الفرحة التي أعقبت مفاجأة الإعلان عن اتفاق إطاري بين إيران ومجموعة دول 5+1 في لوزان السويسرية، ليل الخميس الماضي، بدأت بالانقشاع، وبات المشهد أكثر تعقيداً بالنسبة لكثر في الساحة الإيرانية. وباشر البعض بطرح أسئلة حول تفاصيل الاتفاق، في وقتٍ رأى البعض الآخر بأن الوفد المفاوض، قدّم تنازلات على الرغم من احتفاظه بـ "إنجازات" طهران النووية، لكنه لم يحصل على ضمانات في المقابل، بحسب رأيهم.
وكان وزير الخارجية الإيراني ورئيس الوفد المفاوض محمد جواد ظريف، واقعياً في حواره مع القناة الرسمية الإيرانية ليل السبت، في نقل ما استطاع الوفد المفاوض تحقيقه خلال جولة المفاوضات الأخيرة مع السداسية الدولية. وقال ظريف إن "ما تمّ الإعلان عنه من لوزان هو بيان مشترك، أي أنه صيغة تفاهم، لم يتم إقرارها حتى اللحظة، وهو ما يعني أن الالتزام بالتعهدات المذكورة، سيُصبح قائماً مع كتابة هذه البنود والإعلان عنها في صيغة اتفاق نهائي، مطلع يوليو/تموز المقبل".
وحتى ذلك الوقت، سيواجه الوفد المفاوض الإيراني العديد من التحديات، خصوصاً أن البنود لم تكن مرضية لكثيرين، لا سيما أولئك المنتمين للطيف المحافظ المتشدد. ويعلم وزير الخارجية، أن البرلمان الإيراني يمثل التحدي الأكبر، كون المحافظين يشغلون معظم مقاعد هذه المؤسسة.
لكن على ظريف، إقناع معظم أعضاء البرلمان أيضاً، خصوصاً أولئك المنتمين للجنة الأمن القومي، وهم الذين يجتمع معهم بعد عودته من كل جولة تفاوض نووية، بغية تقديم تقرير شامل ومفصل لهم. واستطاع هؤلاء في مرات سابقة جرّ ظريف لمساءلته أمام النواب، بسبب عدم رضاهم عن كل سياساته المتبعة في المفاوضات، ولم ينسَ أحد في إيران حتى الآن، كم أثارت الاجتماعات المتكررة بين ظريف ونظيره الأميركي جون كيري، انتقادات بعض هؤلاء النواب.
وقبل توجّه ظريف أمس الأحد، لتقديم تقريره عن جولة مفاوضات لوزان للجنة الأمن القومي، اجتمعت كتلة المحافظين في البرلمان لتبحث في تفاصيل الاتفاق، التي لم تكن مرضية لبعضهم، وهو ما برز في بعض التصريحات الصادرة من أروقة مجلس الشورى.
اقرأ أيضاً: الشارع الإيراني يحتفل: الاتفاق النووي أبعد الخوف والترقّب
في السياق، لفت النائب عن مدينة طهران حميد رسائي، في تصريحاته لوكالة "أنباء فارس" الإيرانية، إلى أنه "إذا كانت كل بنود اتفاق لوزان ستُصاغ كما هي بدقة في الاتفاق النهائي، فنستطيع القول إنه تم تجاوز بعض الخطوط الحمراء، فإيران لم تكن تريد اتفاقاً من مرحلتين، بل اتفاقاً واحداً نهائياً وشاملاً. والأهم هو أن في هذه البنود غموض كبير، ومن المفترض أن يكون الاتفاق النووي واضحاً وشفافاً ومفهوماً للجميع، وتُعدّ آلية إلغاء العقوبات أبرز النقاط غير المفهومة في مقابل التزام طهران تعهّداتها النووية".
