اتفاق "أبراهام": في التوقيت والرمزية

20 اغسطس 2020
+ الخط -

يندرج اتفاق أبراهام للسلام بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل ضمن تداعيات إنهاء الاتفاق النووي الإيراني ومن ضمن "إنجازات" صفقة القرن المشؤومة.

لم يستغرب الرأي العام الخبر، ولو أن الكثير تلقفه بمزيدٍ من الغصة والحرقة، فقد دأبت الجهتان على التمهيد لهذا اليوم منذ فترة، حين تم الإفصاح عن الرغبة في إحياء التواصل الدبلوماسي الذي تجلّى في التعاون شبه العلني في موضوع كورونا والتسلّح العسكري، متوّجاً مساراً طويلاً من الجهود والاتصالات السرية.

وتماشياً مع طموحها لتحقيق الريادة في جميع المجالات، أقدمت الإمارات على هذه الخطوة لتصبح أول دولة خليجية تعلن التخلي العلني عن القضية الفلسطينية والتغاضي عن جرائم العدو.

لا بد من الوقوف على دلالات هذا الاتفاق من ناحية التوقيت والرمزية، إذ يأتي على بعد شهرين من الانتخابات الأميركية، وفي خضمّ التخبط السياسي الذي يعاني منه نتنياهو في الداخل.

ليس صدفة الإعلان عن الاتفاق عشية ذكرى انتصار حرب تموز 2006 لينسي العالم هذا التاريخ ويُعيد لإسرائيل بضعاً من كرامتها، معلناً تجاوزها لعنة الهزيمة التي لازمتها على مدى 14 عاما

لم يكن صدفةً الإعلان عن هذه الصفقة من خلال حساب الرئيس الأميركي على تويتر، مؤشراً إلى الدور الأميركي المباشر في تخصيب الأرضية لهذا الاتفاق، وبالتالي يُحسب لترامب الفضل في إتمامه، مسترضياً بالتالي اللوبي الصهيوني في أميركا الذي غالباً ما يكون دعمه هو الفاصل في الانتخابات.

أما في تل أبيب، فجُلّ ما يحتاج إليه نتنياهو الآن هو نصر بهذا الحجم، ليشتت نظر شعبه المحتج على فساده وفشله في الحكم، خاصة أن هذا الإنجاز الدبلوماسي يتمتع ببعدٍ اقتصادي قد ينفّس احتقان الشارع ويزيحه عن كاهله. إماراتياً، تأتي هذه الخطوة في سياق تنفيذ أحد بنود صفقة القرن، بالإضافة إلى الإعلان الصارخ، باسم عملية عاصفة الحزم، عن التمترس في المحور المُعادي لإيران.

يتجسّد البعد الاقتصادي الآنف ذكره من خلال مغانم التبادل المنشودة بين الجهتين في مجالي الاستثمار والسياحة، مما سيساهم حتماً في انتشال الجهتين من مآزق جمة تصيب اقتصاديهما.

فلطالما أغرت الإمارات المستثمرين الصهاينة، لما تُوفّره من تسهيلات، ولدورها كوجهة وملتقى لأكبر الشركات العالمية، خاصة على أبواب إكسبو 2021. كما تُشكِّل تل أبيب سنداً تكنولوجياً علمياً متقدماً للإمارات، في ظل جهود الأخيرة لتحقيق التفوق العلمي والفضائي. وفي السياحة، تستبدل تل أبيب بأمنها ومناخها وطبيعتها العواصم العربية الغارقة في الأزمات كقبلة سياحية جديدة للإماراتيين، وتكون دبي ملاذاً قريباً جيوغرافياً للإسرائيليين، ومغرياً لما تحتضنه من مشاريع وأحداث عالمية.

أما في الجانب العسكري، فالمنفعة أحادية الجانب، إذ أن الإمارات هي الجهة التي تحتاج إلى استغلال التقدم العسكري لإسرائيل، لتعزيز قدراتها وخبراتها وعتادها في حرب اليمن التي أرهقت كاهلها وتجبرها على التصرّف سريعاً لوقف النزيف العسكري والمالي الناتج عنها، بالإضافة إلى تجهيزها المستمر لحربٍ محتملة مع إيران. وعلى الرغم من تردّي وضع الإمارات الاقتصادي جراء كورونا وتدهور أسعار النفط، إلا أنها لن تتردد في الاستدانة من منقذتها أبوظبي لتلبية احتياجاتها العسكرية باهظة الثمن.

ولهذا الاتفاق أيضاً رمزية واضحة المعالم لا يمكن الغفول عنها لما يحمله من رسائل مبطنة. ليس صدفة الإعلان عنه عشية ذكرى انتصار حرب تموز 2006 لينسي العالم هذا التاريخ ويُعيد لإسرائيل بضعاً من كرامتها، معلناً تجاوزها لعنة الهزيمة التي لازمتها على مدى 14 عاما. كما يطل علينا هذا الإعلان على شكل صك براءة لإسرائيل يحصّنها دبلوماسياً من تهم الضلوع في إنفجار الـ4 من أغسطس/آب في بيروت، تزامناً مع استقبال بيروت طائرة مساعدات إماراتية.

استنباطاً من كل هذا، لا بد من ملاحظة الدور الإماراتي الذي يقوم على نسج اتفاقات "مصلحجية" مع جميع الأطراف من سورية إلى إسرائيل، والبقاء على مسافة قريبة من كل المحاور، سعياً وراء المطامع المالية بالدرجة الأولى. كما يجب التنبّه إلى أن هذا الاتفاق لا يتم إلا بمعرفة وبركة المملكة، وبالتالي هو قناع لتوجّه جديد سوف تتبنّاه دول مجلس التعاون، وقد بدأ الحديث عن حذو دول أخرى حذو الإمارات. وللحديث تتمة.

مدون من لبنان
بلال خريس
كاتب وباحث لبناني.. أعمل في مجال الموارد البشرية، أسست صفحة The Street Pulse على إنستغرام وتويتر لإستطلاع الآراء ونبض الشارع