أما تركيا فأعلنت، على لسان رئيسها رجب طيب أردوغان، أنها "تريد تنظيم قمة في إسطنبول في السابع من سبتمبر/ أيلول مع فرنسا وألمانيا روسيا، من أجل بحث المسائل الإقليمية، بما فيها النزاع في سورية"، كما نقلت عنه صحيفة "حرييت"، أمس الأحد. وأضاف أردوغان "سنتباحث بما بوسعنا القيام به معاً في المنطقة"، من دون إعطاء تفاصيل حول القمة أو المواضيع التي ستتناولها. وتابع أردوغان الذي تحدّث إلى صحافيين أتراك خلال رحلته إلى جنوب أفريقيا بين 25 و27 يوليو/ تموز الحالي، أن "بلاده تواصل الحوار مع روسيا خارج هذا الإطار الرباعي". وقال "سنعقد قمة على حدة في إسطنبول في 7 سبتمبر/ أيلول مع روسيا وألمانيا وفرنسا"، حسبما نقلت عنه الصحف التركية. ولم يصدر أي تأكيد على الفور من موسكو أو باريس أو برلين.
وفي سوتشي، تتصدّر القضايا "الإنسانية" جدول الأعمال الرسمي للاجتماعات، أي ما يخص المعتقلين الذين سرّع النظام إصدار لوائح المتوفين تحت التعذيب منهم بالآلاف في الأيام الماضية (عدد المعتقلين يناهز الـ200 ألف)، والمهجرين من نازحين ولاجئين الذين تكفلت روسيا أخيراً بتأدية دور لإعادتهم إلى سورية بـ"ضمانات" عدم التعرض للمعارضين من بينهم. كذلك تتصدر الأوضاع في إدلب الاجتماعات نظرياً، بما أن المحافظة الشمالية هي الوحيدة المتبقية تحت سيطرة فصائل معارضة مسلحة، في ظل احتمالات بأن يأتي دور الحسم العسكري إليها على الرغم من المعارضة التركية.
إلا أن عقد اللقاء في سوتشي بدلاً من أستانة هذه المرة، يزيد من الترجيحات بأن روسيا تسعى إلى تحويل المحادثات من المسار العسكري إلى آخر سياسي استكمالاً لـ"الحوار الوطني السوري" الذي عقد في المنتجع الروسي المطل على البحر الأسود في نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، من دون إحراز أي تقدم لتحقيق السلام في سورية.
ووصل أمس الوفد التقني التركي آتياً من إسطنبول، ووصل في نفس الرحلة مندوبون من الأمم المتحدة أيضاً، فيما ينتظر استكمال وصول بقية الوفود تباعاً، ومنهم وفد المعارضة المصغر عن الاجتماع السابق، الذي يصل فجر اليوم الاثنين برئاسة أحمد طعمة.
وتعقد الاجتماعات في فندق "راديسون بلو" في منطقة إدلر التابعة لسوتشي، وهي منطقة سياحية، وتقع فيها القرية الأولمبية، كما يتواصل قدوم الإعلاميين الذين سيغطون الحدث من مختلف الدول ووسائل الإعلام المختلفة، وسط ترقب للموقف الأميركي الذي شكّل غيابه عن النسخة الماضية حدثاً مهماً، ومفاجأة كبرى لم تكن متوقعة، إذ كانت أميركا قد خفضت مستوى تمثيلها تدريجياً في الاجتماعات من مستوى نائب وزير خارجية إلى خبير في النسخة الثامنة، قبل أن تُمنع عن الحضور في النسخة السابقة، في ظلّ معطيات مؤشرة إلى استمرار التغيب، رغم الدعوة الروسية، والقمة التي عقدت بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب في هلسنكي في 16 يوليو/ تموز الحالي.
