اتفاقية "سيداو"... انقسام متجدد في السودان حول حقوق المرأة

30 أكتوبر 2019
المرأة السودانية شاركت بقوة في الحراك الثوري(إبراهيم حميد/فرانس برس)
+ الخط -

أحدث إعلان الحكومة السودانية الأخير عن عزمها التوقيع على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) انقساماً في الأوساط السياسية والقانونية والدينية، ما قد يضع صعوبات مرة أخرى أمام عملية التوقيع نفسها

طوال فترة حكمه، ظلّ نظام الرئيس السوداني المعزول، عمر البشير، يرفض التوقيع على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو). لكنّ تصريحات نسبت لنعمات الحويرص، وزيرة الدولة بوزارة العدل، في أواخر شهور النظام السابق، أعلنت فيها عن نية السودان المصادقة على الاتفاقية، لكنّ سقوط النظام سبق أيّ توقيع.

أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاتفاقية، ووقع عليها كثير من الدول، لكنّ دولاً مثل الولايات المتحدة لم تصادق بعد على الاتفاقية، فيما رفضتها دول، أبرزها إيران والفاتيكان والصومال والسودان، فيما صادقت عليها السعودية وتونس والبحرين، مع تحفظات على بنود تراها مخالفة للشريعة الإسلامية.




وفي حديث لها قبل أيام، أكدت وزيرة العمل والرعاية الاجتماعية في الحكومة السودانية الحالية، لينا شيخ الدين، أنّ السودان يخطط للانضمام إلى الاتفاقية. وهو ما أكده قبل أيام أيضاً، وزير العدل، نصر الدين عبد الباري، في حديث له في حفل تدشين قاعدة بيانات قضايا العنف ضد المرأة، مؤكداً توجيه رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، بالانضمام إلى كلّ الاتفاقيات الدولية والمصادقة عليها. وأكد عبد الباري التزام الحكومة بإنهاء جميع القوانين التي تضطهد المرأة، والعمل على إلغاء قانون النظام العام، وإجراء التعديلات في القوانين التي لا تتماشى مع المواثيق والاتفاقيات الدولية.

يعتبر معارضون للاتفاقية أنّ التوقيع عليها من جانب السودان يُعدّ جريمة بحق الأسرة، لمخالفتها مبادئ الشريعة الإسلامية، وشرعنة العلاقات الجنسية خارج الزواج، والسماح بزواج غير المسلم من المسلمة، ومنع تعدد الزوجات، فضلاً عن تحفظات أخرى على عدد من البنود.
يقول المحامي المعز حضرة، إنّه سأل كثيرين ممن يعارضون الاتفاقية حول ما إذا كانوا قد قرأوها، فوجد أنّ معظمهم لم يفعل، بل بنوا أحكامهم على آخرين، مشيراً إلى أنّ دولاً إسلامية لا يشك أحد في إسلاميتها وقعت على الاتفاقية، إذ إنّ جميع دول منظمة التعاون الإسلامي وعددها 54 دولة، ما عدا السودان والصومال، وقعت، في حين وقعت عليها عالمياً 189 دولة من أصل 197.

يوضح حضرة لـ"العربي الجديد" أنّ كلّ الاعتراضات ضد الاتفاقية تقوم على أساس غير موضوعي من بعض رجال الدين والتيارات الإسلامية التي تتناسى أنّ الإسلام كدين جاء مناصراً للمرأة، وألغى كلّ أشكال التمييز في حقها، مضيفاً أنّ المفاهيم الخاطئة للدين بالإضافة إلى التطرف هي وراء عدم مصادقة السودان على الاتفاقية. ويلفت إلى أنّ في إمكان السودان وأيّ دولة أخرى التحفظ على بنود الاتفاقية بعد التوقيع عليها، لا سيما إذا خالفت البنود الأديان والأعراف، ويؤكد حضرة دعمه المطلق لتوجه حكومة عبد الله حمدوك المصادقة على الاتفاقية مع التحفظ عل بعض البنود التي لا يمكن فرضها على الناس، مشيراً إلى أنّه حتى في سنوات الاستعمار البريطاني لم يفرض على السودانيين قوانين خاصة بالأحوال الشخصية في المسائل المرتبطة بزواجهم وتوزيع الميراث وقضايا أخرى.

