام التونسي للشغل بالكاف، وعدد من نواب الجهة وقيادات حزبية من "الجبهة الشعبية"، وممثلين عن المحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، ومواطنين في مسيرة تم الإعلان عنها مسبقاً.



من جهته، يشير الصحافي والناشط المجتمعي زياد مرزوقي، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "المسيرة كانت مؤطرة وسلمية موحّدة الصفوف تطالب بمراجعة الإجراءات التي تم إقرارها في الجهة، واعتبر الأهالي والنشطاء أنها لا تنصف المحافظة تنموياً ولا تُقدّم إضافة تُذكر، بل إن أغلب القرارات أُقرّت لمصلحة الجهة منذ عام 2011 ولم يتم تفعيلها بعد. وقد انطلقت المسيرة صباحاً من شارع المنجي سليم وسط المحافظة باتجاه مقرّها، لكن الأمن اعترض سبيلها وفرقها باستعمال مفرط للقوة".

وينفي مرزوقي أن "يكون المتظاهرون قد بادروا باستعمال العنف أو استفزاز قوات الأمن، بل أن عناصر الأمن أطلقوا قنابل الغاز المسيل للدموع، وانطلقوا في تفريق المحتجين حال اقترابهم من الطريق المؤدية لمقر المحافظة".

في هذا الإطار، يقول القيادي بـ"الجبهة الشعبية"، النائب عن الجهة مراد الحمايدي، لـ"العربي الجديد"، إن "المسيرة تضمنت كل مكونات المجتمع المدني بالجهة، في مقدمتها قيادات المنظمات الوطنية، وضمّت جميع الفئات العمرية وشرائح المجتمع الذين جاؤوا للمطالبة بالتنمية وايلاء الجهة العناية التي تستحقها". ويؤكد أنه "لم يبدر منهم أي استعمال للعنف بل كانت الشعارات فقط ترفع"، لافتاً إلى أن "موقعه في الصف الأمامي أتاح له التثبت من استعداد قوات الأمن لتفريق المتظاهرين قبل وصولهم مقر المحافظة".

ويضيف الحمايدي أن "العنف الذي جوبه به المحتجون منقطع النظير، إذ لم تشهد الجهة ضراوة في القمع والعنف كالتي شهدتها الثلاثاء، حتى خلال أحداث الثورة (2010)". ويلفت إلى أن "حالات اختناق عدة سجلت في صفوف المحتجين، الذين نُقل عدد منهم لتلقّي الإسعافات الأولية بمستشفى المحافظة، بالإضافة إلى تعنيف قيادات المنظمات بالمنطقة".

ويعتبر النائب عن "الجبهة الشعبية"، أن "قوات الأمن طوّقت الولاية بشكل جنوني، وعمدت إلى استخدام مدرعات أمنية وأخرى عسكرية أمامها، بالإضافة إلى تعزيزات أمنية هائلة"، لافتاً إلى أن "المتظاهرين عادوا إلى منازلهم متجنبين تبادل العنف مع قوات الأمن، وتفادياً لأي تعكير للوضع الأمني وتطورات غير محمودة العواقب قد تحدث اذا ما انتشرت الفوضى، في الوقت الذي تجمعت فيه كل القوى المجتمعية بمقر الاتحاد العام التونسي للشغل، من أجل تدارس التحرك المقبل، الذي سيُوجّه ضد القرارات التنموية من جهة، وضد انتهاج سياسة العنف وإخماد التحركات وقمعها رغم طابعها السلمي".

كما يصف الحمايدي القرارات التنموية بـ"الارتجالية التي لم تتجاوز إعلان النوايا، علاوة على أن أغلبها تم إقراره من طرف حكومات ما بعد الثورة، في الوقت الذي تنتظر فيه الجهة قرارات حاسمة". ويفسر أن "ما حدث من جنوح لاستعمال مفرط للقوة ضد تظاهرة سلمية، كان المراد منه استدراج المتظاهرين لرد العنف وإدخال الفوضى، ثم إلهاء الرأي العام بتهدئة الأوضاع والسيطرة على الشغب وترك المطالب الهامة". ويبيّن أن "مسألة إعلان الإضراب العام خلال الأيام المقبلة تبقى واردة، وتمّت مناقشتها خلال الاجتماع مع منظمة الشغيلة، وإذا ما واصلت الحكومة تجاهل أصوات المواطنين والمنظمات، فإن الرد سيكون بإعلان الإضراب العام". بالنسبة للصيد فإن "رفض الأهالي بمحافظة الكاف لقرارات الحكومة، أمر ديمقراطي. والحكومة انتقلت إلى الكاف وأقرّت إجراءات تخدم مستقبل الجهة، هناك من يرفضها اليوم لكنه سيتفهّمها مستقبلاً".

المساهمون