وسيطر على الأجواء العامة، بالإضافة إلى مسألة الغياب الأميركي، موضوع اختيار سوتشي لاجتماعات مسار أستانة، خصوصاً أن المعارضة امتنعت عن الحضور، بسبب المواقف الروسية المنحازة بشكل كامل للنظام، والمعاملة التي حصلت في مطار سوتشي إبان مؤتمر الحوار السوري في نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، وعدم دخول الوفد من المطار احتجاجاً على أعلام ترمز إلى النظام فقط وتجاهل علم الثورة.
ويكشف أغلب التحليلات حول هذا الاختيار، الدفع بمسألة تحويل المسار العسكري إلى مسار سياسي بفروض وإملاءات روسية، تجبر الحليف التركي على تقبل الرواية الروسية الداعمة للنظام، وإن كان مؤتمر الحوار الوطني قد قرر تشكيل اللجنة الدستورية، فإن المتابعين يتوقعون أن يتم الإعلان عن هذه اللجنة من سوتشي أيضاً كإنجاز روسي، مع تسليم المعارضة قائمة بأسماء مرشحيها إلى هذه اللجنة المنتظر عملها في جنيف، تحديداً مع حضور المبعوث الأممي الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا للاجتماع.
وعن هذا الاجتماع قال رئيس اللجنة القانونية في وفد المعارضة ياسر الفرحان من إسطنبول، قبل توجه الوفد إلى سوتشي، لـ"العربي الجديد"، إن "قضية المعتقلين أولوية لا تتخلّى عنها المعارضة، وتأخذ أهمية مضاعفة في ظروف تسجيل النظام آلاف المعتقلين كمتوفين، الأمر الذي يثير مخاوفنا على من تبقى ويضع في واجباتنا الضغط لحمايتهم وإطلاق سراحهم". وأضاف الفرحان أنه "أيضاً نعمل لتأمين حماية إدلب والساحل ومنع قصفها واستهداف أهلها؛ وسنطلب من الوفد الروسي توضيح تفاصل مشروع إعادة اللاجئين، ونقيم مدى انسجامه مع المعايير الدولية والوطنية". وشدّد على أن "روسيا وإيران والنظام يتحملون بالدرجة الأولى المسؤولية الأساسية عن جرائم التهجير في الجنوب رغم إعلانها منطقة خفض تصعيد، مثلما تتحمل بعض القيادات العسكرية للمعارضة مسؤولية السقوط في الفخ الروسي بالقبول قبل الهجمات العدائية الأخيرة باتفاقيات مناطقية جانبية، مزقت المعارضة وأفقدتها فرص الاستفادة من الدور التركي الحليف والضامن والمدافع عن مصالح المعارضة في هذه المناطق".
وفي وقت لم تتضح فيه بعد أجندة الاجتماعات، يبدو أن اختيار اللجنة الدستورية وتحديد مهام عملها سيكونان أبرز النقاط التي يجري التحضير لها، في ظل غياب ملف المعتقلين الذي يشهد تطورات في سورية، بتسجيل معظم المعتقلين على أنهم أموات، واستمرار تجاهل النظام لكل المطالب الدولية بالتقدم في ملف إطلاق سراح المعتقلين، وهي ملفات إنسانية فوق تفاوضية.
وفي هذا الإطار، يستبعد الخبير بالمجلس الروسي للشؤون الدولية، أنطون مارداسوف، أن "يُحدث اللقاء الجديد في سوتشي أي اختراق في التسوية السورية، في ظل فشل وقف إطلاق النار في مناطق خفض التصعيد الأربع المنبثقة عن عملية أستانة".
ويقول مارداسوف، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "القضية الوحيدة المطروحة للنقاش هي تبادل الأسرى في إدلب، إذ يصرّ كل من دمشق وطهران على إجراء عملية عسكرية هناك، ولكن تركيا تريد إبقاء هذه الأراضي تحت سيطرة المعارضة المدعومة منها، وإرسال اللاجئين إليها".