من جهتها، تعتبر الناشطة، رباح الصادق المهدي، أنّ اتجاه الحكومة الانتقالية للمصادقة على "سيداو" تصرف منطقي لعدة أسباب، منها تنفيذ شعارات ثورة ديسمبر/ كانون الأول، التي استندت على خطاب نسوي مميز ومشاركة فاعلة للنساء. تضيف أنّ الحاضنة السياسية للحكومة، أي قوى إعلان الحرية والتغيير، حددت صراحة في البرنامج الإسعافي الذي سلمته لرئيس الوزراء منتصف الشهر الجاري، ضرورة التصديق على "سيداو" بالإضافة إلى البروتوكول الأفريقي للمرأة، والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، واتفاقية مناهضة التعذيب، وهي مواثيق وآليات دولية رفضت حكومة البشير، الانضمام إليها لأسباب تسلطية بحتة، ولحماية انتهاكاتها ومجرميها، بحسب وصفها. تضيف لـ"العربي الجديد" أنّ القول إنّ "سيداو" خطر على الثقافة الإسلامية والتبريرات الأخرى لرفض الاتفاقية، لا تتعدى كونها قراءات منكفئة للدين، يدفعها "تسلط ذكوري يتلبس لبوس الدين والأخير منه براء".

تؤكد أنّ معظم مسلمي السودان لا يرون مشكلة في الانضمام إلى "سيداو" لأنّها لا تتعارض مع الإسلام، وأنّ الانتقادات الفقهية الرائجة لها ناتجة عن منهج صوري بعيد عن مقاصد الشريعة، وأنّ من الضروري تعزيز حقوق المرأة ومنها "سيداو" بالأبعاد الروحية التي تجعل هذه الحقوق واجباً على الفرد أن يسعى له. تشير المهدي إلى أنّه مهما كان تحفظ بعض الجهات بدافع ديني أو ثقافي فيمكن مناقشة التحفظات والاتفاق حولها، وهي متاحة، أما رفض الانضمام إلى "سيداو" فهو بدافع سياسي محض لا علاقة له بالثقافة أو بالدين.

في المقابل، يوضح الدكتور إبراهيم الكاروري، الأمين العام لهيئة علماء السودان (هيئة تطوعية)، أنّ الاتفاقية عرضت قبل سنوات على مجمع الفقه الإسلامي، وناقشتها هيئة العلماء، وكلاهما توصل إلى توصية للحكومة بعدم التوقيع عليها، لأنّها تمثل قمة التهديد لأمن الأسرة والمجتمع، وتجافي الضوابط الشرعية، مع التوصية كذلك بإجراء حوار داخلي يستوعب مراجعة التشريعات والقوانين، إذا كانت تمسّ فعلاً بحقوق المرأة ووضعها في الدولة والمجتمع. يوضح الكاروري لـ"العربي الجديد" أنّ من أبرز البنود التي جرى التحفظ عليها في "سيداو" ذلك يبطل الأحكام والأعراف التي تميز ما بين الرجل والمرأة، حتى لو كان مصدرها الدين، كما البنود الخاصة بإلغاء ولاية الوالد على ابنته بعد وصولها إلى سنّ البلوغ ليكون للفتاة أن تفعل ما تريد من دون تدخل الوالد، بالإضافة إلى البنود التي تمنع تعدد الزوجات، مع عدم فرض العدة على المطلقة والمتوفي عنها زوجها، والقوامة، وبنود أخرى. ويشير إلى أنّ الحديث عن فرصة للتوقيع والتحفظ على بنود معينة أمر غير متاح في ظل قدرة الجمعية العمومية للأمم المتحدة على إسقاط أي تحفظ لاحقاً. ويبدي خشيته من أن يؤدي توقيع الحكومة الجديدة على الاتفاقية إلى توتر مجتمعي وفتنة واحتجاجات تصل إلى حدّ رفض شرعية الحكومة.




أما سهير صلاح، القيادية في حزب المؤتمر الشعبي، فتقول إنّ التوقيت نفسه غير مناسب لطرح "سيداو" التي نوقشت على مستوى منابر النساء السياسيات ونساء الأحزاب وعلى المستوى الأكاديمي، وانقسمت الآراء حولها انقساماً حاداً. وتشير إلى أنّ سودانيات كثيرات يرفضن الاتفاقية لأسباب تتعلق بالشرع وبالثقافة السودانية، واعتبارها "سيداو" تدخلاً في الشأن الداخلي. تضيف لـ"العربي الجديد" أنّ نصوصاً في الاتفاقية غير واضحة وتمس الأسرة، ما يفتح المجال واسعاً للاجتهاد والتشكيك. وتؤكد صلاح أنّ بقية البنود في ما يلي المساواة في الأجر والحق في العمل والتعليم ومنح الجنسية لابنها، والاقتراض من المصارف، والحق في التدريب والدراسة كلّها أمور متحققة بالدستور وبالقوانين المحلية بالسودان.
المساهمون