ابتسامة سالي زهران

25 يناير 2015
شارع محمد محمود في 23 يناير2013، تصوير: أميرة الطحاوي
+ الخط -

عامان في مصر، و أنا أبحث في وجوه صباياه عن سالي زهران، أريد التعرف على إحداهن فحسب، لألبي رغبة تلك الصديقة الدمشقية التي قالت لي قبل يوم من سفري، "إن رأيت ما يشبه سالي، فقَبله وقل له هذه من سورية و صباياها". صباياها اللاتي صرن خلال عامين بعد سالي، رفاقاً لها في حب الحرية والرغبة بها والموت في سبيلها.

سالي التي تجبرني كلما مررت بقرب صحيفة "الجمهورية" في مصر أن أقف مطولاً قُرب صورة شهداء ثورة يناير المعلقة مثل شمعة للمصريين الراغبين بالتذكر أو النسيان على السواء.

توجعني سالي اليوم، ليست هي على وجه الدقة ما يؤلم، ربما شيء يشبهها لكنه أكبر كثيراً، إذ يصل إلى مساحة أوطان سُرق حق أبنائها في القصاص من قَتَلَتِها. تنظرُ سالي بابتسامتها المعتادة في صورتها، لكن هناك ما يثيرُ الاضطراب في نظْرَتِها، تهمسُ لشوارع بلادنا المليئة بالدماء التي استيقظت فجأة على وقع ضجة الحلول السياسية البلهاء القاتلة لأحلام الحرية.

تقول للأرض أريد أن أنام، ها هنا حلم الحرية أجمل تحت التراب، لا راديكالية تفسده علينا، ولا إسلاميون يسرقوه منا، ولا متنفذون يستغلون رغبتنا بالخلاص لسرقتنا.

أتركها لنومها، أغطيها بصمت، أذهب وأفتح حساب الفيسبوك وأعيد ترتيل ما كتبته صديقتي الشاعرة رشا عمران عن سالي زهران بعد استشهادها ذات يوم: "ها أنا ذا سالي زهران/ أعلو /وأعلو/ وأعلو/ وأختفي/ بينما شعري البري/ يتطاير مع الهواء/ مكشوفاً كما الشمس/ساطعاً كما الحقيقة/ خالداً كأرض مصر".

"خالداً كأرض مصر"، أمسك هذه العبارة من طرفها، وأدورها تحت قلمي باحثاً عن كلمات تحاكي الشاعرة، فأنطلق عبر مفهوم الخلود، لأجد نفسي قد وطأت أرض دمشق، وتلقفت تراب حلب في يدي، وأنجزت وعدي بزيارة عاصي حمص، أنساب مع هذا الخلود، كرقرقة دماء شهدائنا الكُثر، ملتمساً في كل انحدارٍ، قصة أحدهم التي تشبه في تكوينها ما حيك عن سالي من روايات الموت، رغم أن النهاية واحدة.. شهادة على جدارالحرية.

أعلو.. أعلو كما المفردات التي تزين شاهدة قبر ما، أدق أبوابهم هناك في العالم الذي لا أراه ويرونه، فأراهم و يروني كصوفي وصل إلى الله دون أوراق سفر، تخرج إليّ سالي وقد لفت حول يدها شعاراً صغيراً عن ثورة سوريا، وصل إليها عبر أحد اللاحقين بها.

تبتسم لي سالي، تحرك ثغرها دون صوت، لكنني أشعر بعبارتها تقولي لي، "ما خرج شعب إلا وانتصر، وما سقط حاكم إلا واندثر".

أُقرب يدي من يدها لأصافحها قبل أن يسرقني منها صحو مخطئ في توقيته. تمدها مشيرة لي أن اقرأ.. أحرفاً مرتبكة فهمتها أخيراً: "يسقط كل من خان، يسقط في كل البلدان، يسقط كل من خان".

تودعني.. تغلق بابها فاتحةً أبواباً أخرى لي، أستند إلى جدار الحلم، عائداً إلى نفسي، وإذا بي قد فتحت على ملف ملأته بصور كل شهيد عرفته في سوريا، أسماء كثيرة، وصور تعادلها، بعضهم مات برصاصة، وآخرون بالقصف، وجزء تحت التعذيب، لكنهم جميعاً اشتركوا مع سالي بالابتسامة ذاتها التي أيقنت قبلنا جميعاً أن الظلم لا يدوم.


* صحافي سوري مقيم في مصر

المساهمون