وحول واقعية مشاركة ممثلين عن المعارضة المسلحة في اللقاء، يذكّر بأنهم "حضروا من تركيا في المرة الماضية، ولكنهم عادوا من مطار سوتشي، مفوضين تمثيلهم إلى الوفد التركي"، متسائلاً: "هل الغرض من اللقاء الجديد تطوير عملية أستانة أم سوتشي؟ كان الهدف من سوتشي إظهار حضور مختلف الأطياف السورية للاتفاق بينها وتشكيل لجنة دستورية".
ويعتبر مارداسوف أن "غياب الأميركيين لن يؤثر على اللقاء بأي شكل، نظراً لابتعادهم عن مسار أستانة منذ العملية العسكرية في الغوطة الشرقية، وكذلك عن الدفع باللجنة الدستورية المشكلة من المعارضة الموالية للوفاء بمتطلبات جنيف بلا إصلاحات جادة". ويخلص إلى أن "عقد اللقاء في سوتشي يدل على أن أستانة استنفدت نفسها حتى للدول الضامنة، إذ لم تعد مناطق خفض التصعيد قائمة، وقد توجه تركيا أنظارها إلى الولايات المتحدة، بينما تسعى روسيا لوضع المعارضة في ظروف غير متكافئة مع النظام".
من جهتها، رأت صحيفة "كوميرسانت" الروسية أن "كيفية حل مسألة آخر منطقة خفض تصعيد في إدلب، ستحدد مصير التحالف بين الدول الضامنة الثلاث"، مشيرة إلى أن "روسيا تسعى لتحويل أستانة إلى ساحة لتسوية القضايا الإنسانية والسياسية، رغم أن هذا الإطار أقيم بالدرجة الأولى لمناقشة نظام وقف إطلاق النار وتأسيس لإجراءات الثقة بين الفصائل المسلحة والحكومة السورية".
وفي مقال بعنوان "سورية الطويلة في مدينة سوتشي"، أشارت الصحيفة إلى أن "الوضع في إدلب أكثر تعقيداً منه في الغوطة الشرقية وفي محيط حمص وجنوب سورية، وذلك بسبب استمرار إجلاء المسلحين إليها على مدى بضع سنوات والرعاية التركية لهم". وأضافت الصحيفة أن "موسكو تعتز بالعلاقات مع أنقرة وتبحث عن حل وسط، مدركة أنه في حال حدوث تصعيد، فإن تركيا قد تعزز الفصائل المسلحة السورية وتفشل جميع المفاوضات".
وكان السفير الروسي في دمشق، ألكسندر كينشاك، قد أفاد في تصريحات صحافية سابقة بأن "سيناريو جنوب سورية قد يتكرر في إدلب"، قائلاً إنه "إذا نظرنا إلى سير عملية مكافحة الإرهاب في المحافظات الجنوبية، فسنحقق نتائج بشكل أساسي عن طريق المفاوضات. يريد سكان هذه المناطق المصالحة ويضغطون على المسلحين. لا أستبعد تكرار ما يشبه ذلك في إدلب".
هذا وعقدت الجولة الأولى من محادثات أستانة في يناير/ كانون الثاني 2017 بالتزامن مع تولي الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، زمام السلطة في البيت الأبيض. وشاركت الولايات المتحدة في ثماني جولات من المحادثات، قبل أن تعلق مشاركتها في مايو/ أيار الماضي، أي في أعقاب شن الضربة الثلاثية على سورية.
وفي الوقت الذي أكد فيه وزير خارجية جمهورية كازاخستان، خيرات عبد الرحمنوف، خلال الجولة التاسعة من المحادثات في مايو/ أيار الماضي أن "أستانة ليست مخصصة للتسوية السياسية"، رأى مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سورية، ألكسندر لافرينتييف، أنه حان وقت لبدء تسوية القضايا "الإنسانية" والسياسية في إطار هذه العملية. وتمهيداً لعقد اللقاء الحالي، قام لافرينتييف بعدد من الزيارات إلى العواصم المعنية في المنطقة، بما فيها طهران ودمشق وأخيراً أنقرة، وبحث الوضع في إدلب ومسألة عودة اللاجئين.