21 نوفمبر 2024
اتساع المشاركة السياسية أم انحسارها؟
تضعنا المكاسب التقنية، الناتجة عن طفرة التواصل في تنوُّعِها وتطوُّرها المتواصلين، أمام علاماتٍ قويةٍ تؤشِّر إلى ميلاد عوالم وإشكالات جديدة في الحاضر الكوني. يحصل ذلك بدرجاتٍ متفاوتةٍ في مجتمعات الشمال والجنوب، في الغرب الأوروبي الأميركي في آسيا، وفي باقي دول العالم. ويترتَّب عن حصوله وتعميمه بناء مجموعة من الوسائط والآليات التي نعتقد أنه لا حدود لصوَر جمعها بين القارات في عالم متحرك، الأمر الذي نقلنا إلى عوالم متشابكة ومتفاعلة بصورة غير معهودة.
يُواصل مسلسل إبداع تقنيات متطوِّرة في مجال المعرفة والتواصل، اكتساحه وهيمنته على قِلاعٍ جديدة في الاقتصاد والسياسة والمجتمع والقيم. وتتحوَّل العلاقات الإنسانية والمجتمعية داخل شبكات هذا المسلسل الأخطبوطي، إلى مجموعة من العلاقات الْمُعَقَّدَة والمركَّبَة. ولأننا نمر اليوم داخل هذا المسار الجديد بطور تجريبي وأوَّلي، فلا أحد يستطيع التنبؤ بالنتائج والآثار التي يمكن أن تترتَّب عنه في حياتنا، وقد يتطلب الأمر عقوداً من الزمن ليتمكَّن البشر من إدراك التحوُّلات، التي ستلحق حياتهم وذهنياتهم، نتيجة للثورة التقنية الهائلة الحاصلة اليوم في عالمنا.
لا ينبغي أن نتصوَّر بسذاجة أن ما يحصل في هذا المجال يرتبط دائماً برغباتنا، وبما نريد فقط، بل إنه في كثير من جوانبه يرتبط أيضاً بحتمياتٍ معرفيةٍ وتقنيةٍ، تؤهِّله وتؤهِّل أدواته لإنتاج ما يمكِّنه من إِحْكَام سَطوته علينا، وعلى مجتمعاتنا، وبكثير من النعومة والسلاسة.
استأنسنا منذ سنوات بِقَبُول أن تكون الطَّفْرَة التكنولوجية في مجال الاتصال والتواصُل قد
ساهمت في التأثير بصور واضحة في مختلف جوانب حياتنا، في الاقتصاد والسياسة والتربية.. وترتَّب عن ذلك الإقرار بدور الشبكات الجديدة في دعم مبدأ المشاركة السياسية كآلية مُعَزِّزَة للخِيار السياسي الديمقراطي. حيث ساد اعتقاد يعتبر أن الفضاءات الافتراضية ساهمت، وتساهم، بقوَّة في تعزيز آليات المشاركة وتنويعها. وقد بلغ الأمر، في بعض الأبحاث والدراسات التي اهتَمَّت بتفسير حدث الثورات العربية، درجة اعتبر فيها دارسون كثيرون أنه لا يمكن فهم انفجارات 2011 في المجتمعات العربية، من دون استعمال مُتَغَيِّر الفاعل الشبكي ودوره في الإعداد لكل ما صاحب ويصاحب الانفجارات المذكورة وتداعياتها في مجتمعاتنا.
يُعَايِن المهتم بالتحوُّلات الحاصلة في المجتمعات العربية الصور الجديدة لمختلف مظاهر التفاعل الجارية في فضاء الشبكات العربية والكونية، بعوالمه اللاَّمحدودة وآلياته المرتِّبة لسماوات لا أوَّل لها ولا آخر، فقد أصبحت مجتمعاتنا منخرطةً في أمكنةٍ يتقاطع فيها فيض من التدفُّقات، المليئة بالصور والمواقف والكتابات المعبرة عن صور جديدة من المواقف واللغات التي لم يكن لها وجود قبل ثلاثة عقود.