واعتبر رسائي، أن "ما جاء على لسان ظريف، الذي قال إنه سيتم إلغاء كل أنواع العقوبات الأميركية والأوروبية، يختلف عما جاء على لسان منسقة الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني، والتي يُفهم من كلامها أن هذا الامتياز سيُمنح لإيران بعد التأكد من تطبيق إيران لما عليها في الاتفاق".
النقطة الأخرى التي ركز عليها رسائي تتعلق بتخصيب اليورانيوم، فإيران كانت تُخصّب هذه المادة بنسبة عشرين في المائة لتستفيد منها في مفاعلاتها النووية، ومن ثم وافقت البلاد على تخفيض النسبة بموجب اتفاق جنيف المؤقت إلى 5 في المائة، بينما ينصّ اتفاق لوزان على عدم تجاوز التخصيب نسبة 3.67 في المائة"، حسب قوله.
ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية عن هروي، قوله إن "وجود ظريف، مع وزير خارجية الحكومة المحافظة السابقة علي أكبر صالحي في وفد مفاوض واحد، أمر يثبت أن الوفد المفاوض يمثل كل الأطياف، ويعمل بجدّ لتوقيع اتفاق نهائي يصب لمصلحة الجميع".
ومهما اختلفت وجهات النظر، يبقى أعضاء لجنة الأمن القومي، الفئة الأكثر تأثيراً في البرلمان المحافظ بغالبيته. وأكد في السياق، رئيس اللجنة علاء الدين بروجردي، أن "اللجنة ستبحث كل التفاصيل المتعلقة بمفاوضات لوزان، وستعمل على مراقبة الوضع عن كثب خلال الأشهر المقبلة".
ولفت إلى أنه "بحال عدم التزام الطرف المقابل، سيعمل البرلمان على الوقوف بوجه تقديم أي تنازلات من دون نيل مكاسب الاتفاق". وتابع "على الاتفاق النهائي أن يضمن أولاً إلغاء العقوبات، فليس من الواضح في اتفاق لوزان، ما إذا كانت قرارات العقوبات ستُلغى فورياً أم تدريجياً أم ستمنح لإيران كمقابل، بعد التأكد من وفائها بعهودها". ورأى أن "إيران باتت أسرع بكثير من السابق في تطوير برنامجها النووي، وأن أي إخلال بالتعهدات من قبل الغرب، يعني أن البرلمان سيلزم الحكومة باستئناف النشاط النووي المعلق".
لكن النقطة الأهم التي قد تقف بوجه اتفاق لوزان، هو شمول الاتفاق توقيع طهران على البروتوكول الإضافي لمعاهدة "الحدّ من انتشار الأسلحة النووية"، والذي يسمح بتفتيش مباغت للمنشآت النووية في مدة أقصاها يومين، لكن المشكلة تكمن أن البرلمان هو من يجب أن يصوّت على هذا البند، وفق القانون.
لكن بروجردي هوّن من احتمال عدم تمرير البروتوكول في البرلمان، مؤكداً أنه "حتى بوجود اختلافات في وجهات النظر وانتقادات لاتفاق لوزان، غير أن الغالبية يريدون انجاح الاتفاق". وتوقّع التصويت على توقيع البروتوكول، الذي كانت إيران قد انسحبت منه في السابق، بعد تحويل ملفها النووي لمجلس الأمن الدولي، لكن بروجردي أكد أن هذه الخطوة مشروطة بإلغاء قرارات عقوبات مجلس الأمن.
ما يعني أنه على الوفد المفاوض أن يصيغ بنود الاتفاق النهائي بأسرع ما أمكن، ويحاول الحصول على ضمانات تكفل موافقة نواب البرلمان، وإرضاء منتقدي الوفد المفاوض. ولا يُمكن أن تتحقق هذه الضمانات إلا بإلغاء العقوبات المفروضة على البلاد، التي لا يجد سياسيو إيران في استمرار فرضها أي مبرر، وخاصة إذا ما تم توقيع الاتفاق.