ابتسامة الموت.. هل تعني شيئاً؟

06 يناير 2017
جيفارا (MARC HUTTEN/ فرانس برس)
+ الخط -

لطالما أثارت الابتسامة التي ترتسم على وجوه الموتى العديد من التكهنات والتصورات، غالبها يصب في تفسيرها باعتبارها دليلَ صلاح الميت وصدقه وصحة معتقداته، خصوصًا لو تم ذلك في مشهد ملحميٍ، وصاحبته شعارات القضية المقدسة.

تستغل الحركات الجماهيرية، ولا سيما المتطرفة منها، هذه الابتسامة وتستخدمها في تسويق خطابها الأيديولوجي، وتدلل بها على صوابية معتقداتها. يزيد تأثير هذ الخطاب حينما يقترن بجاذبية الصورة وسردية الموت المقدس، وما يجده "الشهيد" من الخلود الأبدي.

تقدّم مواقع التواصل الاجتماعي القنوات التي تصل بها الرسالة إلى جمهور المستهدفين. لهذا، يمكن ملاحظة عشرات المقاطع المصورة المنتشرة لتلك الابتسامة مع تعليقات حول الحركات التي ينتمون لها. وبما أن أدبيات الشهادة والشهداء والموت في سبيل الله تمتلك أرضية خصبة في وعي الإنسان المسلم؛ فإن تأثير الرسالة يكون أكثر عمقًا ومصداقية لدى الشباب المحبط من كل الأوضاع المأساوية المحيطة به.

لكن يبقى السؤال الملح الذي لا يكاد يطرحه أحد، هل حقًا ابتسامة الموتى تدل على أي شيء مما سبق ذكره؟ بمعنى هل تعني حقاً حُسن سير وسلوك الميت في حياته، وصحة معتقداته ومبادئه، وحُسن خاتمته، والنعيم المقيم الذي ينتظره بعد مماته.

إن كان الأمر كذلك، فكيف يمكن تفسير التباين الكبير والتناقض في المعتقدات والأفكار والمبادئ لأعداد كبيرة من الموتى وقد ارتسمت على محياهم ابتسامة بعد الموت؛ فهذا مسلم، وذلك مسيحي، وآخر ملحد، ورابع بوذي، وكلها صور متوفرة على الإنترنت. من أشهرها، الصورة التي التقطها الصحافي مارك هوتان، تلك الصورة التي يظهر فيها تشي غيفارا بعد قتله، ممدداً بزيه العسكري، عيناه مفتوحتان، وعلى شفتيه ترتسم ابتسامة هادئة. "أتباع" غيفارا يمكنهم أن يبرروها على أنها دليل صحة معتقد الرجل ومبادئه التي طالما نادى بها، لكن ماذا عن أصحاب المعتقدات الأخرى؟

لم يشغل موضوع الابتسامة المسلمين فحسب، بل هناك من بحث فيه كما فعلت الدكتورة ماريانا لافرناس Marianne LeFrance في كتابها الذي نشر عام 2011 why smile?The science behind facial expression "لماذا نبتسم؟ السر العلمي وراء تعابير الوجه"، حيث تقول في الصفحات 224-226 إننا نجد على وجوه بعض الأموات ابتسامة مرسومة على شفاههم والموضوع له أكثر من تفسير، فالدماغ البشري بطبيعته يخزن الإشارات، خصوصًا المتكررة منها والمرتبطة بالعادات والممارسات اليومية ومنها الابتسامة، وبالتالي الشخص الذي تعود على الابتسام قد تكون هذه آخر الإشارات التي يرسلها دماغه إلى عضلات وجهه عند الموت؛ فيموت مبتسمًا.

توضّح لافرناس أن هناك سببًا آخر لاحظه باحثون في دراسات نظرية إدارة الرعب "Terror management theory" التي تفسر طبيعة البشر في التخلص من التفكير في الموت، والقدرة على طرد فكرة الموت من الأساس، وتوصلوا إلى أن التفكير بقيمة الموت يتحقق من خلال الاعتقاد الديني بغض النظر عن تفاصيل المعتقد، وبالتالي تكون تعابير من يؤمن بالموت أكثر ارتياحًا في اللحظات الأخيرة، وتظهر على بعضهم ملامح الابتسام.

يبحث الإنسان في سعيه الدائم عن إجابة على تساؤلات محيرة حول معجزات أو إشارات تمثل رسائل خفية تريحه من عناء الشك وألمه وإرباكه، ليدخل في منطقة الراحة التي عهدها، وهذه الآلية أشبه ما تكون بآلية الطيار الآلي الذي يسيره في مسار واضح محدد. وتمثل ابتسامة الموتى نموذجًا صارخًا لهذا البحث الدائم.

إذاً ابتسامة الإنسان عند موته قد تدل على شجاعته وبسالته، وإيمانه المطلق بمعتقداته، وقد تدل على عاداته الإيجابية التي ألفها كالابتسامة الدائمة، أو حتى تجهزه للموت وقبوله به، ولكنها لن تدل بأي حال من الأحوال على صحة معتقده، أو صوابية الراية التي ينضوي تحتها، أو "قبوله عند الله".

المساهمون