يمكن أن نتوقَّف أمام مسألة المشاركة السياسية ونتساءل: هل يشكل نمط التفاعل الشبكي الجديد ما يعزِّز فعلاً مبدأ المشاركة الفاعلة والمنتجة داخل المشروع الديمقراطي؟ أم أن الأمر يُوحِي باتِّساع واضح في الظاهر، في مقابل انحسار فعلي في العمل الهادف إلى تطوير المشروع الديمقراطي وآلياته وأنماط حضوره؟
إن متابعة جوانب من تفاعلات التشبيك السائدة، وقد ازدادت كثافة وتوسعاً في السنوات الأخيرة، تبرز أن ما يجري في الفضاء الأزرق يحيل، فعلاً، إلى معارك لها علاقة بالمجال السياسي، حيث تحضر المُدَوَّنَات والرسوم الكاريكاتورية واﻠﭭﻴﺩيوهات، كما تحضر التغريدات، ويتم توظيف أشكال جديدة من الكتابة الساخرة، ومن المفردات المبتكرة لمواجهة الخصوم، الأمر الذي يُدْخِل المهتمين في سوق المشاركة في متاهاتٍ ودروبٍ تبعدهم عن الأهداف المتوخاة، من مبدأ المشاركة السياسية.
لا جِدال اليوم في أن العوالم الافتراضية أصبحت تصنع لصراعات الواقع في المجتمعات
البشرية صورا ونماذج تسمح بالقول بوجود عالمين متوازيين، عالم الصراع السياسي كما يجري في الواقع، وعوالم الصراع السياسي كما تنشأ وتتطوَّر وتتقاطع في الفضاءات الافتراضية، حيث نُعايِن أنماطاً من الكتابة والتصوير تؤدي، في أحيان كثيرة، إلى حصول اختلاطات وتداخلات، لا تُسْعِف بمعرفة ما يجري في شبكات التواصل، ولا تكشف عن نوعية علاقة محتوى الكتابة والصور المشار إليها بما يجري في الواقع.
تظهر معاينة متواصلة لموجات التفاعل السياسي الشبكي بوضوح أننا نواجه فعلاً مواقع ومواقف متصارعة، مواقع يواجه بعضها بعضاً بكثير من العنف الرمزي الذي لا علاقة له لا بمبادئ الحوار وقواعده، ولا صلة له، في الآن نفسه، بأخلاق المشاركة والتشارك في الاهتمام بقضايا الشأن العام. وبجوار ما أشرنا إليه، تدور أفلاك وهوامش تغرد بألسنة غريبة، وتستوعب كثيراً من اللغو المعزِّز لآليات التلاسن والتنافر، الأمر الذي يكشف كثيراً من الضوضاء وقليلاً من الرأي، فقد تحولت سماوات الإنترنت، بمختلف أسمائها، إلى فضاءاتٍ تؤسس لعالم مرتبط بعالمنا وأسئلتنا، وتؤسس، في الآن نفسه، لقيم لم نتمكَّن بعد من معرفة حدودها وقواعدها.
يُواصل مسلسل إبداع تقنيات متطوِّرة في مجال المعرفة والتواصل، اكتساحه وهيمنته على قِلاعٍ جديدة في الاقتصاد والسياسة والمجتمع والقيم. وتتحوَّل العلاقات الإنسانية والمجتمعية داخل شبكات هذا المسلسل الأخطبوطي، إلى مجموعة من العلاقات الْمُعَقَّدَة والمركَّبَة. ولأننا نمر اليوم داخل هذا المسار الجديد بطور تجريبي وأوَّلي، فلا أحد يستطيع التنبؤ بالنتائج والآثار التي يمكن أن تترتَّب عنه في حياتنا، وقد يتطلب الأمر عقوداً من الزمن ليتمكَّن البشر من إدراك التحوُّلات، التي ستلحق حياتهم وذهنياتهم، نتيجة للثورة التقنية الهائلة الحاصلة اليوم في عالمنا.
