يقف وزير التعليم التونسي، ناجي جلّول، على فوهة بركان مستعر، لا سيما في ظل المطالبة بتنحيه، إذ لا تزال النقابات تطالب بإقالته، وقد تنجح في فرض رأيها على الهيئة الإدارية للاتحاد التونسي للشغل.
كما طالبته المعارضة صراحة بالاستقالة بدل أن "يفقد حتى منفذ الخروج من الباب الخلفي للتاريخ"، على حد تعبير النائب عن الجبهة الشعبية اليسارية المعارضة، عمار عمروسية، والذي طالب في القاعة ذاتها التي مُنح الوزير فيها الثقة مرتين لتولي المنصب، بالتخلي عنه قبل أن تنفجر الأوضاع.
ولم تكن جلسات طرح الأسئلة الشفاهية بالمحطات الهينة في تاريخ جلول الوزاري. فبعد أن اتهمته النائبة عن التيار الديمقراطي، سامية عبو، بالفساد مقدّمة وثائق وحججا أثارت جدلا إعلاميا كبيرا، أتى سؤال النائب عمروسية "هل ستواصل البقاء في منصبك، بعد كل ما سببته من أزمات؟"، ليرد الوزير بإجابة مفصلة لجأ خلالها لاستعراض إنجازاته قبل إخفاقاته، والتبارز "لغويا" مع عمروسية.
بدا سؤال عمروسية استفزازيا رغم اختزاله في بضعة كلمات، أرفقها بشرح مفصل لموقف فصيل سياسي كامل مساند بطريقة معلنة لموقفه، فيما يعكس الطابع الشخصي للخلاف مع جلول الذي وقع بدوره في خانة الدفاع عن شخصه قبل الدفاع عن البرامج والإصلاحات.
وأشار وزير التربية إلى أنه لا تنقصه الشجاعة ولا الجرأة لاتخاذ القرارات، وهو تماما كعمروسية مناضل، عُذّب وسُجن وناضل قبل الثورة، ولم يحلم يوما بتولي منصب، وإنما أتيح له ذلك بعد الثورة، وأن ما يجمعه بالاتحاد علاقة فكرية وروحية قديمة وليست خصومة شخصية، وإنما رفضه للفساد ولكل الراغبين بتفكيك الوزارة من الداخل. وأردف جلول أنه حين تقلّد الوزارة وجد الفساد والتسريب مستشر فيها، والمدرسة التونسية في آخر التصنيفات العالمية في جودة التعليم والانضباط.
ولم ير جلول في المطالبة باستقالته مسألة سلبية، ملمحا إلى أن رائد الإصلاح التربوي محمد الشرفي تعرض بدوره لضغوطات، وطالبت أطراف بإقالته، ووزراء آخرون كثر ووجهوا بالمطالب ذاتها.
وعبر وزير التربية عن تذمره من استمرار اليسار التونسي في "سلفيته الفكرية" ورفضه للتجديد والكذب على التونسيين باتهامه بخصخصة قطاع التربية في مخالفة تامة لأخلاقيات العمل السياسي.
وتعقيباً على تحذير عمروسية من تفاقم الأزمة وإمكانية تفجر الوضع إثر اجتماع الهيئة الإدارية للاتحاد العام التونسي للشغل في 15 إبريل/نيسان الجاري، قال جلول لـ"العربي الجديد"، إنه يأمل أن تنفرج الأزمة قبل ذلك، "حتى وإن طرأت بعض الإشكاليات مع بعض النقابيين".
كما لفت إلى أن وجوده في منصبه مستند أيضاً إلى تفويض شعبي بموجب الانتخابات التشريعية، ومن حق أي مواطن تونسي أن يطالبه بالاستقالة، مشيراً إلى أن السنة الدراسية لم تشهد إضرابات أو تعطلا في الدروس على غرار السنوات الماضية. واعتبر أنه من الطبيعي أن تثار إشكاليات حول وزارة التربية بحكم أهميتها.
في المقابل، رأى النائب عمروسية أن الوزير لا يدرك حجم الأزمة التي ستواجه الحكومة بسببه، باعتباره أحد أكبر نقاط التوتر فيها، مضيفاً لـ"العربي الجديد"، أنه اكتفى بتنبيهه للأزمة المتعاظمة في قطاع التعليم في ظل تعطل الحوار بين النقابات وجلول.
وأشار إلى أن المصلحة اليوم تقتضي مغادرة جلول حتى لا تحاصر الحكومة وتستهدف من أكثر من جانب، مذكرا في السياق ذاته بأن وزير التربية ألغى جل زياراته إلى الجهات لأنه جوبه بالإضراب العام فيها. وشدد النائب على أن جلول مدعو لعدم التضحية بمصلحة المتعلمين فقط لنيل مآربه الشخصية وتحقيق طموحه بالبقاء أكثر وقت ممكن في وزارة التربية.