وتسعى قمّة الاندماج مع أفريقيا إلى إيجاد فرص لجذب الاستثمارات والأرباح والوظائف في الدول الأفريقية، بناء على دعم سياسي واقتصادي استثماري تقدمه مجموعة العشرين إلى الدول الأفريقية. والهدف البعيد من ذلك هو وقف تدفق اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين من الدول الأفريقية إلى أوروبا، بناء على إجراءات متراكمة لتحقيق التنمية الاقتصادية بوتيرة سريعة في تلك الدول، بحسب الأفكار التي طرحتها ميركل في القمة الأولى التي عقدت في يونيو/ حزيران 2017.
ويسعى القادة الأفارقة من خلال القمة إلى اجتذاب مزيد من الاستثمارات المستدامة التي توفّر فرص العمل، فضلاً عن محاولات الحصول على دعم مالي مباشر في صورة قروض أو منح لتمويل مشاريع تنموية في بلادهم، رغم أنّ ميركل سبق أن أعلنت رفضها سياسة المنح المالية المباشرة وكذلك الإقراض، باعتبارها حلولاً سهلة لا تجدي نفعاً على المدى الطويل، إلى جانب ما تثيره من شبهات حول رشاد التصرّف الحكومي في الدول الأفريقية في المساعدات التي تحصل عليها.
وتتلاقى اهتمامات ميركل وأهدافها من هذه القمة مع ملف رئيسي سيحتل القسم الأكبر من اللقاء الثنائي مع السيسي، وهو دعم جهود مصر لمكافحة الهجرة غير الشرعية، واستمرار المفاوضات الأوروبية المصرية حول إنشاء مراكز على السواحل الشمالية والحدود الجنوبية والغربية والشرقية لمصر مع جيرانها، لاستضافة اللاجئين برعاية وتمويل أوروبا. وهو الملف الذي يواجه عقبات أمنية واستخباراتية ومالية، قد تحول دون تحقّق هذا المشروع على الأمد الطويل، رغم قبول السيسي النقاش حول هذا الملف للمرة الأولى، بعد رفض مصر على مدى العقدين الماضيين التفاوض حول مشاريع مماثلة.
وتؤيد ألمانيا مساعي النمسا لإنشاء هذه المراكز في دولة أو أكثر شمال أفريقيا، أسوة بالاتفاقية التي قادت ألمانيا الاتحاد الأوروبي إلى توقيعها مع تركيا منذ عامين ونصف العام. لكنّ مسؤولين ألماناً نقلوا بعض المحاذير في ما يتعلّق بالاعتماد على مصر في هذا المشروع، بحسب مصادر دبلوماسية أوروبية في القاهرة، أوضحت لـ"العربي الجديد" أنّ هناك فارقاً شاسعاً بين التصورات المصرية للتفاوض حول إنشاء هذه المراكز، والسمات التي تريد دول الاتحاد الأوروبي، وفي مقدمتها النمسا، ضمان تمتّع هذه المراكز بها. فإلى جانب اشتراط المصريين تحمّل أوروبا التكاليف المالية للإقامة والمعيشة والانتقال للبلدان الأصلية، وكذلك تمويل التكاليف الأمنية والحمائية التي ستتكبدها الدولة المصرية في هذه العمليات، فإنّهم يتمسكون بأن تظلّ هذه المراكز بعيدة عن العمران، وأن تتحمّل أوروبا تكاليف مدّ المرافق والخدمات إليها.
كذلك، نقل المسؤولون الألمان، بحسب المصادر، إلى برلين تخوّف المصريين من حدوث مشاكل أمنية فادحة إذا حدث تواصل فعلي بين اللاجئين المقيمين في هذه المراكز وبين السكان المصريين، فضلاً عن تضمّن تقارير أمنية واستخباراتية، سبق أن نشر "العربي الجديد" تقريراً عنها مطلع شهر أكتوبر/ تشرين الأوّل الجاري، تحذيرات من اندلاع أعمال شغب في المناطق المحيطة بالمراكز نتيجة ضعف البنية التحتية والخدمات بها، ومعاناة بعض المناطق النائية من الفقر المدقع.
وإلى جانب ملف اللاجئين، يبرز ملف التنسيق الأمني والاستخباراتي المتزايد بين البلدين في العامين الأخيرين، خصوصاً بعد زيارة ميركل إلى القاهرة في مارس/ آذار 2017، حيث تمّ اشتراط تعاون القاهرة مع برلين على صعيد تبادل المعلومات الأمنية والاستخباراتية، وكذلك قبول مصر باستمرار استعادة اللاجئين غير المقبولين، لاستمرار المساعدات التي تقدمها ألمانيا لمصر والاستثمارات المتدفقة منها. وذلك في ظلّ تغيير ألمانيا سياستها لاستضافة اللاجئين والأجانب بشكل عام، وتشديد القيود الإجرائية والشروط الألمانية لقبولهم منذ 2015.
أمّا الملف الثالث الذي ستناقشه ميركل مع السيسي، فيتمثّل في الاستثمارات الألمانية في مصر، حيث شهدت الأشهر الماضية مفاوضات حول إنشاء منطقة صناعية ألمانية حرة في مصر، مع استهداف زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين الذي يبلغ حالياً 6 مليارات يورو سنوياً، فضلاً عن جذب مزيد من الدعم المباشر للمشاريع الخدمية، علماً أنّ برلين دفعت 1.6 مليار دولار لدعم مشاريع الطاقة والمياه في 2016.
ومنح السيسي في السنوات الأخيرة الشركات الألمانية، وأبرزها "سيمنز"، عقوداً لإنشاء ورفع كفاءة محطات الكهرباء الرئيسية على مستوى الجمهورية، ومكّنها من إنشاء شركات بالمساهمة مع الجيش، بقيمة إجمالية تخطت 12 مليار يورو، كما استوردت مصر عدداً من الأسلحة والغواصات الألمانية. ويعتبر مراقبون هذه التعاقدات حجر الأساس في اعتراف برلين بشرعية السيسي، وتراجع ضغوط ألمانيا على مصر لتحسين أوضاع حقوق الإنسان، واقتصارها على ضمان السماح لمنظماتها الإنسانية بالعمل في بعض المشاريع بالتعاون مع الوزارات المصرية المعنية.