وتعتبر التظاهرات الأوسع والأكبر التي يشهدها الإقليم في تاريخه. وتمددت التظاهرات إلى 11 مدينة وبلدة داخل الإقليم أبرزها رانية، والتي تتمتع بمكانة روحية لدى الأكراد كونها أول مدينة انطلقت منها شرارة التمرد على حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين بعد غزو الكويت عام 1991 لتتسع إلى باقي المدن الكردية، ويطلق عليها محلياً "مدينة الانتفاضة".
وتتركز خارطة التظاهرات في مدن رانية والسليمانية وحلبجة وكفري وراوندور وكلار وجمجمال وسيد صادق وتكية وقلعة دزه وكويسنجق التابعة لأربيل، فضلاً عن مناطق أخرى قرب دهوك وأربيل مثل حمة وكورك وحرية وأوباد. ويتوقع أن تشهد اليوم الخميس مناطق أخرى تظاهرات مماثلة، أبرزها أربيل التي رفض محافظها منح ترخيص تنظيم تظاهرة وتوعد المخالفين.
وأدى دخول الحزب الشيوعي العراقي الكردي على خط التظاهرات عبر كوادره وقياداته إلى زيادة الزخم الحاصل فيها، إضافة إلى تأييد من أحزاب التغيير والجماعة الإسلامية للتظاهرات رغم تعرض مقراتهم للحرق والتدمير في أكثر من مدينة بينها مقرات رئيسية.
وقال مسؤول لجنة التنسيق للتظاهرات في مدينة السليمانية، عمر صلاح الدين شوان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن ما يجري "ثورة خبز" لا علاقة لإيران ولا لتركيا ولا لبغداد بها، فكل من خرج للشارع سبق أن جاع في بيته. وأضاف شوان "نعم التظاهرات عشوائية، وتحتاج إلى تنسيق ونتوقع أن تكون أكثر تنظيماً في الأيام المقبلة، وما جرى من عمليات حرق أو اقتحام لمقرّات حزبية رد فعل طبيعي من الشباب العاطل من العمل، والذي يرى أبناء المسؤولين يأكلون ويتمتعون في أوروبا وهو لا يقدر حتى على الزواج".
واعتبر أن ما وصفها بـ"مغامرة" الاستفتاء على انفصال الإقليم "زادت الطين بلة، والجوع يفتك بالناس، وخرجنا 40 مواطناً وناشطاً والآن المتظاهرون بالآلاف". ولفت إلى أن الهدف هو توسيع التظاهرات ودفع الناس لكسر حاجز الخوف والخروج للمطالبة بحقوقهم حتى إسقاط حكم العوائل داخل الإقليم"، واصفاً ما يجري بـ"ربيع كردي".
وفيما دافعت قوات الأمن الكردية عن موقفها باستخدام الذخيرة الحية ضد المتظاهرين قائلة إن عدداً منهم كان يحمل أسلحة رشاشة، نفى شوان صحة هذا الاتهام. وأوضح أن "إطلاق النار كان عشوائياً والدليل مقتل طفل كان مع والده خلال وقوفهم في التظاهرات". وحذر من أنّ "أي إطلاق نار جديد على المتظاهرين لن يزيد من التظاهرات إلا اتساعاً". وأوضح أن "جمهور التظاهرات هم من الموظفين، إذ يوجد نحو مليوني موظف بلا مرتبات منذ أشهر، ومئات آلاف العاطلين من العمل، وهناك أرامل وأيتام الحرب يموتون جوعاً، كلهم خرجوا مع الذين لا يجدون خدمات تليق بهم كبشر".
وشهد أمس الأربعاء حرق 23 مقراً حزبياً للاتحاد الوطني والتغيير والحزب الديمقراطي فضلاً عن إذاعة الجماعة الإسلامية "أف أم" في السليمانية و 7 مبان حكومية منها مباني قائممقامية ثلاث بلدات ومحطة كهرباء ومباني دائرتي بلدية.
ورفعت قوات الأمن الكردية حالة الإنذار القصوى في عموم مدن الإقليم. وشاهد مراسل "العربي الجديد" آليات مدرعة تدخل عدداً من المدن، أبرزها رانية وكويه وكلار في محاولة لضبط الأمن، إلا أن التظاهرات لم تتوقف رغم ذلك.
ويطالب المتظاهرون بدفع الحكومة مرتباتهم المتوقفة منذ خمسة أشهر وتوفير خدمات رئيسة كالماء والكهرباء، فضلاً عن فتح تحقيق بقضايا الفساد وإجراء الانتخابات بشكل سريع بعد إقالة الحكومة الحالية وتشكيل أخرى مؤقتة.
في هذه الأثناء، أعلنت حركة التغيير والجماعة الإسلامية في كردستان الانسحاب الكامل من حكومة الإقليم فضلاً عن تخلي حزب التغيير عن منصب رئيس البرلمان الذي يشغله القيادي فيها يوسف محمد بحسب بيان صدر عن الحزبين.
كما أوضحت عضو حزب التغيير ورد آراس لـ"العربي الجديد" أن الحركة لا تريد أن تكون شاهد زور على الإطلاق، والانسحاب من الحكومة أفضل، وتختار أن تكون إلى جانب الشارع.
من جهته، اعتبر عضو الجماعة الإسلامية، الشيخ أيوب علي بابكر، أن الحديث عن أيدٍ خارجية وراء التظاهرات مراهقة.
