اتفاقية تقاسم السلطة الأفغانية مهددة... وتدخّل أميركي لمنع انهيار

29 اغسطس 2016
يخشى معسكر عبد الله القضاء على نفوذه(فرشاد أوسيان/فرانس برس)
+ الخط -
تستفحل الخلافات بين رموز حكومة الوحدة الوطنية الأفغانية، وبالتحديد بين الرئيس أشرف غني، وبين الرئيس التنفيذي عبد الله عبد الله، اللذين تنافسا في الانتخابات الرئاسية عام 2014، مدفوعة بأسباب عدة.
بدأت الخلافات تخرج إلى العلن بعد انتقادات شديدة وجهها الرئيس التنفيذي لرئيس الجمهورية، وتهديده غير المباشر بالاحتكام إلى الشارع، تبعها اجتماعه مع رموز سياسية وجهادية معارضة للرئيس الأفغاني. مع العلم أنه تم استحداث منصب الرئيس التنفيذي على أن يتم تحويله إلى منصب رئيس الوزراء بعد اتفاقية تقاسم السلطة التي تم التوصل إليها بين غني وعبدالله في عام 2014 بوساطة أميركية عقب الأزمة التي اندلعت مع إعلان كلا الطرفين عن فوزهما في الانتخابات الرئاسية.
أثارت انتقادات عبد الله عبد الله ردود أفعال متفاوتة، بين مؤيدة ومعارضة لها. كما دعا كثر من الساسة الطرفين إلى السعي لتهدئة الأوضاع، محذرين من أن الجماعات المسلحة هي التي تستفيد من الخلافات الموجودة التي قد تؤدي إلى انهيار الحكومة الحالية بحسب ما يعتقد البعض. وقد أثرت الخلافات سلباً على الوضع الأمني الهش في البلاد.



في العلن، رفع عبد الله ملفات وطنية مختلفة لتبرير وقوفه ضد غني، من بينها البطاقات الإلكترونية، وإجراء الإصلاحات في المنظومة الانتخابية وغيرها. لكن أسباب الخلاف بعيدة عن هذه الملفات، ولا يرغب الرئيس التنفيذي وأنصاره أن تخرج تلك إلى العلن.
ومن أبرزها قرارات الرئيس الأفغاني الأخيرة المرتبطة بتعيين وعزل عدد من كبار المسؤولين في الحكومة، بينهم كبار رموز معسكر عبد الله عبد الله. وكان طرح الرئيس الأفغاني عزل نائب رئيس الجمعية الإسلامية، الجنرال عطاء نور من منصبه حاكماً إقليم بلخ قد فجر الأزمة. لم يكن أمام عبد الله الذي ينتمي إلى الجمعية من خيار سوى الخروج ليعلن خلافاته مع غني، مطالباً بالعودة للعمل على الاتفاقية التي أبرمت بين الطرفين في عام 2014.
قيادة الجمعية الإسلامية أو بعبارة أخرى جبهة الشمال لا ترغب بالقضاء على نفوذها من خلال إبعاد نور الذي يمتد نفوذه إلى أقاليم عدة في الشمال. وتتهم جبهة الشمال الرئيس الأفغاني بأنه يسعى للقضاء على نفوذها وقوتها العسكرية والسياسية. وكان غني قد أكد أكثر من مرة أن القضاء على مراكز النفوذ، عدا الحكومية، من أولوياته، وأنه يريد أن يكون السلاح بيد الحكومة وحدها. ويدرك معسكر عبد الله وجبهة الشمال أن جمل الرئيس المكررة تشير إليهما.
يُذكر أن الجمعية الإسلامية كانت تتربع على معظم المناصب السيادية في البلاد، بالإضافة إلى نفوذها الواسع في الأروقة الحكومية والوزارات السيادية كالداخلية والدفاع منذ سقوط حركة طالبان. لكن تحركات الحكومة والتغييرات التي أجريت أخيراً أدت إلى استياء واسع لدى جبهة الشمال. وأعرب جلّ قادتها عن "حزنهم الشديد" إزاء موقف عبد الله الذي التزم الصمت طيلة الفترة حيال التحركات ضد رموز الجبهة. وكانت الجمعية تستعد لتعيين زعيم جديد لها، في حين كانت قيادات منها تطالب بسحب العضوية عن عبد الله عبد الله، متهمة إياه بالتغاضي عمّا يحدث للجمعية وقياداتها. وكان هناك تنافس بين عدد من القيادات على رئاسة الجمعية. بالتالي لجأ عبد الله إلى معارضة الرئيس كي يحافظ على نفوذه داخل الحزب، الداعم الرئيسي له في الوصول إلى هذا المنصب.

