ربطت بعض التقارير بين اسم المدير الفني لإشبيلية أوناي إيمري وتدريب ميلان الإيطالي الموسم القادم؛ خلفاً للمغادر في كل الأحوال بنهاية الموسم فيليبو إنزاجي.
ميلان يمر بمرحلة سيئة جداً لم يصادفها منذ هبوطه في بدايات الثمانينيات، حتى إن الفريق اقترب كثيراً من فقدان الأمل الواهن أصلاً في الوصول للمركز السادس المؤهل للدوري الأوروبي؛ ما يجعل بطولات أوروبية للموسم الثاني على التوالي بدون النادي الروسونيري؛ تاركاً مهمة تمثيل إيطاليا لآخرين، لكن لماذا أوناي إيمري؟
أسباب اقتصادية
أوناي إيمري ليس من فئة المدربين باهظي الثمن؛ والذين لا يبدو أن ميلان عازم على جلب أحدهم، فقد انكفأ النادي الإيطالي على منح فرصتين متتاليين لاثنين من نجومه السابقين معدومي الخبرة التدريبية؛ وهو ما يفسر اتجاهات النادي المالية.
المدرب الباسكي يتقاضى حوالي مليوني يورو سنوياً من إشبيلية؛ وهو رقم يعكس قناعة الرجل بعدم تحميل ناديه أكثر مما يحتمل .. الأمر لا ينسحب على الراتب فقط بل يمتد لما هو أكثر.
الرجل الذي لم يعش مسيرة كروية مميزة كلاعب، شاهد الأندية التي يدربها وهي تضطر للتخلي عن أفضل لاعبيها .. في فالنسيا شاهد إيمري الفريق مضطراً لبيع دافيد فيا ودافيد سيلفا في موسم واحد، لكنه لم يبدِ تذمراً كبيراً في وسائل الإعلام حتى مع بيع خوان ماتا في الموسم التالي.
وفي إشبيلية لم يختلف الحال كثيراً .. إيمري تابع فريقه وهو يتخلى عن إيفان راكيتيتش ومن قبله خيسوس نافاس، لكنه لم يخلق مشاكل كبيرة .. على الأقل علانية.
ولتقريب الأمور على القارئ من التوجهات الإيطالية، يمكن تشبيه إيمري بماسيميليانو أليجري الذي شاهد الروسونيري يتخلى عن زلاتان إبراهيموفيتش وتياجو سيلفا، دون أن يقرر الاستقالة أو على الأقل يملاً الدنيا صراخاً؛ كما فعل بعض المدربين من قبل في مثل هذه المواقف أو على الأقل خرجوا علانية للمطالبة بصفقات للتعويض، وأقرب مثال على هذا الأمر ما قام به رافا بينيتيز إبان توليه تدريب الإنتر.
4/2/3/1 دستوره
يعتمد الرجل -الذي لم يعش مسيرة كروية مزدهرة كلاعب- خطة 4/2/3/1 دستوراً له أينما ارتحل، ومهما كان الفريق الذي يُدرّبه ومهما كانت عناصره.
في فالنسيا وجد إيمري الأمور مهيأة تماماً لهذه الخطة، فالفريق كان دائم الاعتماد عليها من قبل وصوله سواء مع رافا بينيتيز أو كيكي فلوريس أو آخرين، كما وجد عنصراً هاماً جداً يمكن البناء عليه؛ وهو دافيد سيلفا الذي اشتد عوده مع إيمري، وبات صانع ألعاب الفريق الأوحد، بعد أن كانت بدايته كجناح أيسر.
لكن الحقيقة أن إيمري دائم الرغبة في اللعب بلاعب وسط محوري يجيد صناعة اللعب، فقام بإلغاء ما كان يعتمده سابقه كيكي فلوريس باللعب بمحورين دفاعيين بشكل كبير، عندما كان يُشرك ألبيلدا ومعه مارشينا أو يقوم باختيار روبين باراخا الذي ازداد ميلاً للدفاع، بعد أن تقدم في السن، ولم يعد قادراً على أداء الدور الهجومي بنفس الجودة التي كان عليها في عصر رافا الذهبي.
لذلك وجد إيمري ضالته في إيبر بانيجا .. ذلك الأرجنتيني القادم من بوكا جونيورز؛ والذي قرر إيمري أن يكون هو قائد وسطه، ولأن الشاب اللاتيني العابث كان مستهتراً في بعض الأحيان، كانت المنافسة واضحة من جانب البرتغالي مانويل فيرنانديز؛ وهو الذي يشبه بانيجا في طريقة اللعب، سواء في قدراته الفردية العالية أو رؤيته المميزة للملعب أو حتى في إجادة اللعب بكلتا القدمين.
المنافسة حُسمت لبانيجا في النهاية، لكن الأمور كانت واضحة للجميع.. إيمري لا يفضل اللعب بمحورين دفاعيين؛ وهو ما ظهر واضحاً في رغبته الشديدة في جلب بانيجا لإشبيلية فور انفصال الأرجنتيني إكلنيكياً عن الخفافيش، وإعارته للبوكا قبل أن يبيعه فالنسيا للنادي الأندلسي.