لا ينبغي أن نتصوَّر بسذاجة أن ما يحصل في هذا المجال يرتبط دائماً برغباتنا، وبما نريد فقط، بل إنه في كثير من جوانبه يرتبط أيضاً بحتمياتٍ معرفيةٍ وتقنيةٍ، تؤهِّله وتؤهِّل أدواته لإنتاج ما يمكِّنه من إِحْكَام سَطوته علينا، وعلى مجتمعاتنا، وبكثير من النعومة والسلاسة.
استأنسنا منذ سنوات بِقَبُول أن تكون الطَّفْرَة التكنولوجية في مجال الاتصال والتواصُل قد
يُعَايِن المهتم بالتحوُّلات الحاصلة في المجتمعات العربية الصور الجديدة لمختلف مظاهر التفاعل الجارية في فضاء الشبكات العربية والكونية، بعوالمه اللاَّمحدودة وآلياته المرتِّبة لسماوات لا أوَّل لها ولا آخر، فقد أصبحت مجتمعاتنا منخرطةً في أمكنةٍ يتقاطع فيها فيض من التدفُّقات، المليئة بالصور والمواقف والكتابات المعبرة عن صور جديدة من المواقف واللغات التي لم يكن لها وجود قبل ثلاثة عقود.
يمكن أن نتوقَّف أمام مسألة المشاركة السياسية ونتساءل: هل يشكل نمط التفاعل الشبكي الجديد ما يعزِّز فعلاً مبدأ المشاركة الفاعلة والمنتجة داخل المشروع الديمقراطي؟ أم أن الأمر يُوحِي باتِّساع واضح في الظاهر، في مقابل انحسار فعلي في العمل الهادف إلى تطوير المشروع الديمقراطي وآلياته وأنماط حضوره؟
إن متابعة جوانب من تفاعلات التشبيك السائدة، وقد ازدادت كثافة وتوسعاً في السنوات الأخيرة، تبرز أن ما يجري في الفضاء الأزرق يحيل، فعلاً، إلى معارك لها علاقة بالمجال السياسي، حيث تحضر المُدَوَّنَات والرسوم الكاريكاتورية واﻠﭭﻴﺩيوهات، كما تحضر التغريدات، ويتم توظيف أشكال جديدة من الكتابة الساخرة، ومن المفردات المبتكرة لمواجهة الخصوم، الأمر الذي يُدْخِل المهتمين في سوق المشاركة في متاهاتٍ ودروبٍ تبعدهم عن الأهداف المتوخاة، من مبدأ المشاركة السياسية.
لا جِدال اليوم في أن العوالم الافتراضية أصبحت تصنع لصراعات الواقع في المجتمعات
تظهر معاينة متواصلة لموجات التفاعل السياسي الشبكي بوضوح أننا نواجه فعلاً مواقع ومواقف متصارعة، مواقع يواجه بعضها بعضاً بكثير من العنف الرمزي الذي لا علاقة له لا بمبادئ الحوار وقواعده، ولا صلة له، في الآن نفسه، بأخلاق المشاركة والتشارك في الاهتمام بقضايا الشأن العام. وبجوار ما أشرنا إليه، تدور أفلاك وهوامش تغرد بألسنة غريبة، وتستوعب كثيراً من اللغو المعزِّز لآليات التلاسن والتنافر، الأمر الذي يكشف كثيراً من الضوضاء وقليلاً من الرأي، فقد تحولت سماوات الإنترنت، بمختلف أسمائها، إلى فضاءاتٍ تؤسس لعالم مرتبط بعالمنا وأسئلتنا، وتؤسس، في الآن نفسه، لقيم لم نتمكَّن بعد من معرفة حدودها وقواعدها.