الحزب الإسلامي أحد أسباب الخلاف
بالإضافة إلى الأسباب السابقة، يعد وصول الحزب الإسلامي بزعامة قلب الدين حكمتيار إلى توافق مع الحكومة الأفغانية أحد أهم أسباب التصدعات بين غني وعبد الله. ووفقاً لمصدر مقرب من الرئاسة الأفغانية، فإن الرئيس تغاضى عن جميع مطالب بعض المسؤولين في الحكومة وقرر جعل الحزب ينخرط بالعملية السياسية في البلاد. وقد أدى هذا الأمر إلى إثارة حفيظة قيادة جبهة الشمال ومنهم عبد الله. وكان الحزب الإسلامي قد خاض حروباً دامية، خلال ثمانينيات القرن الماضي وحتى وصول طالبان إلى الحكم، مع الجمعية الإسلامية بزعامة الراحل برهان الدين رباني رئيس جمهورية أفغانستان إبان فترة المجاهدين.
يدرك عبد الله وأنصاره أنّ الحزب الإسلامي لا يزال يحتفظ بنفوذ واسع شعبياً، لا سيما في العاصمة كابول وجوارها. وبالتالي فإن انتقال حكمتيار إلى كابول ودخوله في العملية السياسية سيؤثران، إلى حد ما، على نفوذ معسكر عبد الله في الحكومة.
وفي السياق، أكد المصدر المقرب من الرئاسة الأفغانية لـ"العربي الجديد" أن عبد الله طلب خلال اجتماعه الأسبوع الماضي بالرئيس الأفغاني أن يبرم الصلح مع حزب حكمتيار، لكن بشرط أن لا يكون له نفوذ في الحكومة. كما قررت الجمعية الإسلامية في اجتماعاتها الأخيرة شنّ حملة إعلامية ضد الحزب والتوافق بينه وبين الحكومة. وفي الأيام الأخيرة، نشرت بعض وسائل الإعلام، نقلاً عن مسؤولين في الحكومة، أن الرئيس الأفغاني التقى خفية بحكمتيار في إقليم لوجر المجاور للعاصمة. لكن تبين أن الخبر غير صحيح وغير دقيق، وهدفه النيل من عملية المصالحة الأفغانية. وبسبب الخلافات الداخلية، أشارت تسريبات عدة إلى أن الرئاسة الأفغانية قررت أن تكون الاتفاقية بين الرئيس الأفغاني وبين حزب حكمتيار وليس بين الأخير وحكومة الوحدة الوطنية.

غني لا يصغي لمطالب عبد الله
في غضون ذلك، أشارت التسريبات إلى أن ما جرى خلال اللقاء الأول بين الرئيس الأفغاني والرئيس التنفيذي الأسبوع الماضي، كان خلافاً لما كان يرغب فيه الأخير. إذ أن غني لم يتحدث كثيراً، إنما سمع مطالب عبد الله، ثم أخبره أنه سيقرأ مجدداً الاتفاقية المبرمة بين الطرفين بشأن حكومة الوحدة الوطنية ثم يطلعه على النتائج في الاجتماع المقبل، دون أن يحدد حتى الآن موعداً لاجتماع آخر.
من جهته، أفاد أحد المقربين من الرئيس التنفيذي، في حديث لـ"العربي الجديد" بأن السفير الأميركي لدى كابول مايكل ميكنلي أبدى امتعاضه الشديد إزاء مواقف عبد الله أثناء الاجتماع به. ووفقاً للمصدر، فإن السفير الأميركي أوضح أن بلاده لن تسمح بانهيار الحكومة الديمقراطية، وأنها تساند الرئيس المنتخب لأفغانستان. ويبدو أن الأمور هدأت بعد اجتماعات عقدها مسؤولون أميركيون بعبد الله.
لكن رئيس الاستخبارات الأفغانية السابق، أمر الله صالح، القيادي في الجمعية الإسلامية وأحد المقربين من عبد الله، أعلن أن عبد الله لا يزال مصراً على موقفه، ويريد تطبيق الاتفاقية المبرمة بينه وبين غني، ومن بنودها انعقاد الاجتماع القبلي الموسع من أجل تحويل منصب الرئيس التنفيذي إلى منصب رئيس الوزراء.

عبد الله يحاول ترميم الصف الجهادي
في هذه الأثناء، عقد عبد الله اجتماعات مكثّفة مع أنصاره من القيادات الجهادية ورموز في الأحزاب السياسية المختلفة. لكن بسبب بعض مطالبه أعرب كثر من الساسة عن امتعاضهم الشديد، مناشدين إياه عدم اللجوء إلى العنف، أو أية حركة تخالف مصالح البلاد. كما أكد مصدر مقرب من القائد الجهادي السابق، زعيم جماعة الدعوة، عبد الرب رسول سياف، أن الأخير طلب من عبد الله خلال اجتماعه به تجنب أي عمل أحادي لا يأخذ مصالح البلاد بعين الاعتبار. كما نبه عبد الله إلى أن مصالح البلاد العليا هي الأهم من كل شيء، ما يشير إلى أن الرئيس التنفيذي يفتقر إلى التأييد الداخلي أو الخارجي.
في المقابل، تمكن الرئيس الأفغاني من إقناع المجتمع الدولي بأنه يسعى لمحاربة الفساد وتقوية النظام الديمقراطي في البلاد، على الرغم من وجود ثغرات كثيرة في تعامله مع الملفات المهمة. داخلياً أيضاً، تبدلت الآراء بشأنه عقب المشاريع الاقتصادية الأخيرة التي دشتنها الحكومة الأفغانية. كما أن الرأي العام السائد في البلاد يعتبر أن الخلافات بين غني وبين عبد الله هي العقبة الوحيدة في وجه تلك المشاريع.
المساهمون