إيمري حاول تكرار تجربة فالنسيا بنفس الطريقة مع إشبيلية هذا الموسم، بعد أن استقدم أيضاً دينيس سواريز من برشلونة معاراً، لكن الشاب اليافع لم يستطع تحمل مسؤولية فريق كامل بسبب قلة خبرته، ليلجأ إيمري إلى إشراك فيثنتي إيبورا في مركز صانع الألعاب المتقدم، وكل هذا من أجل الإبقاء على بانيجا في نفس مركزه المحوري، رغم أن المنطق يقول إن التبديل بين بانيجا وإيبورا هو الأقرب.
وإن نظرنا إلى الوضع الحالي لميلان، فإنه لا يوجد لاعب شبيه بإيبر بانيجا، فصانع الألعاب المحوري الوحيد هو ريكاردو مونتوليفو؛ وهو لاعب وسط كلاسيكي يجيد التمرير البعيد ولاعب قيادي بالفطرة، لكنه يفتقر للإبداع وكذلك يفتقر للمهارات الفردية التي تفرضها خطة 4/2/3/1 على لاعب الوسط المحوري، لقلة اللاعبين المساندين من حوله على عكس 4/3/3.
لذلك، ورغم أن إيمري مدرب قنوع بالتشكيلات التي يمتلكها، فإنه إن تولى تدريب ميلان، فعلى الأرجح سيطلب من إدارة الروسونيري استقدام لاعب بهذه المواصفات.
الأجنحة ليست بالضرورة كمورينيو
الملاحظة الرئيسية الثانية في تكتيك أوناي إيمري هي أنه لم يسعَ قط إلى إشراك الجناح الأعسر في الجانب الأيمن والعكس، فكنا نادراً ما نشاهد الأعسر خوان ماتا يلعب في الجانب الأيمن أو نشاهد خواكين سانشيز (أو حتى بابلو هيرنانديز) في الجانب الأيسر.
فعلى العكس من جوزيه مورينيو الذي يعشق هذا الأمر (تذكر دي ماريا وكريستيانو رونالدو وكذلك تذكر إيدين هازارد) فإن إيمري كان يلعب بما يناسب الفريق نفسه، ولا يفرض أمراً معيناً في هذا الصدد، ففي إشبيلية نشاهد أنتونيو رييس يلعب في الجناح الأيمن أحياناً وفي الأيسر أحياناً أخرى، بينما يلعب أليكس فيدال صاحب القدم اليمنى على الجانب الأيمن، في حين يلعب صاحب القدم اليمنى أيضاً ماتشين فيتولو في أغلب الأحيان على الرواق الأيسر.
هذا الأمر يجعل من الممكن جداً مشاهدة لاعبين كجيريمي مينيز أو ستيفان الشعراوي على الرواق الأيمن، على عكس ما كان يحدث معهم على الدوام في اللعب على الجانب الأيسر، بينما لا أنتظر أن يستمر إيمري في الاعتماد على كيسوكي هوندا في مركز الجناح الأيمن، كما يفعل إنزاجي، وربما يكون هو صانع الألعاب المتقدم في طريقة 4/2/3/1.
مشكلة إيمري الكبرى
وقبل أن يرتاح المشجع الميلانيستا لما تم سرده (أن يتولى مدرباً جيداً تكتيكياً وقادراً على استغلال تشكيلته، مهما كانت بأفضل طريقة ممكنة انطلاقاً من كونه قنوعاً بما تقدمه الإدارة) فإن هناك مشكلة حقيقية لأوناي إيمري.
فمشكلة المدرب الباسكي الكبرى هي أنه امتاز كثيراً باللعب مباريات جيدة أمام الفرق الكبيرة دون نجاعة واضحة، فيكفيك أن تعرف أن إيمري درّب فالنسيا لأربعة أعوام لم يحقق فيها أي فوز على ريال مدريد وبرشلونة في مختلف المسابقات!
أما في إشبيلية، فإنه اكتفى بفوز وحيد على ريال مدريد في الموسم الماضي بعبقرية من راكيتيتش وكارلوس باكا، بينما كانت مباراته الأخيرة أمام برشلونة؛ والتي انتهت 2/2 صاحبة أفضل نتيجة له أمام النادي الكتالوني على مدار موسمين.
لذلك، ربما يكون إيمري مدرباً مناسباً جداً لميلان في الفترة القادمة، حيث يمكنه إحداث فارق واضح في مستوى الفريق وإخراج أفضل ما عنده، وعمل تحسين حقيقي في قدرات الفريق على التمرير وصناعة اللعب -وهو أمر بات ميلان فقيراً جداً فيه- لكن عندما يأتي وقت اللعب على البطولات، وحصد النقاط في المباريات الكبرى، فربما لا يصير وقتها الرجل المناسب .. على كل حالٍ فإن الحديث "عن وقت اللعب على البطولات" مع ميلان هذه السنوات يعد سفهاً وترفاً، ويا للأسف.