وأوضح بابكر أن الخارجين للشارع هم من الذين طفح كيلهم، معرباً في الوقت نفسه عن خيبة أمله من حرق وتدمير المحتجين لمؤسسات حكومية وحزبية.
من جهتها قالت عضو المجلس العام لحركة التغيير، كويستان محمد، في تصريح ترجمت "العربي الجديد" مقتطفات منه، إن "المجلس الوطني في الحركة، عقد سلسلة اجتماعات خلال اليومين المنصرمين، وقرر الانسحاب من الحكومة، واستقالة رئيس البرلمان من منصبه.
وأوضحت محمد أن قرار الحركة هو الانسحاب من حكومة الإقليم، بدون أن تنسحب الحركة من مجالس محافظات الإقليم، مؤكدةً أن الحركة مستمرة في خدمة أهالي السليمانية، وفي حال أدركت عجزها عن القيام بذلك فإنها ستنسحب من مجلس المحافظة.
من جهته، دعا السياسي الكردي البارز برهم صالح إلى مواصلة التظاهرات بطريقة سلمية والعمل على تشكيل حكومة مؤقتة بدل الحالية. وأوضح صالح، في رسالة وجهها للمتظاهرين، أن مطالبهم مشروعة لكن يجب تجنب عمليات حرق المقرات الحكومية والحزبية واستخدام العنف والالتزام بالسلمية. كما طالب بـ"تشكيل حكومة مؤقتة لضمان احتواء الموقف في الإقليم والتمهيد لانتخابات نزيهة".
من جهتها، قالت النائبة عن كتلة التغيير الكردية، سروة عبد الواحد، في بيان صحافي، إنّ "التظاهرات هي نتيجة طبيعية للقمع الذي تمارسه الأجهزة الأمنية في كردستان، ضد المواطنين، وكذلك فشل السلطة في توفير الخدمات للمواطنين"، معتبرة أنّ "حملة الاعتقالات التي تنفذها القوات الكردية وغلق القنوات الفضائية أسلوب بعثي دكتاتوري، لا ينفع في مثل هذه الظروف".
ودعت حكومة العبادي إلى "التدخل السريع لوقف حملة الاعتقالات التي تطاول المدنيين في السليمانية"، بينما دعا النائب عن الحركة، محمود رضا أمين، في مؤتمر صحافي، عقده بحضور نواب الحركة، "إلى تفعيل مذكرة اعتقال رئيس إقليم كردستان السابق مسعود البارزاني".
وأوضح أنّ "المذكرة صادرة بحقه بتهمة تعطيل برلمان كردستان"، مبيناً أنّ "المذكرة لم تفعّل لغاية الآن، ولا يجرؤ أحد على تفعيلها حتى في وسائل الإعلام، ويجب أن تفعّل".
قبضة أربيل ترتخي وبغداد قد تتدخل
في غضون ذلك، قال مسؤولون في الاتحاد الوطني الكردستاني إن اتساع رقعة التظاهرات أكثر من الحد الحالي لن يمكن حكومة الإقليم من السيطرة عليها، كون أغلب القوات الحالية محتشدة على أطراف الإقليم خوفاً من هجوم عراقي على مناطق أخرى تقول بغداد إنه متنازع عليها.
وقال عضو الاتحاد الوطني، هيمن حسين، "إن الحالة التي وصل إليها الإقليم هي بسبب البارزاني، وكنّا شبه دولة والآن تحوّلنا إلى محافظات مبعثرة ترتخي قبضة أربيل عليها". ووصف دور حكومة كردستان الحالية بأنها "تهتم فقط بعدم وصول التظاهرات إليها".
وفي السياق، دعا مجلس أمن الإقليم، الذي يرأسه مسرور البارزاني نجل مسعود البارزاني، في بيان له، "المواطنين إلى عدم إفساح المجال لأولئك الذين يسعون لتنفيذ أجندات سياسية واستغلال مطالب الناس المشروعة لتحقيق غايات أخرى".
وأضاف البيان أن "على شعب كردستان أن يلتزم بموقف واحد، وأن يوجه احتجاجه ضد ممارسات بغداد بحق إقليم كردستان وشعبه". ودعا البيان المواطنين لإدراك حساسية المرحلة وعدم إفساح الطريق أمام الذين يستغلون حاجات المواطنين لتخريب المؤسسات المدنية والحكومية وتنفيذ أجندات سياسية".
ودعت القنصلية الإيرانية في السليمانية مواطنيها إلى تجنب التظاهرات والابتعاد عنها، فيما أكدت مصادر أمن كردية تقييد حركة عدد كبير من الصحافيين والمراسلين الأجانب الذين دخلوا الإقليم منذ يومين براً عن طريق بغداد أربيل.
إلى ذلك، قال قيادي بارز في التحالف الوطني الحاكم في بغداد، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الحكومة قد تتدخل لضبط الأوضاع في الإقليم استناداً للدستور". ولفت إلى أن رئيس الوزراء حيدر العبادي يؤيد مطالب المتظاهرين في الإقليم ومع إقالة حكومة الإقليم الحالية وتشكيل أخرى مؤقتة". وأشار إلى أنه "في حال امتدت التظاهرات إلى أربيل سيكون من الصعب جداً إيقافها أو إخمادها".